لا تزال المعارضة السورية تتخاطفها الآراء الفردية، وهذا يمثل خطراً على معارضة تلملم أطرافها، وتواجه حرباً شرسة من تحالف ثلاثي إيراني روسي إسرائيلي يهدف إلى تحويل القضية السورية من انتفاضة شعبية حقوقية وثورة استقلال وطني إلى قضية لاجئين وخصومات أجنحة سياسية وفكرية، وهذا التحالف الثلاثي يحاول إجهاض ثورة الشعب السوري، لأن نظام الأسد يحقق لهذا التحالف مصالح قوية، أو مصالح مصيرية فيما يتعلق بالنظام الإيراني، الذي يخشى أن يترجم سقوط نظام الأسد إلى ربيع ثوري في طهران يطيح بالنظام الذي يحكم إيران بالقمع والفقر والسيطرة على عقول الإيرانيين بالغيبيات وأساطير تصور النظام قدراً خالداً في المصير الإيراني، وواضح أن أداء المعارضة السورية - كمجموع - لم يبلغ أن يدرك عملياً التحديات التي يواجهها الشعب السوري، ما يتطلب أن يتخلى المعارضون السوريون عن رؤاهم الفردية ورفاهياتهم الفكرية، ويركزون على قضية وحدة الثورة، فالمراقب للثورة يجدها منقسمة بين إسلاميين وغير إسلاميين ومتشددين وليبراليين، وتوجهاتها عديدة وكل يطرح نفسه ممثلاً للشعب السوري، ويبذل طاقات جبارة للتعبير عن فرديته ورؤاه، وأحياناً، - بقصد أو بغير قصد - يتحالف مع نظام الأسد ورعاته، بتسفيهه قوى معارضة أخرى، بينما كان يفترض أن تحشد كل طاقات المعارضة لتوحيد الكلمة والبحث عن خيارات لمواجهة نظام الأسد ورعاته، الذين يواجهون المعارضة على أكثر من جبهة ويحاولون إخراس الصوت السوري الحر، ويوظفون الأموال الطائلة وجيوشا يخوضون بها معارك حية على الأرض وجيوشا يحاربون بها في الشبكات الالكترونية، بينما المعارضون السوريون مشغولون بتلميع أنفسهم وتمجيد بطولاتهم تحضيراً للاستيلاء على جزء من الكعكعة السورية، ولا يمكن تفسير عجز الثورة السورية عن تشكيل حكومة حتى الآن، إلا بأن الفوضى والخلافات تدب في أوساط المعارضة، وإن إسقاط النظام، ليس هدفاً أولياً لدى الذين يطرحون أنفسهم، في القنوات الفضائية، مناضلين ويسعون إلى الجهاد من أجل استعادة بلادهم وتحرير سوريا من أسرها الطويل. وقد توصلت المعارضة أخيراً إلى اتفاق على تشكيل حكومة، لكنها فشلت في تسمية الرئيس والوزراء، لأن الخلافات الهامشية والمصالح الفردية لعبت دورها الرديء في منع السوريين من التقدم خطوة في سبيل وحدة المعارضة وتنظيمها، وهذه الخلافات والانقسامات في أوساط المعارضة هي السبب في تلكؤ الدول الكبرى عن مناصرة الشعب السوري، وهي السبب في إمداد النظام بطول العمر، وإعطاء رعاة النظام الفرصة والوقت لمده بالأسلحة الفتاكة وترتيب المسرح الدولي لمنع سقوط سريع للنظام.