تجاوزت المعارضة السياسية السورية عنق الزجاجة وتغلبت على الخلاف بين رموزها، ويبدو أن ذلك حدث بعد الإنذار الشديد اللهجة من قيادة أركان الجيش الحر. وبعد أن تخلصت المعارضة من الخلافات الهامشية التي اشغلتها أياماً فيما السوريون يقصفون بأشد الأسلحة فتكاً، عليها الآن أن تبدأ بعلاج لعبة مراوغات التحالف الإيراني الروسي، وهو التحالف الذي وجد في لعبة المساومات هواية وممارسة مفيدة. ويمارس التحالف الإيراني الروسي كل أنواع الشعوذات ففي الوقت الذي تدعو موسكو إلى حل سلمي للأزمة السورية تعلن أنها تواصل شحن الأسلحة إلى نظام الأسد وميلشيات إيران. ولم يسأل أحد كيف يمكن أن يبحث أي حل سلمي سياسي فيما نظام الأسد يتلقى المزيد من الأسلحة الفتاكة وتصب قواته وميلشيات إيران حمم النار على المدنيين السوريين والمدن السورية. ولا نعلم كيف تتخيل موسكو نجاح أي حل سياسي فيما صواريخ الأسد وطائراته وميلشيات طهران تنشغل بقتل السوريين ومحاصرة المدن السورية. ويبدو أن روسيا تستمرئ لعبة المراوغات، وانتاج مسرحيات الملاهي، وشراء الوقت للنظام وميلشيات إيران، لأن أية دعوة لحل سياسي تقتضي أن توقف موسكو الحرب الدامية والقتل اليومي للناس، كي تبدأ الوفود الدبلوماسية العمل والنقاش بدلاً من الدبابات. وتعلم روسيا أنه لا يمكن للمعارضة السورية أن تتوجه إلى محادثات سلام قبل وقف إطلاق النار. وقبل أن تنسحب الميلشيات الإيرانية والعراقية من المدن السورية، وإلا أصبحت المفاوضات نوعاً من فرض الاستسلام على الثورة التي دفعت نحو نصف مليون من القتلى والجرحى. والدعوة الروسية للمفاوضات بلا وقف لإطلاق النار، إنما هي دعوة فارغة وتضييع للوقت واشغال الثورة وداعميها، وإعطاء كل الوقت لنظام الأسد وميلشيات إيران كي تتقدم على الأرض. ولكن على الرغم من المداخلات الروسية السافرة في الشئون السورية، فإن النظام لم يستطع استثمار الوقت الذي حققته له روسيا، بل ان قوات الثورة صامدة وتتقدم في مناطق، وتدافع ببسالة مشهودة عن مدينة القصير التي جعلها النظام وميلشيات إيرانوموسكو زاوية الحجر في مصير النظام. بل ان القصير كانت اختباراً ناجحاً لمدى صمود قوات الثورة وبسالتها، على الرغم من تواضع امكانياتها وخضوعها لحظر التسليح الدولي، وبياناً لمدى الوضع المتردي لقدرات النظام وقدرات ميلشيات إيران، على الرغم من التسليح المفتوح لهما، على الرغم من الضجة التي يثيرونها في آلة الإعلام الإيرانية حول قوة بأس النظام وصموده وعبقريات ميلشيات إيران الحربية وقدراتها المقاومة. والقصير، المدينة الصغيرة العزلى، عرت النظام وميلشيات طهران واستعصت عليهما، وأظهر الجيش الحر شجاعة دفاعية متفوقة ومنع لأكثر من أسبوع تحالف قوات النظام وميلشيات طهران من تحقيق أي تقدم يذكر رغم أن التحالف وضع كل ثقله في معركة القصير.