يلتهم خروفا في 30 دقيقة    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    إصابة طبيب في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    اختبارات الدور الثاني للطلاب المكملين.. اليوم    "مركز الأرصاد" يصدر تنبيهًا من أمطار غزيرة على منطقة الباحة    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    «الغرف»: تشكيل أول لجنة من نوعها ل«الطاقة» والبتروكيماويات    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    نائب وزير التجارة تبحث تعزيز الشراكة السعودية – البريطانية    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    القِبلة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    المدى السعودي بلا مدى    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار العمل.. تسلية بالأمانة على حساب المصلحة
نشر في اليوم يوم 27 - 09 - 2013

جاءت الشريعة الإسلامية الغراء بالحرص على تحصيل المصالح وتكميلها, وتقليل المفاسد وتعطيلها؛ ولأن الأسرار من الحالات الأخلاقية التي تتطلب مراعاة كاملة لما يترتب على إفشائها من أضرار عامة، فقد راعت الشريعة وآدابها ذلك. وفي جميع الأحوال، سواء على الصعيد الشخصي أو العملي، فإن إفشاء الأسرار ينطوي على مفاسد عظيمة ومخاطر كبيرة، وفي هذا السياق نضع قضية نشر أسرار العمل الحكومي أو الأهلي من جهات شرعية أو غير شرعية أمام عدد من المشايخ والعلماء، للإجابة عن عدد من التساؤلات حول الحالة الشرعية والأخلاقية والقانونية لذلك.
المصلحة والمفسدة
يقول الشيخ يوسف الغامدي: نشر أسرار الأعمال وما يتعلق بها من أمور موضوع جدير بالاهتمام والإحاطة.
وبالنظر إلى القواعد الشرعية العامة مثل قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فننظر إلى هذا الموضوع المهم بالمنظور الشرعي بتحديد المصلحة والمفسدة في نظر الشرع حتى يتحرر محل النزاع ويزول الإشكال, ثم إنه قد يرد إشكال عن السر فما السر؟
وهل كل شيء في العمل يكون سرا ؟
فهذا غير وارد فليس كل شيء يسمى سرا كالاختلاسات والمعاملات التي تضر العمل وتسيء إلى هذا القطاع فيتنبه إلى هذا الجانب بالنظر السديد والرأي الحصيف.
هل هذا الأمر من قبيل السر الذي يجب حفظه وكتمانه ؟ أم أنه لا يكون سرا في الحقيقة، بل من الأمور العامة العادية أو قد يكون من المنكرات التي ينبغي السعي الى إزالتها والسعي الى انكارها وفق أمور الشريعة وطرائقها المعلومة؟
وأضاف الشيخ الغامدي إنه لابد من التفرقة بين المصالح الشخصية والمصالح العامة ولابد من تقدير الأمور بمقاديرها حتى لا يحصل هناك إشكال يُتنازع فيه, وللجهات المختصة الحكومية الشرعية منها وغيرها أو الأهلية النظر في هذا الشأن وبيانه لموظفيها مع مراعاة الضوابط الشرعية حتى لا يقعوا في دوامة الاختلافات والقلاقل التي تثير الناس وتبث الشائعات, ومما ينبغي حفظ الأسرار إذا كانت حقيقية ويترتب على الجهة الحكومية أو الأهلية ضرر ومفاسد إذا أفشيت الأسرار والنصوص الشرعية واضحة بينة في حفظ الأسرار وعدم إشاعتها وبثها فكيف والحال أنها تتعلق بالأمن أو الدولة فيكون الحكم فيها أشد.
وأشار إلى أن بعض الأمور لا تجري على قاعدة واحدة فبعض القضايا تحتاج إلى نظر وبحث واستشارة لأهل العلم خصوصا في مثل هذه الأسرار والأمور الهامة فلا يقدم عليها العامل أو الموظف إلا بعد تَحَر وتبصر في عواقب الأمور حتى لا يضر بنفسه وسمعته ولا بعمله أو القطاع الذي ينتمي إليه وحتى لا يكون مشاركا في إثم البلبلة وإشاعة الفتنة بسبب نشره لبعض الأسرار.
