تضرب تجربة الأستاذ محمد الفهد العيسى الشعرية في عمق الحركة الشعرية في المملكة العربية السعودية مشكلة مساراً جديداً في بناء القصيدة العربية الجديدة محلياً، لذلك يعد من أبرز الشعراء الرومانسيين في نجد إن لم يكن أولهم، فقد لبت قريحته نداءات الشعر الحديث (قصيدة التفعيلة) منذ الخمسينات الميلادية ومال إلى التنويع الموسيقي في قصائده، حيث يعد من شعراء الجيل الثاني في السعودية، فارتبط اسمه بالتجديد ما جعله ينهض بالقصيدة الجديدة في ديوان الشعر السعودي. يرسم العيسى في شعره نغمة حزن أضناه الألم، ويميل إلى التشاؤم وينحو إلى الحيرة والقلق أو ما يعرف بالهروب الرومانسي في معظم نصوصه. كذلك إنكفاؤه على ذاته وانعزاله انعكس على شعره، فَجُل شعره يتكشف للقارئ عن روح شاعر يبحث عن الخروج عن المألوف وكسر القيود والحواجر محاولاً التمرد عليه، وإذا تأملنا معظم عناوين دواوينه أو عناوين قصائد نجدها تترجم كل ما سبق ومن هذه العناوين: تمرد، غداً أنتحر، الوداع، لحن الموت التائه، نفثة محزون، صراع، معاناه، أرق، نهاية، التحدي، المسافر الغريب، ضياع، أسوار المقابر، غربة شاعر، الاحتراق، الشاعر المأساة، نزيف، غربة، السراب، ظمأ، الرياح السوداء. وأزعم أن في بعض قصائده شغف بالسؤال والإبحار نحو العالم الآخر، لكونه يضيق بالجمود ويتبرم من الركود لذلك حفل شعره بالتجربة الإنسانية العميقة، وإن أنس لا أنس صوره الشعرية التي تحمل الجِدَة والدقة ورموزه تضم دلالات كثيرة، كما تجد في شعره تماسك بين الفكرة وجمال اللغة، فحمل شعره الحرارة والصدق. أما القصيدة الغزلية في شعر العيسى فهي ترتدي ثوب العفة على الرغم أنها تنضح لوعة وحرقة وسهاداً في حين يأتي الوطن في قصائده مسكوناً بأسماء الأماكن والمواقع وتراثه فهو يتردد بين أبياته ولعل عمله كسفير للمملكة وبعده عن بلاده خلق في شعره هذه الصفة ذلك أن المكان حياً في قلبه ووجدانه. واليوم وشاعرنا العيسى يعيش مزهواً في ربيعه التسعين إرتات صحيفة الرياض أن تقدم بين يديه طاقة من الدراسات النقدية والمقالات الاحتفائية دبجها كوكبة من أرباب النقد وأساطين البيان، حباً في هذا الطود الشعري الشامخ.. ووفاءً لدوره البارز في الحركة الشعرية السعودية. د. عبد العزيز المقالح في مطلع هذه الدراسات يستهل الناقد اليمني الكبير الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح رؤيته النقدية عن تجربة العيسى الخصبة إذ يقول: هذا عنوان بحث قادم آمل أن أنجزه في المستقبل القريب، أما هذه القراءة الوجيزة فما هي إلاَّ تحية للشاعر محمد الفهد العيسى الذي عاش في هدوء لم تصحب حياته -فيما أعرف- أية إثارة أو ضجة من تلك التي تصاحب عادة بعض الشعراء، وبالرغم من أنني لا أعرف عنه سوى القليل إلاَّ أنني أتصور فيه نوعاً نادراً من الشعراء الذين لا يتكالبون على الأضواء ولا يسعون عن كل طريق طلباً إلى الشهرة. واللافت بالنسبة لي