الكتمان: هو ستر الحديث، والسِّرُّ: هو اسم لما يُسِرُّ به الإنسان أي يكتمه، وهو خلاف الإعلان. قال الجاحظ: (ومنها كتمان السِّرِّ وهذا الخلق مركبٌ من الوقار وأداء الأمانة، فإنَّ إخراج السِّرِّ من فضول الكلام وليس بوقورٍ من تكلَّم بالفضول، وكتمان السِّرِّ محمودٌ من جميع الناس وخاصة من يصحب السلطان، فإنَّ إخراجه أسراره مع أنَّه قبيحٌ في ذاته يؤدي إلى ضررٍ عظيمٍ يدخل عليه من سلطانه) تهذيب الأخلاق للجاحظ مع تصرف يسير (25). وإذاعة السِّرِّ علامةٌ من علامة قلة الصبر وضيق الصدر، والذي يوصف به هم الضعفة من الرجال والصبيان والنساء، ومَثَلُ كاتم السر كما قال الشاعر: ويكاتمُ الأسرار حتى كأنَّه ليصونها من أنْ تمرَّ بباله والكتمان نوعان: الأول: الكتمان المحمود وهو ضربٌ من الأمانة، ونوعٌ من الوفاء، وعلامةٌ على الوقار، وهو كتمان سرِّ غيره أو النفس. الثاني: الكتمان المذموم وهو على ضربين أيضاً: كتمان الشهادة وذلك حرام، وكتمان ما أنزل الله وهو حرامٌ كذلك. عن معاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإنَّ كلَّ ذي نعمةٍ محسودٍ) أخرجه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (943). ومما ينبغي على المرء الذي ائتمن شخصاً سِرَّاً فأذاعه أنْ يعذره ولا يفشي إليه سِرّاً مرة أخرى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ولا تفش سرَّك إلا إليك فإنَّ لكل نصيح نصيحاً فإني رأيت غواة الرجال لا يتركون أديما صحيحاً وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه:(ما وضعت سرِّي عند أحد فأفشاه علي فلمته، أنا كنتُ أضيق حيث استودعته إياه) كتاب الصمت ص451-452 ومما أورده الغزالي في إحياء علوم الدين (2-195) قول الشاعر: وترى الكريم إذا تصرَّمَ وصله يخفي القبيح ويُظهر الإحسانا وترى اللئيم إذا تقضَّى وصله يخفي الجميل ويظهر البهتانا وقول العباس بن عبدالمطلب لابنه عبدالله رضي الله عنهما: (إني أرى هذا الرجل يعني عمر - رضي الله عنه - يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمساً: لا تُفشين له سرّاً ولا تغتابن عنده أحداً ولا تجرين عليه كذباً ولا تعصين له أمراً ولا يطلعن منك على خيانة فقال الشعبي: كلُّ كلمةٍ من هذه الخمس خيرٌ من ألف) انتهى. ومن فوائد كتمان السِّرِّ تمكن الإنسان من قضاء حوائجه ومصالحه ولا يواجه بما يعوقه عنها، وأنَّه نوعٌ من أنواع الأمانة، وأنَّه يوثق الصلة بأخيه حين يحفظ أسراره، وكذلك يوثق عرى المحبَّة بين الإنسان ومن يحفظ عليه سرَّه. ومما سبق تبين لك أيها القارئ الكريم أهمية وفضل كتمان السِّرِّ فاحرص يا رعاك الله على حفظ الأسرار وعدم إفشائها. خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير) [email protected]