محرم شرعا ومجرم قانونا
ويرى الشيخ المحامي فوزي السبتي أن المحافظة على الأسرار قيمة أخلاقية سامية من سمات المسلم الحقيقي، ويقول: إن الحديث عن المحافظة على الأسرار حديث عن قيمة أخلاقية سامية، بل هو حديث عن سمة من سمات المسلم الحقيقي.
وأضاف الشيخ السبتي: سواء كانت هذه الأسرار لعمل حكومي أو مؤسسة خاصة أو شركة أو حتى عمل خيري وهذه الأسرار هي المتعلقة بخطط العمل واستراتيجياته وموارده المالية وصيانة معلوماته يقول تعالى: ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) ويقول (صلى الله عليه وسلم) : «استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها.
وتابع: نحن أمام مطلب شرعي وخُلُقُي لا يمكن تجاهله أو إغفاله ومن الناحية العقلية فإن المحافظة على أسرار العمل دليل على كمال عقل الشخص وتبصره بالأحوال والأوضاع.
لذلك فإن الذين لا يوفون بعهودهم وأماناتهم من أسرار هامة وأمور خطيرة هم غادرون بنص الشارع الحكيم يقول عليه الصلاة والسلام ((يعقد لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان ابن فلان )) لا يكتم السر إلا كل ذي ثقة «والسر عند خيار الناس مكتوم، فالسر عندي في بيت له غَلق» ضاعت مفاتيحه والباب مختوم.
وأوضح الشيخ السبتي إنه ينبغي أن نَعلَم ونُعَلم بأن فداحة الجرم بعظم خطر السر , لأن الأسرار ليست على وتيرة واحدة فكلما عظم الأثر والخطر (عظم الذنب والإثم) وليس هناك ضابط لما هو سر أو ليس سر إلا صاحب العمل أو المؤسسة فهو الذي يقرر ذلك وينبغي عليه أن يبين ذلك، وليس من السر الحديث عن أمرٍ يكون سبباً لدفع جريمة قد تقع, أو الحديث عن العمل بوجه عام دون الدخول في الخصوصيات والخطط والاستراتجيات والموارد المالية.
وأشار الشيخ السبتي إلى أن الحديث عن هموم التعليم والحديث عن هموم الصحة والمحاماة وغيرها من الجهات أو الدوائر ليس إفشاءً للأسرار, كذلك الحديث من أجل الفائدة ونشر الخير مما هو في الإطار العام.
وأضاف إن هناك كثيرا من الممارسات الخاطئة فيما يتعلق بإفشاء الأسرار منها: إفشاء معلومات تتعلق بالوضع المالي أو التنظيمي للدولة أو المؤسسة أو الشركة، وأيضا نشر أخبار الخلافات - إن وجدت - للعامة ما يؤثر على سمعة المؤسسة، ومنها الاحتفاظ بورقة أو نزع ورقة من ملفٍ لاستغلاها واستخدامها عند الخلاف، ومن ناحية قانونية فإن القانون المدني يجرم هذا العمل, بل ويعتبر الحفاظ على الأسرار واجبا أخلاقيا تقتضيه مبادئ الشرف والأمانة حمايةً للحقوق الخاصة، وكذلك للمصلحة العامة، ومن ذلك يتضح أن إفشاء الأسرار عمل محرم شرعا ومجرم قانونا.
الكشف قسمان
ويشير الشيخ عبد السلام العييري الى أن كثيرا من الأمور جاء الشرع بالحرص على الستر فيها وعدم نشر الأسرار والخصوصيات، ويقول: من تأمل في شريعتنا الغراء يلاحظ أنها جاءت بأوامر كثيرة تدل وتحث على الستر الذي ضد الكشف والإفشاء والإعلان.
