الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحميدي: الوفاء بالعهود مع الكفار مقدم على نصرة المسلمين المعتدى عليهم
الجماعات المتطرفة تحاول إسقاط حقوق ولي الأمر بإطلاق حكم التكفير عليه
نشر في الوطن يوم 21 - 08 - 2010

واصل الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى الدكتور عبدالعزيز أحمد الحميدي في الحلقة الثانية من برنامج "همومنا" في جزئه الثاني والذي تعرضه القناة السعودية الأولى عقب صلاة الجمعة من الحرم المكي الشريف خلال شهر رمضان، واصل قراءاته ومراجعاته للفكر المتشدد ومفاهيم الغلو وكيف جنحت أفكار الغلو بكثيرين ليخوضوا في أعراض ودماء المعصومين.
فبعد الحلقة الأولى التي أحدثت حراكا فكريا في دوائر المفكرين وطلبة العلم، تطرق الحميدي في هذه الحلقة إلى مسألة الفتوى والتحدث باسم الشرع، وقال الدكتور إن ذلك أمره عظيم وشأنه كبير ولا ينبغي لأحد حتى لو كان من العلماء أن يقطع فيه بمثل هذا القطع مفرداً، واستشهد الشيخ بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض صحابته في الغزوات.
ويقدم الدكتور في مراجعاته لفكر الغلو والتطرف قراءة علمية مدعمة بالدليل الشرعي الواضح من القرآن الكريم وكتب الأحاديث والسنن الموثوقة، مبتغيا بذلك تبيان كشف الشبه والخلط الذي أعمى بعض الشباب وقادهم إلى الاجتراء على الفتيا والخوض في أعراض وأموال المسلمين وغيرهم من المعاهدين، وذلك في سلسلة حلقات برنامج همومنا الذي سيكون هو ضيفه خلال شهر رمضان المبارك.
نصرة المسلمين المضطهدين
واستكمالا لبعض المسائل التي لم تطرح في الحلقة الأولى التي تناولت مفهوم الولاء والبراء ناقش الدكتور الحميدي مسألة تتعلق بنصرة المسلمين المضطهدين إذا كانت هنالك معاهدة بين المسلمين في بلد من البلدان، وبين إحدى بلاد الكفر إذا اعتدت على بلد آخر من بلاد المسلمين، وقال: لا شك أن المسلمين مأمورون أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتناصروا فيما بينهم، المسلم أخو المسلم، يقول - صلى الله عليه وسلم - لا يسلمه ولا يخذله، والله - عز وجل – يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" واعتبر أن النجاة من الخسران منوط بالعمل الصالح، فقال: "إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا صالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، هذا أصل متفق عليه ومعمول به بين المسلمين منذ بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيستمر - إن شاء الله - هكذا إلى قيام الساعة، ولكن لو حصل أن طائفة من المسلمين أو بلدا من بلدان المسلمين اقتضت مصلحتهم وراء وليهم والقائم عليهم أن يعاهد أمة كافرة سواء كانت مشركة أو نصرانية أو يهودية عهدا تضع الحرب بينهم أوزارها ولا يعتدي هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء، وألا يقع بينهم اعتداء ونحو ذلك من أمور فوقع وحصل أن هذه الأمة الكافرة أو الدولة الكافرة حاربت طائفة أخرى من المسلمين أو دولة أخرى ليس بينها وبينها عهد، فطلب أولئك المسلمون من هؤلاء المسلمين المعاهدين لتلك الدولة الكافرة نصرتهم والقيام معهم، ففي سورة الأنفال دليل يعطي حكما وحقا وجوازا للأمة المسلمة المعاهدة أن تحفظ عهدها وتقدمه على واجب النصرة لتلك الأمة المسلمة المعتدى عليها من قبل الدولة التي عاهدتها، فقد استثنى الله سبحانه مسألة مراعاة ذات العهد وقدمه