ذكرتني حركة سعودة الوظائف التي تتبناها وزارة العمل مشكورة بسعودة من نوع آخر، مجالها الفكر، وبالتحديد مجال الكتب والمؤلفات على اختلاف أنواعها ومجالاتها، وعززها في تصوري الذهني معرض الرياض الدولي للكتاب في مطلع هذا العام، حيث تبين للكثيرين مدى حرص الدور المشاركة على صنع موضة سنوية، أي سمة عامة لتسويق الكتاب السعودي، بغرض بيع أكبر قدر منه، وهذا توجه لا غبار عليه إذا ما نظرنا إلى فن التسويق، ولكن الذي يدفعنا إلى التساؤل: لماذا يرتفع سقف الموضة السنوية في معرض الرياض أكثر من حضورها في معارض أخرى؟ سيقول البعض بسبب تلك القوة الشرائية الرهيبة التي يحظى بها معرض الرياض للكتاب تحديدا، وسيقول ثانٍ لتدافعنا كسعوديين للحصول على العناوين المثيرة للجدل، المقتحمة للتابو، وسيقول ثالث بسبب تلك الصرامة الرقابية غير الرسمية على العناوين وتحديدا من المحتسبين، إذا ما افترضنا أن وزارة الثقافة والإعلام رفعت سقف مساحة الفسح إلى حد كبير!!. الناشر يهمه بالدرجة الأولى أن تحظى عناوين كتبه برواج كبير في مناسبة كبيرة كمعرض الكتاب مثلا، وبالتالي فمثل هذا الحرص على سعودة عناوين الكتب لا يمكن إلا أن يفهم من جانب مادي بحت لا علاقة له بالشأن الفني للعنوان أو بمقولة الكتاب نفسه. وعلى أية حال أرى أن الأخذ بأي مبرر من هذه المبررات يعزز فكرة السعودة الفكرية التي أتبناها هنا، وأعني بها: ذلك الحرص الشديد والمتناهي لدى الناشرين القادمين من الدول العربية- وقد لحق بهم مؤخرا ناشرونا المحليون- على تقديم المؤلفات بعناوين مسعودة، لتتفاجأ بأن الحب أصبح سعوديا، وأن القضايا الأكثر جدلا هي فقط قضايا المرأة السعودية، وأن التجارب الحياتية المثيرة هي التجارب السعودية، وحتى أن السياحة السعودية هي السياحة المتفردة، وأن الحس الفكاهي والساخر بات سعوديا، وبإيجاز ستجد أن كل ما يختص بالشعب السعودي متمدد على عناوين الكتب على مختلف توجهاتها. وهذا التوجه المقصود لسعودة العناوين إنما له أدلة كثيرة، فقد صرح أكثر من كاتب وكاتبة سعوديين بحرص الناشر العربي على تغيير عناوين مؤلفاتهم، بطلبه المباشر إضافة كلمة تحيل على السعودية مباشرة، ولا أظن أن ناشرا سيحرص على هذا إلا لما وجده من رواج وجذب كبيرين لدى المشترين، ثم ما حدثني به مسؤول في إحدى دور النشر العربية في معرض الرياض الأخير، عن النسبة الكبيرة لمبيعات العناوين المسعودة، حتى وإن كان منتجها هزيلا وضعيفا على المستوى الفني، مؤكدا على أن الناشر يهمه بالدرجة الأولى أن تحظى عناوين كتبه برواج كبير في مناسبة كبيرة كمعرض الكتاب مثلا، وبالتالي فمثل هذا الحرص على سعودة عناوين الكتب لا يمكن إلا أن يفهم من جانب مادي بحت لا علاقة له بالشأن الفني للعنوان أو بمقولة الكتاب نفسه. إذن ما يتوجب البحث عنه هو المبرر الخاص بحرص السعوديين أنفسهم على شراء هذه العناوين وتهافتهم العجيب عليها!، إذا ما سلمنا بهدف الناشر التسويقي لبضاعته، فهل وجد القارئ السعودي في هذه اللعبة الترويجية ما يلبي حاجته، وأن الناشر لعب على الوتر الحساس لهذه الحاجة؟، كونه أدرك أن ثمة حساسية لدى السعوديين تجاه قضاياهم، وأنهم -كتابهم أيضا- أدركوا تلك الرغبة فاتجهوا لتعرية مشكلاتهم المحلية، والتفتيش في خباياها، وهنا تقع الإشكالية الأكبر في تحول العنوان المشتمل على ما هو سعودي إلى مصيدة لذلك القارئ، على اعتبار أن محتوى (بعض) هذه الكتب -ولا أقول كلها- غفل عن أي جديد وأي أصالة فكرية أو إبداعية، ولك أن تنظر في رواج فكرة العناوين المسعودة لدى جيل الكتاب الجدد، وتدافعهم الواضح إليها بقصد الترويج لمؤلفاتهم، وسأكون صريحا بأنني تراجعت عن اعطاء أمثلة حية وهي أمثلة كثيرة تقديرا لحساسية الموقف، حيث سيفهم البعض أنني أقصده بعينه، لذلك أقترح على السادة القراء اللجوء إلى (حبيبنا) google وسيتكفل بإعطائكم الأمثلة تلو الأمثلة. [email protected]