ظهر للمتأمل من جراء الأحداث الدامية في غزة العزة والكرامة أمور مهمة يحسن بكل مسلم أن يقف عليها ويتأملها ويفيد منها، فمن ذلك: 1- نفاذ مشيئة الله وقدره الذي كتبه على العباد قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن الرضا بالقضاء لا ينافي اتخاذ الأسباب في مقاومته ودفعه، وهو دليل سلامة المعتقد. 2- ظهور ألوان من العبادات التي يحبها الله تعالى من عباده، كاستمرارية الجهاد وانبعاثه في النفوس، والدعاء ومنه القنوت، والنصرة باللسان والمال والنفس، والرضا بالقضاء، والصبر على البلاء، والتآخي بين المسلمين وغير ذلك. 3- إن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة، لا يمكن لأحد أن يوقفه ولو اجتمع لذلك أهل الأرض، والأحداث الدائرة على مسرح الكرة الأرضية تصدق ذلك وتشهد له، وأن الأمة عندما تغفل أو تتراخى عنه يحدث الله لها باعثاً يوقظها له، وكيف لا وقد قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة". مسلم. وقال: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك". رواه مسلم . 4- إن الطائفة المجاهدة المقاتلة على أمر الله ستبقى إلى قيام الساعة فلا يمكن استئصالها، وأنه سيخالفها بعض المسلمين كما مر في الحديثين الآنفين لجهل أو اجتهاد أو هوى. 5- ضرورة توعية الأمة المسلمة وتذكيرها الدائم بحقيقة الصراع مع اليهود، وأنه صراع عقدي ديني، مما يعني ضرورة تمسكهم بدينهم، وضرورة فقههم للآيات والأحاديث الواردة بشأن اليهود، وخاصة تلك التي تبين حقيقتهم، وتكشف دخائل نفوسهم بكل وضوح، فيحذروهم ويقوموا بواجبهم تجاههم. 6- ضرورة تعلم فقه الجهاد ونشره بين الناس؛ ليجاهد المسلم (بلسانه بماله بسنانه) عن علم وبصيرة، حتى لا يقع في أخطاء قد يترتب عليها مفاسد كان يمكنه تلافيها بشيء من العلم والفقه. 7- ضرورة الرجوع إلى أهل العلم المشهود لهم بالعدالة، وعدم الافتيات عليهم في تقرير الجهاد أو الخروج له ما دمنا بعيدين عن ساحه؛ إذ هم أعلم منا بالدليل وفقهه وتقرير المناسب. 8- ضرورة سماع الجماهير لصوت العلم تجاه ما يصيب الأمة من نكبات؛ فلا يصح صمت العلماء تجاه ما يجري من أحداث؛ إذ يجب عليهم البيان والتبصير حتى لا يبقى الناس في حيرة من أمرهم، وحتى لا ينساقوا خلف شعارات خدّاعة، وحتى لا يفقدوا الثقة في مرجعياتهم الدينية، وهذا أمر ينطوي تحته شر كبير لا يكفي في بيانه صفحات. 9- وجوب الإعراض عن الدعوات الثورية المهيجة الداعية إلى الخروج على الحكام المتقاعسين عن النصرة فيما يظهر للناس؛ لأن الخروج له شروطه وضوابطه التي يجهلها الكثير، وهو لا يأتي بخير. ولأن الخروج وإثارة الفوضى يصب في مصلحة العدو الأصلي، ويمزق وحدة الصف المسلم؛ بل يزيده ضعفاً إلى ضعف، ووهناً إلى وهن، ويطمع العدو الظاهر والكامن في بقية المسلمين. 10- ضرورة أن نعي أن الضعف الحاصل للمسلمين اليوم مشترك بين الحكام والمحكومين، وعلى كل أن يعالج ضعفه ويداوي مرضه، ولا علاج له ولا دواء إلاّ بنشر علم الكتاب والسنة بين الناس، وبالعودة إلى ما كان عليه سلف الأمة من الصلاح والاستقامة قدر الطاقة، وبسد منافذ الشر التي بليت بها الأمة باختيار طائفة منها وسكوت طائفة أخرى؛ إذ احتضناها وغذيناها، ومكنا لها حتى فتكت بنا، فإذا كان هذا هو الواقع فليكن جهادنا الأكبر اليوم في نشر علم السلف والتمكين له، وتجفيف منابع الفساد أو تحجيمها قدر الطاقة، ذلك إذا أردنا السعادة والفلاح لأنفسنا ولأمتنا وللبشرية جمعاء. 