كما جاءت بالمنع من إفشاء كثير من الأمور ومن ذلك تحريمها الغيبة لأنه كشف عيوب شخص ولم يستره والنميمة والتجسس، وكذا أمرت الشريعة بالاستئذان (إن أُذن لك وإلا فارجع).
وأضاف الشيخ العييري: منعت الشريعة أن يكشف الرجل أسرار زوجته وتكشف الزوجة أسرار زوجها كما في الحديث : (إن من شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، والمرأة تفضي إلى الرجل ثم يكشف سرها) رواه مسلم.
فكثير من الأمور جاء الشرع بالحرص على الستر فيها وعدم نشر الأسرار والخصوصيات.
وقد تأتي المصلحة أحيانا بالكشف والإعلان ونشر بعض الأسرار لما يكتنف ذلك من مصالح وفوائد كما في ترك الإمام أو من يقوم مقامه من الصلاة على قاتل نفسه أو صاحب كبيرة حتى يرتدع الآخرون مع أن فيه نشرا وإظهارا.
وأضاف إن الكشف ونشر السر قد يقسم إلى قسمين، الأول: نشر لأسرار تتعلق بالأفراد، ونشر لأسرار تتعلق بالدولة أو المؤسسات أو الشركات على اختلاف تخصصاتها.
فما كان يتعلق بالدولة وفيه ضرر على المسلمين فهذا هو الجاسوس الذي يقتل لحديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، والثاني: كشف يضر بالأفراد أو المؤسسات أو الحكومات وسواء كان ضرره دينيا أو دنيويا وهو ظاهر، وإن كان كشفا لا يضر ولا يؤثر أبدا فهذا مما لا إشكال فيه.
لكن يراعى فيه جانب العرف والمشاعر , فقد لا يكون هناك ضرر ديني ولا دنيوي لكن قد يكون فيه إشكال من جانب العرف والمشاعر فيتنبه لمثله.
واستطرد العييري: يجب أن يراعى في حالة كون المصلحة تكون في نشر السر أن يقدر المصلحة فقيه أو قانوني حتى لا يكون ضررا مترتبا على ذلك لأن الشريعة نصت بقواعدها على دفع الضرر وفي الحديث (لا ضرر ولا ضرار).
فالنظر في هذا الموضوع يكون من ناحية الضرر وعدم الضرر ومع المصلحة ويحدد المصلحة من هو أهل لها فقها أو قانونا.
شبكات التواصل
ويؤكد الشيخ عبدالرحمن الخضير إن شبكات التواصل الآن من «تويتر» و «واتس أب» وغيرها أصبحت مرآة لكثير من الأسرار التي تتعلق بالأعمال سواء كانت حكومية أو خاصة, وهذا يتطلب وعي ونشر ثقافة ممارسة مثل هذه الأعمال.
وأوضح الشيخ الخضير إن شبكات التواصل مع سهولتها وكثرة استخداماتها أضحت موقعا تنشر من خلاله الأسرار التي تتعلق بالأمن أو العمل أو المجتمع. فكم نقرأ ونرى من خلال شبكات التواصل من ينشر أخبارا عسكرية ومرابطات لجنود هذا الوطن الذين يتركون أهاليهم وأسرهم كي يتفرغوا لحماية أمن هذا الوطن وحراسة بيضته وحماه.
إن كثيرا من الأمور جاء الشرع بالحرص على الستر فيها وعدم نشر الأسرار والخصوصيات، و من تأمل في شريعتنا الغراء يلاحظ أنها جاءت بأوامر كثيرة تدل وتحث على الستر الذي ضد الكشف والإفشاء والإعلان وقد تكون كاذبة وينشرها مغرض وقد تكون صادقة وينشرها جاهل أو حاقد وهو في نظري مؤشر خطير ينبغي أن تتظافر جهودنا جميعا لمكافحته.