على واجب النصرة الذي هو من متعلقات مسألة الولاء والبراء ومن مقتضياتها، قال الله تعالى في خاتمة سورة الأنفال "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض"، فقد أسس الله الولاية بين المؤمنين المهاجرين والأنصار ثم قال: "والذين آمنوا ولم يهاجروا" لم يكونوا من جماعتكم ولم يكونوا من فئتكم، بقوا فيما هم أماكنهم التي بقوا فيها "ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين" أي عدا عليهم قوم كفار، "فعليكم النصر" أي عليكم واجب أن تنصروهم، ثم استثنى "إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق"، فإذا كان بين هؤلاء المسلمين وهؤلاء الكافرين المعتدين على إخوانهم المسلمين في بلد آخر عهد وميثاق بعدم الاعتداء، فيقدم العهد ويقدم الميثاق ومراعاته وحفظه على واجب النصرة، فالنص دل على أنها مسألة أولا مستثناة من الحكم في واجب النصرة، وثانيا هي لا تقدح في ولاء هؤلاء المسلمين المعاهدين لأولئك الأمة الكافرة لله ولا لرسوله ولا لدينه ولا لإخوانهم.
أدلة من السيرة
وساق الحميدي نصا من السنة النبوية يؤكد على معنى الآية الكريمة واعتبره حلا للإشكال الذي قد يقع في هذه المسألة، وهو تفسير عملي وواقعي من النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه الآية الكريمة، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه - وهو معتبر عند أهل السنة وثاني كتب الحديث المعتمدة عندهم - حديث حذيفة بن اليمان بن حسن العبسي، واليمان بن حِسن العبسي صحابي وابنه حذيفة صحابي مشهور كانا محالفين للأنصار وهما ليسا منهم، كانا من بني عبس، لكن أصبحا من الأنصار بحكم هذا الحلف، خرج حذيفة ووالده لبعض شأنهما فوقعا أسيرين لدى قريش بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وقالت قريش لليمان ولحذيفة: آويتم الصباء عندكم الصباء يقصدون النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، فنحن نأخذكم يعني عوضا عنهم أو رهنا عنهم، ففاوضهم اليمان وحذيفة على أن يطلقوا سراحهما مقابل أن يعاهدا قريش ألا يحاربا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ضدهم إذا خرجوا إليهم، فوافقت قريش وعاهدتهما على ذلك، فرجعا إلى المدينة، وصار الآن بين حذيفة بن اليمان وأبيه اليمان وهما صحابيان فاضلان من الأنصار، والأنصار ممن بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعة العقبة على النصرة، صار بينهم عهد مع قريش على عدم الحرب حتى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحصل بعد أشهر أن خرج النبي - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه يرصدون عيرا لقريش فجمع الله بهم مع قريش في أرض بدر في اليوم العظيم المشهور وهو يوم بدر، فلما اقتربت المعركة أخبر اليمان وابنه حذيفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعهدهما مع قريش، فأفتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفتوى التالية كما في صحيح المسلم "نفي لكما بعهدكما ونستعين الله عليهم فارجعا"، مع أن قريش محاربة في ذاك الوقت، ومن أعظم القبائل - قبل إسلامهم - حربا للنبي صلى الله عليه وسلم. لكن في أحد شاركا لأنه لم يكن عهدهما إلا إذا خرج النبي – صلى الله عليه وسلم -، أما إذا هم غزوهم في المدينة فينصرانه في ذلك، فالشاهد من هذا الكلام أن الآية فيها استثناء صريح وحديث حذيفة واضح الدلالة.
