يسري في إعلامنا الوطني المطبوع و الافتراضي ظاهرة المقالات الساخنة التي تتميز بالإثارة و النقد الساخن المفعم بالحماسة و التثوير في نقد الظواهر الاجتماعية. فالمقالات الساخنة النقدية للقضايا الخدمية التي تثير الاهتمام بحجم التقصير في انجاز الخدمات و تراجعها تجذب اهتمام طبقة واسعة من المجتمع و تمثل النسبة الاكبر من الرسائل المتداولة في وسائل الارتباط الاجتماعي. كما لا يمكن التقليل من شأن المقالات الساخنة التي تتناول الافكار القاتلة التي تتسبب في شلل مفاصل الحركة الاجتماعية للتطور و التبدل نحو الأحسن. سخونة هذا الشكل من المقالات و التي يقف وراء انتشارها الواسع الاعلان و الاشهار للقضايا المسكوت عنها او الامور التي طال الانتظار عليها. اما المقالات الباردة و التي تلفت انتباه نسبة محدودة من القراء و تشكل عددا ضئيلا من المتداول على صفحات الارتباط الاجتماعي هي التي في مجملها ذات طابع تحليلي تفكيري يركن لاثارة التمعن و التدبر و لا بالرغم من اتصاف المقال الساخن بكل هذه العناصر و الحيثيات إلا أن ذلك لا يقلل من شأنه باعتباره أحد أهم العناصر المؤثرة في الحضور المدني للمجتمع في حثه للمساهمة الفعالة في الرقابة يمتلك محتواها طابع الاثارة و النقد اللاذع. و يرجع الاهتمام البالغ كما يبدو بالمقالات الساخنة لعوامل نفسية و تلعب هذه المقالات دورا نفسيا في ارخاء حالة الاحتقان النفسي للمجتمع . يتداول المجتمع المقالات الساخنة تعبيرا عن السخط في الظاهر ولكن في الواقع ضعف الحضور الايجابي، فيكتفي في اغلب الاحوال -إلا ما ندر- بتداول المقال و التغني به. اما القيمة الاعتبارية لمثل هذه المقالات فهي آنية التأثير و ذات طابع التهابي نفاث سرعان ما تتراجع آثارها ليرجع الحال الى نقطة الصفر لانها تفتقر لعدة من العناصر التي تكسبها الديمومة والاثر الاصلاحي اهمها افتقارها لبعد الاطروحة والمعالجة الواقعية للمشكلة المثارة وغلبة طابع التذمر من ظاهرة التخلف و الفساد. بالرغم من اتصاف المقال الساخن بكل هذه العناصر والحيثيات الا ان ذلك لا يقلل من شأنه باعتباره احد اهم العناصر المؤثرة في الحضور المدني للمجتمع في حثه للمساهمة الفعالة في الرقابة و المشاركة في التطوير المدني. ان المقال الساخن يعتبر ذراعا ثقافية مهمة للسواد الأعظم من الناس للاطلاع على الحراك المدني والثقافي وتحديد العناصر و الاسباب التي تقف وراء تأخر او عرقلة هذا الجانب أو ذاك. إن ردة الفعل من المقال الساخن هي التي بحاجة للتطوير و التحسين ، فكاتب الرأي المثقف و المفكر يبذل ما بوسعه لإطلاع المجتمع على ما يدور ولكن حضور المجتمع في تحسين مشاركاته يجب أن يكون بمستوى ما يثيره المقال الساخن و تميزه بالانفجار البالوني الآني الذي سرعان ما يختفي يرجع للطبقة العريضة من الناس التي تتناوله بعنوان التنفيس و الهروب من الواقع لا التعاطي معه من زاوية التنبيه و ضرورة التفكير الجاد في التصدي للظاهرة المطروحة. و هنا يأتي الاثر التكاملي لهذين الشكلين من المقالين الساخن و البارد، فلا يمكن للساخن ان يكون مساهما لوحده في الشراكة المدنية للمجتمع لان المقال البارد يمثل البعد التحليلي للقضايا المثارة و يعمل على طرح العلل و الاسباب وراء ظهورها و يتميز بشكل كبير في اقتراح الحلول و المعالجات. فالبارد و الساخن هو الطعام الثقافي المعتدل الذي يشتمل على التغذية الفكرية السليمة للمجتمع ليدفعه نحو الاعتدال و الوسطية فدوام البارد بالساخن و لا دوام لساخن بدون مقال بارد. [email protected]