وأضاف الخضير إن من ينشر مثل هذه الأسرار إما أن ينشرها بغية السبق الإعلامي, أو أن تكون له مصالح ومآرب شخصية يود الحصول عليها عن طريق نشر مثل هذه الأخبار والأسرار التي في الأعم الأغلب تكون ضارة وغير نافعة، بل إن الضرر المترتب على نشر مثل هذه الأسرار أكثر بكثير من نفعها؛ أضرارا أمنية حين ينشر أحدهم أخبارا أمنية تتعلق بالبلد وأمنه وعقوبة ذلك معلومة, وأضرارا اقتصادية على البلد ورجال الأعمال والمستفيدين حين يكشف أسرارا كاذبة ويروج لمعلومات خاطئة عنهم , وأضرارا اجتماعية من تناقل الشائعات وبث المعلومات الخاطئة التي تفتقر لأدنى معايير الدقة والمصداقية.
ودعا الى التحذير من مثل هذه الظواهر السلبية التي بدأت تطفو على سطح المجتمع وتضافر جهود الجميع من أئمة وخطباء وإعلاميين ومسئولين.
أحسن الأخلاق
ويقول الشيخ سيف البيشي : إن من مقتضيات الوفاء بالعقود في المؤسسات والأعمال سواء في العمل الحكومي أو الخاص أو حتى القطاع الخيري، ومن أهم هذه المقتضيات حفظ وصيانة المعلومات والخطط والتوجهات والموارد.
فحين تجري مؤسسة من المؤسسات عقدا مع فلان من الناس ليكون موظفا فيها, فإنها تنظر أن يرعى مصالحها كما يرعى مصالح نفسه وأسرته لا أن يخون أمانته وأسرار عمله.
فمن المعلوم تجاريا أن بعض المصانع والشركات الكبرى تكمن قوتها في تركيباتها العلمية وخططها الإنتاجية وعلاقاتها التجارية, فعندما يفشي الموظف فيها هذه الأسرار إلى جهة يعد ذلك من خيانة الأمانة.
وأضاف الشيخ البيشي إن الإسلام جاء بأحسن الأخلاق وأكمل الشرائع, ومن ذلك أنه عظم شأن الأمانة, وأكد على أهمية حفظ الأسرار، وخطورة الإثم في نشرها وإشاعتها، ومن ذلك قوله الله تعالى: « وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً».. وقوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ].. وقال تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون]َ.
وهذه الأدلة ترشد الناس للمحافظة على ما بينهم من أسرار وعهود وعقود، وتحثهم على بناء جسور الثقة والألفة والتعاون فيما بينهم، لتستقيم المصالح وتُدرأ المفاسد.
وقد حثنا النبي عليه الصلاة والسلام على أن نستعين على إنجاح أمورنا وحوائجنا أو مشاريعنا بالكتمان، فقال: ((استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود)).
فالكتمان إذاً في إنجاح المشاريع وقضاء الحوائج مطلب شرعي، قبل أن يكون مطلبًا أخلاقيا أو وظيفيًّا أو إداريَّا.
وأشار الى أنه عليه الصلاة والسلام حذر من خيانة الأمانة والغش فقَالَ: ((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))، وقال: ((مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا))، وقال: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)) .
ونوه الشيخ البيشي إلى أن إفشاء أسرار العمل والوظيفة غدر وخلق ذميم منكرا شرعا وعقلا وعرفا، لذا وجب علينا التذكير بأهمية التعامل بأخلاق الإسلام وتعاليمه لنعزز قيم الصدق والصفاء والنقاء في مجتمعاتنا.
فالرقي الحقيقي ليس فقط في تطوير التقنيات والأجهزة فقط، بل في تخلقنا وتمسكنا بقيم ديننا في الأخلاق والسلوك.