وأشار الحميدي إلى أن ابن القيم رحمه الله استنبط من الدروس والمسائل الفقهية في غزوة بدر أنه إذا عاهد بعض المسلمين وإمامهم قوما من الكفار ثم اعتدى أولئك الكفار على مسلمين آخرين مستضعفين فاستنصروا هؤلاء فلا ينصروهم وفاء بعهدهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. مضيفا قصة أخرى وهي قصة أبي رافع الذي أوفدته قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وصل المدينة وقع الإسلام في قلبه وأسلم وقال للنبي عليه الصلاة السلام: لا أريد أن أرجع للمشركين أريد أن أبقى معك، قال لا نحن قوم لا نخيس بالعهد، ارجع فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فعد بعد ذلك وسيجعل الله لك فرجا ومخرجا، وفي رواية إنا لا نخيس بعهودنا ليعمم الحكم عليه وعلى عموم المسلمين، فصار الأمر ظاهرا الآن وواضحا.
استغلال حماسة الشباب
ونبه إلى ما تمارسه بعض التنظيمات والجماعات في الوقت الحاضر عندما تتناقل وسائل الإعلام اعتداء ما على بعض بلدان المسلمين فتوظف تلك الجماعات هذه المآسي لحشد الأنصار من طوائف المسلمين وبلدانهم والمساعدات والأموال بداعي النصرة فيقع هذا تأثيره في النفوس فلا يراعي كثير من الشباب الذين يستجيبون لهذه الدعوة وكثير ممن يخرجون إلى بعض هذه التجمعات ولا ينتبهون إلى أن إمامهم في بلدهم أو حاكمهم في إقليمهم له عهد مع تلك الدولة بعدم الاعتداء، والحكم الشرعي "أنا لا نخيس بالعهد"، والحكم الشرعي "فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق"، فإذا تدارسنا هذا الدليل واستوعبناه صار عندنا فقه في المسألة بحيث لا تغلب العاطفة فيخيس المسلمون بعهودهم أو يخفروا ذمم وعهود ولاة أمرهم بداعي أنهم خذلوا المسلمين ولم ينصروهم.
ونبه الحميدي إلى خطورة هذه القضية خاصة أن بعض الشباب تأخذهم الحماسة بدافع أن المعتدى عليه من المسلمين اضطهد وأكل ماله واعتدي على عرضه من قبل كفار كان بينهم وبين إمام المسلمين ميثاق، ويصل بهم الأمر إلى تكفير الإمام الذي يكون بينه وبين هؤلاء الكفار عهد، مشددا على أن التكفير ليس كلمة عابرة تقال وليس حكما من حق أي شخص أن يطلقه على أي مسلم، ولو ظهر من أفعاله ما يوحي بأنه مناقض لبعض أصول الدين، لأن التكفير – كما يقول الحميدي- قبل أن يكون حكما على فعل الإنسان وعمله هو حكم على باطنه، فعندما يكفر أو يكفر شخص شخصاً هو في الحقيقة حكم على باطنه وعلى داخله أنه في داخله وفي قلبه كره الإسلام وكفر بالله، وهذا حكم غيبي، ليس لأحد حق فيه، بل هو حق لله - سبحانه وتعالى - وللنبي صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه بوحي معين يبلغه، وساق الحميدي ما أخرجه البخاري في صحيحه وهي قصة ذي الخويصر التميمي الذي كان رأس الخوارج الأولين، ففي حديث أبي سعيد الخدري في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم عطاء أتاه من اليمن من علي بن أبي طالب حيث أرسل إليه بذهيبة فقسمها بين أربعة رجال رأى النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاده باعتباره حاكما وإماما للمسلمين أن هؤلاء الأربعة يتألفون بهذا المال، ولم يعطِ البقية، اجتهد في ذلك وله الحق فيه لمراعاة مصلحة معينة رآها، فقال رجل كما وصفه أبو سعيد الخدري غائر العينين ناشز الوجنتين ناتئ الجبهة مشمر الإزار محلوق الرأس وهو ذو الخويصر التميمي رأس الخوارج: يا محمد يخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخاطب أحد من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ يا محمد بل كانوا يخاطبونه بالنبوة أو الرسالة، قال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل، هذا تخوين للنبي - عليه