يبدو أن نظام الأسد ورعاته والمتحكمين في إرادة حزب الله في طهران، يتوهمون أنهم سوف يتسيدون سوريا بعد معركة القصير، لأن احتفالات أشهرت، وإعلام التحريض يقيم الأفراح، ويعبئهم بنشوة تعميهم عن قراءة الواقع وتخيل المستقبل بصورة صحيحة. فالإعلام الطائفي في إيران والعراق وسوريا يجعل من النصر قدراً محتماً للنظام السوري وميلشيات رعاته، لكن هذا الإعلام الذي يرقص على جثث الأبرياء ويتباهى بجرائم حزب الله في القصير إنما يرتكب جريمة أخرى هي تضليل الجماهير وتصوير الأماني حقائق وتعبئتها بآمال خيالية كاذبة، ونسي هذا الإعلام أنه يحرض أقليات صغيرة على أغلبيات سكانية عريضة في مناطق جغرافية واسعة، وقد سجل التاريخ - في طول الدنيا وعرضها - أن الفشل والخسران هما مآل مثل هذه التحريضات السقيمة، خاصة إذا كان التحريض يغري أقليات على خيانة هوياتها العربية وولاءاتها الوطنية لحساب قوى أجنبية، مثلما يفعل حزب الله الذي يحمل اسم عربياً ويعيش في جغرافيا عربية، لكنه رضي بأن يكون ذراعاً فارسية ومعولا إيرانياً هداماً للهوية العربية والولاء الوطني، ويبدو أن النشوة في معسكر حزب الله تلعب دوراً خطيراً وتغلق العقل عن تبصر الأمور ومآلاتها والسلوكيات ونتائجها، إذ يستعد الحزب وحليفه نظام الأسد الشعوبي لتنفيذ قصير أخرى في حمص أو حلب أو غيرهما من المدن السورية المنكوبة بنظام الأسد وحزب الله وميلشيات طهران، وهذا يعني أن حزب الله والنظام يقتنعان بأن أي موقع للثورة السورية هو مدينة صغيرة لا يلبث الحزب أن يقتل سكانها ويستولي على منازلهم، ما يعني أنه بدلاً من أن يأخذا درساً من القصير المدينة الصغيرة العزلى التي صمدت نحو ثلاثة أسابيع في وجه قوة جبارة وما استسلمت إلا بعد أن نفدت الذخائر من مقاتليها متواضعي التسليح الذين أوقعوا خسائر فادحة في صفوف حزب الله، وكسرت القصير كبرياء الحزب ووضعت تهويلاته على المحك، وعرت القوة التي يتغنى بها الحزب حتى وإن استولى على القصير في النهاية، لكن الحزب والنظام يستمران في الأوهام إذا ما تخيلوا أن حمص وحلب وغيرهما قصير أخرى، لأن هذه المدن محصنة بأعداد كثيرة من السكان ستقاتل بشجاعة وشراسة، وسيتفادى الجيش الحر أي أخطاء أفادت حزب الله في القصير، ثم إنه لا يوجد لدى قيادة حزب الله أي عذر أو حجة لإقناع مقاتلي الحزب بخوض معارك في مدينة مثل حلب، إلا إذا أقنعهم حسن نصر الله بأن الولي الفقيه في طهران يودهم أن يموتوا قرابين للأوهام في حلب، ثم إن قرار طهران بمد نشاطات الحزب الإجرامية إلى مدن سورية أخرى، يعني أن مساحة الثأر السوري من حزب الله سوف تتسع ايضاً، بقدر ما تتقزم شعبيته في أوساط حاضنته الشيعية في لبنان، ما يعني أن حزب الله ينسج بداية النهاية للحزب وللأوهام وللضلالات وللأحلام الإيرانية في بلاد الشام وفي الوطن العربي.