أنني لم أجد اسمه في قائمة من قوائم المدعوين إلى المؤتمرات الشعرية والندوات الأدبية، مع أنه شاعر مهم، وكأنه عاش في عزلة فرضها على نفسه أو فرضتها عليه ظروفه. أو مسؤولية عمله. وقد تكون الصورة التي تكونت له في نفسي مغلوطة ولا تتفق مع حياته كما يعرفها أصدقاؤه وغيرهم ممن يتابعون مساره الشعري والعملي عن قرب. المقالح: قصائد العيسى توغل في التعبير الحارق عن الذات فيفرغ شحنة هائلة من العواطف المشبوبة تجاه الحبيب وأزعم أنني منذ أوائل سبعينات القرن المنصرم على تواصل حميم مع الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية ومن المتابعين للتطور الذي شهده الشعر في هذه البلاد، فضلاً عن متابعتي ما كُتب عنه. وكيف أن رياح التجديد بدأت تهب على هذا الشعر ابتداءً من أربعينات القرن العشرين. وكانت لي من خلال تلك المتابعات وقفات مع ثلاثة من أهم الشعراء الرواد الذين حاولوا أن يسهموا بنصيب وافر في تطوير القصيدة وإشاعة نفحات التجديد في بنيتها اللغوية والمعمارية. والقفز بها من الكلاسيكية التقليدية إلى الكلاسيكية الجديدة مع ميل واضح نحو الرومانتيكية، وهؤلاء الشعراء الثلاثة هم: محمد حسن عواد، وحسن عبدالله القرشي، وحمزة شحاته، وكان لهذا الأخير دور فعّال في هذا المجال وفي استيعاب الرؤية الرومانتيكية خاصة، بما امتلكه من موهبة عالية وما أفاده من قراءاته الواسعة ومتابعته للتطور الكبير الذي أحرزه الشعر العربي في كل من مصر والشام والعراق. ولعل متابعتي هذه تؤهلني للقول بأن الشاعر محمد الفهد العيسى واحد من أبرز الشعراء اللاحقين لجيل الرواد بما قدمه من أعمال شعرية تعبر عن المرحلة التي ظهر فيها وبذل جهداً لا ينكر في تعميق رؤية التحديث الشعري من خلال قصائد رومانتيكية ترسم الواقع في أفق من الخيال وكما توغل في التعبير الحارق عن الذات لاسيما في وجدانياته التي أفرغ فيها شحنة هائلة من الوجد والعواطف المشبوبة تجاه الحبيب الذي تبدو صورته في هذه القصائد على قدر من القسوة والجفاء: حبيبي، أراني عبر الطريق أسير إلى ما وراء الغيوب أسير إلى عالم للفناء وحيداً... تحيط بنفسي الندوب حطاماً فقد هدّمني هواك صروحاً تحديت فيها الخطوب هواك شقاءٌ بدنياً شقاء أضل طريقي بين الدروب. ويمضي المقالح في إبراز فكرته عن هذه التجربة: ولا شك في أن النزعة الرومانتيكية التي تلبّست شعر الفهد العيسى قد ضاعفت من مرارة هذا الشجن الحارق وزادت من لواعج الشكوى شأن كل الشعراء الرومانتيكيين العرب الذين أغرقوا الشعر العربي ببحار من دموعهم وآهاتهم سواء على الحبيب النافر أو احتجاجاً على الواقع الذي يبدو لهم كئيباً فاجعاً لا مكان فيه للإنسان الرقيق الحساس الذي أرهقته شاعريته وأشقته همومه الذاتية، وذهبت به شتى المذاهب. ومن النافل القول بأن تجليات التجرية الرومانتيكية في الشعر العربي تُفصح بدلالاتها المختلفة عن هذا المعنى المشترك المفعم بالأحزان