الصلاة والسلام - ولو أُخذ به لكان هذا تكفيرا له، لأنه أطلق عدم العدل والخيانة على أمين أهل السماء وأمين أهل الأرض وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -، فغضب عليه الصلاة والسلام وتمعر وجهه وقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل، ألا تأمنوني في قليل من المال قسمته وأنا أمين مَن في السماء يعني رب العالمين يأتيني الوحي صباح مساء ،أأمنتوني في الدين والبلاغ عن الله والأخبار الغيبية عن الآخرة ولا تأمني في دنانير أقسمها رأيت مصلحة في قسمتها ولو كان لي غرض فيها لأخذتها لنفسي ما أعطيتها أحدا أصلا أو أعطيتها بعض قرابتي أو أعطيتها بعض زوجاتي أو أعطيتها بعض وجوه العرب أتألفهم بها، وغضب خالد بن الوليد تبعا لغضب النبي عليه الصلاة والسلام ورأى في كلام هذا الرجل تخوينا للنبي - عليه الصلاة والسلام - ومن موجبات الردة وسل سيفه وقال: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، باعتبار يعني استوجب عنده القتل باعتبار كفره وردته وتخوينه لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: دعه، ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يعني في فهمي أنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رد تكفير خالد الذي بنى عليه الرغبة في قتله، قال دعه لعله أن يصلي، وهنا موقف مهم جدا، النبي عليه الصلاة السلام مؤيد بالوحي يأتيه الوحي ويخبره هذا منافق وهذا ليس بمنافق، لكن هنا لم يخبر بخبر يتعلق بهذا الشخص في ذاته وإنما أعطى قاعدة يحتاجها المسلمون بعده إلى اليوم وإلى ما شاء الله "لعله أن يصلي"، ومعنى لعله أن يصلي أن الصلاة هي فارقة، فمن أقام الصلاة أو احتمل أن يصلي، فهو معصوم الدم ولا يقتل ولو صدر منه ما يرى أنه يستوجب ذلك، كما أعطى الرسول قاعدة أخرى في هذا الحديث حين قال لخالد بن الوليد: إني لم أؤمر فيما أوحي إلي أن أنقب عن صدور الناس، أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق عن صدورهم. واعتبر الحميدي أن أمثال هذه المعاهدات أقل بكثير من تخوين النبي عليه الصلاة والسلام.
وفي ذات السياق أورد الحميدي قصة أسامة بن زيد الذي كان ضمن سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينة، وكان شابا في حدود السابعة عشرة من عمره، يغلب عليه الحماس ككثير من شبابنا اليوم الحماس والقوة والجهاد وقتال الكفار أكثر ربما من الروية والحكمة وتنزيل الأحكام الشرعية منازلها، ولو خالفت غيظا في نفسه، فالتقوا مع الكفار واقتتلوا، يقول أسامة: وكان في المشركين رجل أبلغ في المسلمين الجراح وقتل فلانا وفلانا حتى أغاظه غيظا شديدا، قال: فقصدته أنا ورجل من الأنصار وفي رواية في صحيح المسلم فقصدته أنا ورجل وشيخ من الأنصار، إذا فرق الآن بين الشاب وبين الشيخ في التصرف وكلاهما في المعركة، فلما وصلنا إليه وعلوته بسيفي وعلاه الأنصاري برمحه قال لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الأنصاري وطعنته بالسيف لأنه غلب على ظن أسامة أنه قالها ليحتمي من القتل، فلما رجعوا أخبروا النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، قال يا رسول الله إنه قتل فلانا وفلانا، كما يقول الشباب اليوم: قتلوا المسلمين وفعلوا كذا، لكن هناك عهود ومواثيق يجب أن تراعى. فقال له الرسول – صلى الله عليه وسلم - هل شققت عن قلبه لتعلم قالها تعوذا أو حقا وصدقا، وكرر عليه: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءتك يوم القيامة حتى قال أسامة وددت أني لم أسلم إلا ذلك اليوم ولم أكن شهدت هذه المعركة وحصل مني هذا الموقف لشدة ما عظم عليه النبي عليه الصلاة والسلام هذا الفعل.
