ماضيَّ طاولتي إذا شئتُ الكتابةَ عن غدي، والشعرُ نافذةٌ تطلّ على الحقيقةِ في حديقتِها وما من منزلٍ في الأرضِ للشعراءِ أجمل من قصائدِهِمْ.. فما لِيَ لا أهذِّبُ خامةَ الكلماتِ؟ ما لِيَ لا أشذِّبُ وردةَ القاموسِ؟ ما لِيَ لا أحاذرُ أنْ أدسَّ الرمزَ في جيب القصيدةِ.. أنْ أخبِّئَ ذلك الثعبانَ في بيتي، وأنْ أضعَ الدلالةَ مثل لُغْمٍ كامنٍ في هيكلِ المبنَى، ولم أبرحْ أُحِسُّ النَّفْيَ ما لم أسكنِ المعنَى.. عرفتُ الشعرَ صوفيًّا يُدَلِّكُ قلبَهُ بيَدِ التأمُّلِ في الوجودِ.. عَرَفتُهُ أيضاً وَلِيّاً حينما يتحسَّسُ الحَجَرَ الأَصَمَّ يُحيلُهُ وَتَراً شَجِيًّا.. هكذا أنا: شاعرٌ وقصيدتي هِيَ منزلي وإقامتي في الضفَّة الأُخرى من الكلماتِ.. يحملُكُمْ إلَيَّ العشقُ يا زُوَّارَ قافيتي، فزُوروني لتتَّسِعَ القصيدةُ باتِّساعِ حضورِكُمْ فيها، وزوروني لتصحو شيمةُ الكلماتِ في الأبياتِ.. زوروني فلا شعرٌ حقيقيٌّ يُكَرِّرُ نفسَهُ في الأرضِ.. هكذا أنا: شاعرٌ وقصيدتي هِيَ منزلي وإقامتي في الضفَّة الأُخرى من الكلماتِ.. يحملُكُمْ إلَيَّ العشقُ يا زُوَّارَ قافيتي، فزُوروني لتتَّسِعَ القصيدةُ باتِّساعِ حضورِكُمْ فيها كلُّ زيارةٍ للشعرِ أُولى فالقصيدةُ لا تُزارُ زيارَتَينْ.. وأنا المُوَزَّعُ في القصيدةِ لم أكنْ أنا مرَّتينْ.. أنا لم أكنْ أنا مرَّتينْ !! وأنا المكبَّلُ بالدروبِ.. أنا الذي ضَيَّعتُ فجرَ النخلِ في منفىً من (البترولِ).. ضيَّعتُ الهويَّةَ في شعائرِها وعرَّيتُ الحقيقةَ من جواهرِها فما أدركتُ في الغرباتِ أصليَ.. لم أجدْ درباً يوسِّع للخُطَى رئتيهِ كي أتنفَّسَ الأحلامَ..لم أعثر على الميناء حيث تحاول الأرواحُ أن ترسو.. تعبتُ من الوقوف على شبابيكِ الخواطر مثل شحَّاذٍ تَهَرَّأ كيسُهُ سأماً.. تعبتُ من التسلُّق صاعداً أشجارَ نكبتي القديمة كي أضيفَ من الأسى فصلاً لأندلس الفجيعةِ في كتاب العمر.. يأخذُني الهوى مِنِّي ويصعدُ بي إلى معراجِ دمعته على وتر الكمانْ قلبي على الشعراءِ منذ الدمعة الأولى وهُمْ يستنضجونَ على لهيب الحزنِ أرغفةَ الحنانْ قلبي على الشعراءِ يفتتحون إقليمَ الغدِ الآتي ويكتشفون أسرار الزمانْ هُمْ غادروا في غيمة الكلماتِ نحو فرادس المعنى وهُمْ زرعوا المسافةَ بالهديلِ وهرَّبوا نهر الخلودِ من الجنانْ أبدًا يُرَبُّون الجمالَ على مُحَيَّا الأرضِ.. يبتكرون وجهَ العشق أجملَ من زهور البيلسانْ قلبي على الشعراءِ.. جَرَّاحِي التجاعيدِ التي تحتلُّ ناصيةَ المكانْ.