والطافح بالكآبة العالية. ووقفة عابرة عند عناوين بعض دواوين الشاعر محمد فهد العيسى تضع أيدينا على هذه الخاصّية الرومانتيكية التي تجعل من الشعر صدى لنفس قلقة معذبة. ومن تلك العناوين: "الإبحار في ليل الشجن"، "دروب الضياع"، "ندوب". وهي عناوين رومانتيكية بامتياز، فضلاً عن عناوين القصائد ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "أرق"، "النآي الحزين"، "التائه"، "دموع". ومن القصائد اللافتة في ديوان (الإبحار في ليل الشجن) قصيدة بعنوان "الشاعر المأساة". وما علينا إلاّ أن نلاحظ اختياره أو بالأصح إصراره على أن لا تكون المأساة منسوبة إلى الشاعر "مأساة الشاعر" أو "مأساة شاعر" وإنما تأخذ معنى حاداً يتأكد معه أن الشاعر هو في حد ذاته مأساة، وأن وجوده على الأرض نوع من الحكم القهري الإجباري. وأكرر القول بأن تلك هي طبيعة الشاعر الرومانتيكي حين تصور له أخيلته أنه وحيد وغريب ومنبوذ، وأن معاناته قد حولته إلى مأساة: الليل تغمره السكينة والمزنة البيضاء تبحر تحت أشرعة القمر حيرى حزينة، حطمتها في ظلام الليل أمواج المدينة. وما يلفتني في هذا الشعر بعيداً عن الإحساس المرهف لدى الشاعر هو اقتداره على بناء الصورة الشعرية، وتعدد أبعادها وزواياها. فكم صورة -مثلاً- في هذه الأسطر الستة التي تجمع بين عوالم شتى، الليل والمطر، والبحر، والقمر، والمدينة. وربما امتازت قصائد الشعر الرومانتيكي باكتظاظها المتنوع بالصور وباتساع مداها لهذا الشجن الذي يجمع بين قلب الشاعر وقلب الطبيعة. وتقودني هذه الإشارة إلى الاقتراب من قصيدة بعنوان "قلب الشاعر" وهي من ديوان (دروب الضياع) وواضح أن الشاعر كتبها بالقرب من بحيرة "ليمان" السويسرية، وحاول فيها شأنه في بقية قصائده الرومانتيكية أن يقارن بين قلبه وقلب البحيرة، أو بالأصح بين نفسه والطبيعة دائمة السخاء: لو أن لي قلباً -كليمان- البحيرة في الشمال أو أنه كالنهر رقرارق التموج في دلال لأرقته للناس.. حتى يرتوي منه العطاش لسكبته (...) وحبا... لليمن وللشمال وأنا أموت من العطش فَرِحاً... أُدندن أغنياتي للضفاف وللظلال. في هذا المثال كما في سابقيه تبرز العلاقة الوثيقة بين الشاعر الرومانتيكي والطبيعة، وكيف يرى نفسه في الأشياء وكأنها مرايا تعكس ما في أعماق نفسه من مشاعر منشورة أو مطوية، وهي تجربة إنسانية تستحق التوقف عندها لمعرفة كيف يكتشف الشاعر نفسه على ضوء ما تقدمه الطبيعة من صور وما تثيره في داخله من أسئلة تكون أحياناً غاية في البساطة وفي أحايين أخرى غاية في الصعوبة. ولم تتوقف تجربة شاعرنا العيسى عند هذه النفحات الرومانتيكة، وإنما سعى في كثير من قصائده إلى كتابة القصيدة الموزونة الخارجة عن نظام البيت كما قامت عليه القصيدة العمودية انطلاقاً مما يتيحه هذا الشكل للشاعر من فراغات لمعانٍ محذوفة لا تُفقِد النص الشعري تماسكه ووضوح رؤيته: أنّ... اختنق ومات... فات لأكتْ الشفاه