وتأكيدا على هذه المسألة ساق الحميدي قصة المقداد بن الأسود حين استفتى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله أرأيت إذا التقيت أنا ورجل من المشركين فاقتتلنا فضربني بالسيف فقطع يدي ثم لاذ مني بشجرة، فلما علوته بسيفي قال لا إله إلا الله أأقتله، قال لا تقتله، قال إنه قطع يدي، قال: لا تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته.
حقوق ولي الأمر
وأشار الحميدي إلى أن الشريعة علقت على ولي الأمر أحكاما شرعية كثيرة مثل أمر السلم والحرب والمعاهدات والمواثيق ومن يعادى ومن لا يعادى، ومن يدخل بلد المسلمين ومن لا يدخل، كلها متعلقة بحقوق ولي الأمر ومعاهداته، فإذا أسقط باسم التكفير – وهو ما تركز عليه الجماعات المتطرفة - ألغيت كل هذه الأحكام تبعا لذلك فسهل إقناع الشباب المتحمس المغتاظ من الكفار إلى أن يهجر بلد إمامه وجماعة المسلمين في بلده، إلى تلك التنظيمات ثم لا يجد عندهم ما تصوره من نصرة أو من حق أو من دفع باطل أو حتى من دفع الكفار. ولأن الجهاد مربوط بولي الأمر، فهم يحاولون قطع الصلة بين الولاة والعلماء وبين الشباب، ليقنعوهم أنه لا يوجد أحد يستأذنون منه أو يأخذون رأيه في الخروج للجهاد.
وكشف الحميدي عن وجود تيار فكري قديم، لكنه تجدد، وهو نوع من إخفاء الأهداف الحقيقية إلى أمد وإلى حين، واستخدام مساحة مشتركة كعاطفة دينية، كتبني قضايا من قضايا المسلمين في جهة من الجهات ومن ذلك رفع راية دفع الكفار ومجاهدتهم ونصرة المسلمين، ويحاولون إقناع الشباب بشتى الوسائل للتحلل من البيعة للإمام وهجر أرضهم وبلدهم والالتحاق بهم، ثم إذا صاروا في تلك التجمعات ظهرت لهم الأهداف الحقيقية وليس لنصرة من وظفت قضيتهم كمغناطيس للجذب نصيب منها في شيء، فيقعون في متاهة عظيمة وكارثة كبيرة، والحديث في قضية الجهاد فيه افتئات على المسلمين، فلا يعلن الجهاد ولا يقوم به إلا إمام متمكن مجتمعة عليه الكلمة، عنده المكنة وعنده القوة على أن يكسر من يعاديه من الكفار ويظهر عليهم. مشيرا إلى الآية الكريمة "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" والتي قال أهل التفسير فيها: مهما جنح أعداؤكم من الكفار إلى المسالمة والموادعة فاجنحوا لها سواء كنتم متمكنين وأقوياء وعندكم القدرة على دفعهم وقتالهم أو كنتم في حال خوف وقلة وضعف، وقد جاءت هذه الآية في سورة الأنفال بعد آية القوة ورباط الخيل المشهورة وهي قوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم" فحتى مع إعداد العدة ومع وجود رباط الخيل، إن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله. وهناك حديث آخر يرويه علي بن أبي طالب، قال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا علي إنها ستكون فتن وأمور تنكرونها" قلت فما تأمرني قال: مهما كانت السلم فافعل، أي مهما وجدت المجال للمسالمة والموادعة ودفع الكفار بأي وسيلة غير القتال مهما أمكن ذلك لا تجعل القتال إلا - كما يقال - آخر الدواء الكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.