أين الشيخ يوسف القرضاوي؟ لعل كثيرين افتقدوه مؤخرا، وآخرون لم يفتقدوه، أو لم يشعروا بغيابه، فالشيخ الاخواني لم يظهر على السطح منذ فترة باعتباره صديقا دائما للمنابر ووسائل الإعلام، لكن في الواقع ليست تلك المشكلة وإنما المشكلة في وجوده، فهو بدأ مشروعا سياسيا نشطا منذ اندلاع ثورات ما يعرف بالربيع العربي، خاصة في مصر التي انتهت الى سيطرة الاخوان على السلطة وتدمير وتخريب الثورة وبرامجها وأهدافها وطموحات شبابها، والمحصلة خسائر سياسية وشعبية وكأنك «يا أبوزيد ما غزيت» حيث حلّت ديكتاتورية الاخوان محل سابقتها وكان الضحية الشعب المغلوب على أمره. لقد أضرّ القرضاوي جماعة الاخوان المسلمين وأسهم بجهد كبير في انحرافها عن خط مرشدها الأول، والنتيجة مزيد من الفشل والتواضع السياسي والاقتصادي، فقد وقعت الجماعة في الفخ السياسي وقضي الأمر، ولعل أول مظاهر التوبة والأوبة الى الرشد التخلص من القرضاوي فهو ليس سياسيا ولا يمتلك الرؤية السياسية حتى يتدخل في شؤون الحكم ويوجه ويرشد. كان فكر تأسيس جماعة الاخوان المسلمين أنهم لا يرغبون في ممارسة أنشطة سياسية بشكل مباشر وصريح، لكن الأمور انتهت بهم الى السلطة، وربما كان الفكر القديم أكثر حكمة قياسا بالنتيجة التي حصلوا عليها في مصر، لكن ما الذي جعل الجماعة تتناقض مع توجهات مؤسسها؟ إنه الشيخ القرضاوي الذي أصبح المرشد غير المتوّج للاخوان في العالم الإسلامي، فهو الداعم للتوجهات السياسية والمحفز الذي يمكنه أن يطلق أراء فقهية تناسب الظروف والواقع للسيطرة على الحكم، وقد ظلت أراؤه المعلنة وغير المعلنة هي الاتجاه الذي يقود الجماعة ويساعدها على التحكم في النظام السياسي. القرضاوي أورد جماعة الاخوان المسلمين موارد الهلاك، ففشل تجربة الحكم في مصر - حسبما نرى ونتابع - تؤكد عجز الجماعة عن تدبير أمور وشؤون الحكم بصورة ذكية تتناسب مع قدراتهم التنظيمية العالية التي لا جدال حولها، لكن الاستقطاب وعمل الخير يختلفان تماما عن ممارسة الحكم، فمصر في ظل قيادة الاخوان دخلت نفقا مظلما وسلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي لن يتمكن القرضاوي ولو أوتي ما أوتي من الحكمة والفقه لن يخرجوا منها. فشل الاخوان في حكم مصر كان أسوأ ما حدث في تاريخ مصر المعاصر، ولو أنهم بقوا في أعمال الخير والإحسان بعيدا عن شؤون السياسة لكان كسبهم الثوري أضعاف ما قد يحصلون عليه لو نجحوا بتقدير مقبول في السياسة، لكنهم الآن خسروا الشارع المصري ومصر والعالم العربي ومعه الإسلامي وسيواصلون نزيف القبول الشعبي مع استمرارهم في الحكم وإصرارهم على سياساتهم الفاشلة التي قد تتأزم مع ممارسة سلبية كتلك التي يقومون بها حاليا ولن ينفعهم القرضاوي ولا المرشد فقد تعقدت الأمور ولم يعد من طريق للرجوع سوى ترك السلطة والتزام الخط الأول وحينها فقط يمكن استعادة ما تبقى من اتباع. لقد أضرّ القرضاوي جماعة الاخوان المسلمين وأسهم بجهد كبير في انحرافها عن خط مرشدها الأول، والنتيجة مزيد من الفشل والتواضع السياسي والاقتصادي، فقد وقعت الجماعة في الفخ السياسي وقضي الأمر، ولعل أول مظاهر التوبة والأوبة الى الرشد التخلص من القرضاوي فهو ليس سياسيا ولا يمتلك الرؤية السياسية حتى يتدخل في شؤون الحكم ويوجه ويرشد حتى وإن كان ذلك من باب السياسة الشرعية، فهي أيضا تخصص لا يمكن أن تكون مؤهلاته خطابة المنابر وإجراء المقابلات التلفزيونية فالمسألة أكبر من ذلك بكثير وأكثر تعقيدا ولا يجب أن يتصدى اليها إلا خبراء السياسة وليقتدوا بما قيل «أفضّل وصول أصحاب الكراسي الى الإيمان، وليس أصحاب الإيمان الى الكراسي».