أحرفاً من الصقيع في كوى يلفها الدخان في خدر مات... اختنق. ويمكن القول إن هذا التنوع في كتابة القصيدة يدل على انفتاح الشاعر على الأشكال الجديدة قدر تمسكه بالقصيدة العمودية ذات الشطرين المتساوين في عدد التفعيلات، وأن الشعر بالنسبة لم يكن شكلاً موروثاً ولا أسلوباً مستحدثاً بقدر ما هو تعبير تلقائي عفوي تأخذ القصيدة معه ما يناسبها من شكل وما يناسبها من إيقاع، وقد لا تحتاج إلى إيقاع شرط أن تكون شعراً في بنيتها اللغوية والفنية. ويواصل المقالح طرحه وفي ديوانه الرابع (دروب الضياع) قصيدة قصيرة يوجز فيها رؤيته الرومانتيكية للشعر، وما يدور في وجدان الشاعر من صراع خفي داخلي، يتعالق مع صراع الخارج فتتحول معه القصيدة إلى صرخة واهنة حزينة محملة بدلالات الخيبة والاغتراب: فكرة جاشت بصدري ورحابي ونهت عن خاطري زهد احتجاجي وزهت بالفكر إلاَّ أنها روِّعت في الدرب من وهج السراب وبدت في غربة من أرضها في سفوح الليل، في وهدة غاب أنا يا قوم، أبيٌّ حرفهُ وندىُّ الحرف من بعض طلابي. أخيراً، هناك ما يشبه الإجماع بين نقاد الأدب بعامة ونقاد الشعر خاصة على أن الرومانتيكية لا تحجب الشاعر عن رؤية واقعة والنظر إلى ما يضطرب في جنبات هذا الواقع من ظواهر إيجابية أو سلبية، وأن الخيال ليس دائماً ضد الواقع أو على خلاف معه. وهذا ما تؤكده القصائد الرومانتيكية للشاعر محمد الفهد العيسى تلك التي تربط بين هموم الشاعر الذاتية والهموم التي ينتجها واقعه الاجتماعي والسياسي. د.محمد الشنطي ومع تجربة نقدية ثرية يكتب الناقد الكبير الدكتور محمد صالح الشنطي عن سمات التميز في شعر العيسى ويقول: محمد الفهد العيسى، هذا الاسم الذي يتم تداوله بانسيابية وهدوء بين أرباب الأدب والثقافة، وكذلك بين الأكاديميين من الباحثين طلابا وأساتذة دون صخب نقدي عادة ما يصاحب الأسماء اللامعة في عالم الكلمة، كتب عنه المشاهير من النقاد مثل رجاء النقاش مكتفيا بتقديم أحد دواوينه، ولكنها لم تكن مقدمة تقليدية تتسم بالمجاملة والتقريظ، بل كانت دراسة نقدية تميزت بالعمق والجدية والرصانة، وكتبت الرسائل العلمية المنهجية ،ولم يكن حظه من الدراسات والمقالات قليلا، فقد ألفت عنه الكتب . ولكن ذلك كله مضى دون ضجيج، فريادته لشعر التفعيلة لم تحظ بما كان ينبغي أن تحظى به من تمحيص علمي جاد على النحو الذي تم الاحتفاء به من قبل الشنطي: شفافية العيسى الوجدانية غالبة على شعره ما يجعله شاعراً رومانسياً بامتياز مؤرخي الأدب لدى الشاعر محمد حسن عواد على سبيل المثال، وكانت مناصبه الدبلوماسية وسفارته الناعمة التي تنقلت به عبر أقطار مختلفة قد انعكست على ما كتب عنه فأطلت تلك الكتب والدراسات على استحياء، وحينما انبلج في ذاكرة الوطن في مهرجان الجنادرية، وبدأ التنقيب في تلك الذاكرة أضاء في سماء الحفاوة الوطنية في مهرجانها الأشهر فكان أن سطع نجمه وبدأ الكتاب يقارنونه بأعلام كبار