تعليمات محددة
ويوضح الشيخ تركي الشليل إن مما يحتاجه الناس في معاملاتهم وتعاملاتهم اللجوء إلى شيء من السرية في بعض الأمور لما تحمله من حساسية أو لتعلقها بأشخاص زلت بهم الأقدام وتوجه الستر عليهم, أو لغير ذلك من الأمور التي تقتضي المصلحة اقتصار الاطلاع عليها من قبل عدد محدود من الناس, وجزء كبير من هذه التعاملات أو المعاملات خاص بالجهات التي تنظم شؤون الناس سواءً كان حكومية أم أهلية؛ وهذا - ولا شك - فيه أنظمة مرعية وتعليمات محددة تضبطه وتحدد ما يجب أن يكون سريًا وما يكون عاديًا.
ويقول الشيخ الشليل: هذا بشكل عام, أما بشكل خاص بالجهات الأمنية والشرعية هي أكثر من يحتاج إلى تلك السرية والكتمان, كونها تتعامل مع قضايا ومخالفات مرتكبة من قبل أشخاص, وعورات لا ينبغي الاطلاع عليها ممن ليس له علاقة بمعالجتها والقيام بما يجب حيالها, بل إن نشرها وتسريبها قد يُعتبر من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا, ويُلحق فاعلها بمن وصفهم الله - سبحانه وتعالى - بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».
هذا من جانب, ومن جانب آخر يكون فاعلها ممن سعى الى فضح صاحب القضية أو المخالفة وكشف سوءته للناس, والكلام في الجانب الشرعي لهذه المخالفة يطول, وهو مفصل في مظانه من كتب أهل العلم.
ومن جهة نظامية وهي - ولله الحمد - في هذه البلاد المباركة تكون منطلقة من التعليمات الشرعية؛ فإن النظام قد جرم من يقوم بنشر الأوراق السرية, والوثائق الرسمية.
فقد جاء في نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشائها الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/35) وتاريخ 8/5/1432ه, المادة الخامسة : مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد مقررة نظامًا, يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشرين سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معًا, كل من : نشر وثائق أو معلومات سرية أو أفشاها، أو دخل أو شرع في الدخول إلى أي مكان أو موقع غير مأذون له بالدخول فيه, بقصد الحصول على وثائق أو معلومات رسمية، أو حصل بأي وسيلة غير مشروعة على وثائق أو معلومات سرية، أو حاز أو علم بحكم وظيفته وثائق أو معلومات رسمية سرية فأفشاها أو أبلغها أو نشرها دون سبب مشروع مصرح به نظامًا. إلى غير ذلك من المواد والبنود التي تجرم هذا الفعل, وترتب عليه عقوبات بدنية ومالية. وأضاف الشيخ الشليل إن كل موظف مؤتمن على وظيفته وما يسند إليه من مهمات وأعمال, وما يترتب عليها من وثائق وأوراق؛ فإذا خان الأمانة وجبت معاقبته وردعه وفق التعليمات الشرعية والأنظمة المرعية.

دلالات إفشاء السر
معنى الإفشاء:
الإفشاء من فَشا الخبر يَفْشو فُشُوًّا وفُشِيًّا، أي: انتشر وذاع، وأفْشاهُ غيره، وتَفَشَّى الشيء، أي: اتسع، وفشا الشيء: ظهر.
معنى السر لغة:
السِّرُّ : هو ما يكتم وهو خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا، خلاف أعلنته. وسارَّه: إذا أوصاه بأن يُسرَّه، وتَسارَّ القومُ، وكنَّي عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إنه يخفى.
معنى السر اصطلاحًا:
قال الراغب: (السِّرُّ هو الحديث المكتم في النفس).
وقال الكفوي: (هو ما يسرُّه المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها).
معنى إفشاء السر اصطلاحًا :
إفشاء السر هو : تعمد الإفضاء بسرٍّ من شخص ائتمن عليه، في غير الأحوال التي توجب فيها الشريعة الإسلامية الإفضاء، أو تجيزه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.