11- ظهر للعالم كذب الشعارات الغربية التي تدعي حماية حقوق الإنسان، وترفع شعار الحرية في كل مكان، وكيف أنها أغمضت بصرها وبصيرتها عن الإنسان الأعزل الذي تُكسر عظامه، ويُنتهك عرضه، وتُحرق أرضه بمباركتها ورعايتها. 12- ظهر للعالم أن اليهود أمة ظالمة قاسية لا ترحم طفلاً ولا امرأة ولا مسناً، أمة مدمرة مخربة؛ فقد طال إفسادها كل شيء حتى دور التعليم والعبادة والمستشفيات؛ بل والشجر والطرقات ومصادر المياه. 13- ظهر للعالم أجمع صلابة الشعب الفلسطيني المجاهد، وشجاعته، وعزته، وأنفته، على الرغم من تتابع المصائب النازلة به لأكثر من نصف قرن من الزمن، وأن كل عام يمر يزيده صلابة وثباتاً وقوة أكثر مما كان. 14- ظهر للناس سلبية الإعلام العربي في الجملة وعدم وقوفه الوقفة المشرفة تجاه الأحداث. 15- ظهر مع الأحداث الدامية طائفة قلة من الغاوين ليفتوا في عضد المسلمين بما ينشرون من أباطيل، حتى يثبطوهم عن نصرة إخوانهم في فلسطين، وهذا أمر متوقع من الجهّال ومن المنافقين، وإن ظهروا في ثياب الناصحين. 16- بروز العاطفة الإسلامية الصادقة تجاه القضية الفلسطينية، متمثلة في خطابات الشجب الجماهيري، والتحركات العلمية لمناصحة الحكام وتذكيرهم بواجبهم، والتبرعات المادية من الشعوب الإسلامية بما فيها التبرع بالدم والمال. 17- تأكد وجوب النصرة على جميع المسلمين قدر الطاقة، فمن لم تتح له النصرة بالنفس، فلا يصح تأخره عن النصرة باللسان، والنصرة بالمال ولو بالقليل منه، لاسيما وقد فتحت أبوابه وقنواته الرسمية المأمونة في بعض البلدان الإسلامية. 18- ضرورة إحياء روح الترابط والتكاتف الإسلامي، والسعي الحثيث من الحكومات الإسلامية لتقوية رابطة الأخوة الإسلامية، وتعزيز ما من شأنه أن يساعد على التواصل والتآخي الإسلامي. 19- ضرورة استغلال هذه الأحداث من الدعاة والخطباء وغيرهم لتذكير الأمة بأمجادها وجهادها في عهد رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- في صدر الإسلام فما بعده، وتذكيرها بأهمية بلاد الشام عامة، وبالمسجد الأقصى وما حوله خاصة، حتى يحيا الجهاد في قلوبهم، وتستمر جذوة حماسهم. 20- ضرورة تربية الأبناء في البيوت على حب الجهاد، وإسماعهم فضائله، وتعليمهم أحكامه حتى لا تزلّ بهم الأقدام. 21- وجوب تقوية الصلة بالله تعالى، والتسامح معه، وطلب العفو منه والمغفرة لذنوبنا وسيئاتنا؛ فإن الذنوب والسيئات تحيط بالرجل الواحد فتهلكه، فكيف بأمة يُجاهر فيها بألوان من الذنوب والمعاصي، وفي مقدمتها المعاملات المالية المحرمة، وظهور الفاحشة، والتفريط في أهم شعائر الإسلام وهي الصلاة؟! 22- ضرورة اللجوء إلى الله تعالى وطلب المدد والعون منه، ومن الخطأ الشنيع أن يزدريه أو يغفل عنه البعض منا، ويجب علينا أن نحسن الظن بالله، وألاّ نتعجل الإجابة؛ فالدعاء سلاح المؤمن والله كفيل بإجابته، وهو أمضى من أي سلاح بعد الإيمان. 23- وجوب التعاون والتعاضد بين أبناء الأمة الواحدة حكاماً ومحكومين وتقديم حسن الظن والتسامح والعفو عن الزلاّت حتى يكتب الله لنا القوة والغلبة والنصر. والله أعلم.