مثل عمر أبوريشة صنوه الشاعر الدبلوماسي العربي السوري الأشهر، وكذلك نظيره الوطني الذي ملأ الدنيا وشغل الناس الشاعر غازي القصيبي (رحمهما الله). وامتدت الأواصر الإبداعية لتصله بالشاعر الدبلوماسي العربي الذي أثار جدلا واسعا باختراقاته الفنية والموضوعية وتمرداته الاستثنائية نزار قباني، وأعتقد أن هذا الشاعر المبدع الهاديء لم يكن بعيدا عن الدور الذي نهض به جيل المجددين في لغة الشعر، وصوره، فقد كانت له طريقته الهادئة في الانزياح عن التقليد والنزوع إلى الابتكار فهو يقول: "ذات مرة حفرت عيني على الصخر(أحب) وغزلت الحرف من أحداق عيني قصيدة رجّعتها كل نايات الصبا، ونجوم الليل والراعي، وغيمات على الأفق شريدة" فمن الواضح أن الشاعر يستخدم لغة شعرية مغايرة للمألوف، فينزع إلى المزج في صورة مدهشة بين الحواس والمشاعر (العيون والوجدان) فتتراسل المشاعر والمدركات مما يشكل نهجا تصويريا نجد الشاعر يواصل استثماره في البيت الذي يليه، حيث الحرف الذي يستخدم معه لفظة الغزْل فتتراسل القصيدة مع نول النسّاج وأدوات الغزْل وهكذا، فهذا التراسل الذي كان قوام المذهب الرمزي فيما بعد يمنح الإبداع الشعري عند محمد فهد العيسى خصوصيته التي تتجاوز الرومانسية إلى آفاق أبعد . ولكنه من غير الممكن اختزال الحديث عنه بالاستشهاد ببعض فلذات من شعره، وهو الذي أبدع العديد من الدواوين، إذ صدر للشاعر محمد العيسى عشرة دواوين هي( ليديا) و( على مشارف الطريق) ( والإبحار في ليل الشجن) ( والحرف يزهر شوقا) و(دروب الضياع) و(ندوب) و(القوافي قصائد)، و(حداء البنادق)، (وليلة استدارة القمر)، و(عاشق من أرض عبقر) لاشك أن شفافيته الوجدانية غالبة على شعره مما يجعله شاعرا رومانسيا بامتياز، فإبحاره في عمق التجربة الذاتية والتقاطه محارات العشق من أغوارها، وعشقه لعذرية الطبيعة وتبتّله في محاريبها الرحيبة، وتوحّده مع كائناتها واعتناقه لمثاليات الروح في رهافتها ورقتها وولهها بكل المثل النبيلة، وذلك كله من صميم الرومانسية التي تعمل على تجاوز الواقع الصادم بقسوته وفظاظته إلى عالم القيم بطهارتها ونبلها كما يتجلى ذلك في قوله : لو أن قلبي مثل غابات ترف بها الطيور أو أنه كهف سحيق في تواريخ العصور لشنقت فيه الفقر والعوز المذلة في الطريق ...إلخ وليس من شك أن خطاب العشق في شعره له إيقاع مشابه لما كان يقوله الشاعرالعاشق في نزار قباني، ولكنه لم يسلك سبيله في الجرأة الجارحة ولافي الصراحة الفاضحة، ولم يستخدم لغته المكشوفة بل ظل متدثراً بعباءة العذريين، فلم يخاطب المرأة الجسد بل خاطب الروح في خفرها وحيائها: كل ما في الكون من عشق /هو يا سيدتي من بعض عشقي كل مافيه يا سيدتي /من غرام واشتياق وهوى والتياع وسهر / واحتراق بلظى البين والآهات / هو ياسيدتي ذرة واحدة من ذرات عشقي ويختتم الشنطي مشاركته عن العيسى قائلاً: ليس من شك في أن شاعرنا كان يعبّر عن مرحلة تاريخية لها خصوصيتها، وعن تجربة إنسانية وذاتية لها تميّزها، فلم يكن بمنأى عن التوق الجامح إلى الحرية في مناخ عربي عام كانت تحاصره الهزائم والنكبات حدّ الاختناق، أراد أن ينعتق من ربقة الواقع الذي ضاقت عليه القيود، بعضها اجتماعي، وبعضها فكري ، وجلّها نفسي، وكانت محاولة التحليق في فضاء الإبداع موازيا لواقع الارتحال في فضاء الدبلوماسية التي حملته على أجنحة السفر في شعاب الجغرافيا والثقافة والحضارة، وكانت روحه الهائمة في ملكوت الصفاء والنقاء تمنحه القدرة على التحليق في سماء الشعر على طريقته، محمد فهد العيسى شاعر نسجته الشفافية وسرعة البديهة وسلامة الفطرة. د.راشد عيسى أما الناقد المعروف الدكتور راشد عيسى الذي أفرد للمحتفى به كتاباً كاملاً أبرز فيه سمات الجمال والإبداع في تجربة العيسى وواصفاً إياه بأنه صاحب نقله فنية كبيرة ويقول أيضاً: أرى الشاعر محمد الفهد العيسى من ألطف الشخصيات التي عرفتها شعرياً وإنسانياً، وهو واحد من كوكبة الجيل الثاني الذي أعقب جيل محمد حسن عواد أو ربما يكون أخر نجوم الجيل الذي سجّل أول نقلة فنية في بناء القصيدة. عيسى: شعره تلقائي لا أثر فيه للتكلف والصور الغريبة ويعكس نبضات أحلامه وأشواقه فقد عرف إلى جانب شعره كاتب أغنية، فهو شاعر غنائي بامتياز يفور بوحاً رومانسياً من الشجن العذب في كل ما يكتب. وعلى الرغم من شتاته في العمل الديبلوماسي إلا أنه استطاع أن يوازن بين مذاق الرمل الصحراوي وطقوسه ومذاق الحياة الكريستالية في عمله سفيراً في بلدان عدة. ونراه في كل بلد عمل فيها سفيراً يخصّص يوماً في الأسبوع يكون منتدى للأدباء والأصدقاء فيتراشقون فيه بالشعر والفكر وسائر مسارات الكلمة المبدعة على غرار ( الثلاثائية) التي كان يقيمها في بيته في الأردن, تلك الأمسيات التي كان يقصدها نخبة من ذوي الأقلام والرأي أدباء وسياسيين ومفكرين. يتمتع العيسى بشخصية أنيقة جذابة بالغة الشفافية مظلّلة بهالة حزن بليغ متجذرة في حضارة النفس والروح والوجدان. ولعل أهمّ ميزة في شخصيته الشعرية والإنسانية معاً هو جمعه بين الأصالة والمعاصرة. فشعره على صعيد الشكل منّوع بين شعر الشطرين وشعر التفعيلة، ومضمون شعره غنّي بالحنين إلى المرابع والديار والطفولة و أخلاق الصحراء وجماليات الحياة التقليدية الأولى في الطبيعة لكأنه شاعر عذريّ معاصر، وفي الوقت عينه نجد في شعره حضوراً لنماذج من الحياة الجديدة خارج بلاده،نماذج من الأمكنة والأشخاص. فهو يراوح بين استدعاء الموروث وذاكرة المكان المحلية، والاشتباك مع ملامح الدنيا المدنية التي عاش فيها سفيراً لبلاده بمعنى أنه يغني لنجد ولبحيرة سويسرية معاً. ويستلهم العيسى ربوع نجد كما استلهمها قبله الشعراء الأسلاف، فيقول: ألا يا صبا نجدٍ فديتكِ يا نجدي متى كان عهدكِ بالأحبابِ في نجدِ سقى الله أرضاً كنتُ بين رياضها أريقُ كؤوس البوح وجداً على الوجدِ ثم في الوقت نفسه يناجي بحيرة ليمان في جنيف (سويسرا) بأنين من الحسرات والبوح المحترق كما لو أن (ليمان) روضته التنهات في نجد: تركتُ في ليمان قلباً خافقاً بحرقة الأشواق بالتولّع تركت في ليمان يا حبيبتي آثار قبلةٍ زَهَت بمترع فقدتُ في الصباح لهفة النداءِ عم صباحاً يا حبيبي كُن معي أواه يا حبيبتي من النوى فقد لقيتُ في البلاد مصرعي على أنه ما يجمع بين روضة التنهات النجدية وليمان السويسرية هو قلب المحب الذي يعزف اللوعة على فراق الحبيبة. فالعيسى شاعر يظهر حسّ الاغتراب في شعره بقوة، وهو اغتراب مكاني وروحاني معاً: أنا في التيه مزروع بشهقة زفرة الغربة الغربة في أضلاعي وأقلّب كفي وأغرق في الغربة بين الصمت والهمس إنه اغتراب رومانسي يجسّد سمة التشظي الذاتي في كيانه الموزّع بين مسافات الشتات: ((أرضي يباب أرضي أبية التراب لازهر لاخزامى لاعرار مات في الأرض الشجر)) ويمتاز موقف العيسى من الإنسان بالنبل، إذ هو يريد أن يعيش الإنسان بكرامة بلا فقر ولا هوان، ولذلك يوزّع فؤاده لو استطاع على الفقراء والمساكين دفاعاً عن كبر ياءاتهم المجروحة: (( لو أنَّ قلبي مثل غابات ترفّ بها الطيور أو أنه كفف سحيقٌ في تواريخ العصور لشنقتُ فيه الفقر والعوز المذلَّة في الطريق ورجمت فيه الذلَّ والهون الملثَّم بالغرور وأنا أموت بالاختناق فرحاً أدندن أغنياتي للظلام وللنسور)) وهكذا مثلما يتسامى أبو القاسم الشابي رائد الرومانسية العربية في القرن الماضي فيذهب إلى الغاب ليعمل حطاباً، يفضل العيسى الشيء نفسه فيتمنى أن يكون قلبه غابة. والطريف الجميل أن العيسى ينتمي إلى الموروث الشعبي المحبّب في كل مكان يعيش فيه دون مفاضلة، فيتغنى (بالميجنا) الموال الشعبي الشامي، والشلال والكستنا وهما من غير البيئة المحلية: ( وينشر الشلال ذراته في الدروب يصاحب أنغامه الميجنا وتخطر نشوى بزهر الربيع الأمانيّ والكَستنا) ويكمل راشد عيسى تأمله لهذه التجربة فيذكر: وقد سجّل ديوانه (ندوب) وفرة ملحوظة من مثل هذه القصائد التي يمنح فيها، وجدانه لكائنات الطبيعة انتصاراً للإنسان. فيما غني ديوانه(الحرف يزهر شوقاً) بقصائد الحنين إلى الديار: يا نديميّ في الهوى عرّجا بي نحو دارٍ جذورها في إهابي واسقياني رحيق وجدٍ نديٍّ من هواها,فمن هواها شرابي والليالي بروضة الخفس شجو أثمل الهمس في لحون الرَّباب وللشاعر مجموعة من الدواوين نشر أغلبها خارج بلاده كديوان (ليديا) و(ندوب) و(الحرف يزهر شوقاً) و(دروب الضياع) و(الإبحار في ليل الشجن). وقد نال ديوانه الإبحار في ليل الشجن اهتمام عدد من النقاد العرب كرجاء النقاش الذي كتب دراسة مطوّلة مقدّمة للديوان، أتى فيها النقاش على أبرز الملامح الفنية والأساليب الجمالية في الديوان الذي ضمّ أهم قصائد الشاعر على صعيد البناء الفني. ومن الجدير الإشارة إليه أن ديوانه (ليديا) نشره في لبنان في عقد الستينات ولاقى ترحاباً جمالياً من الحركة الثقافية آنذاك بسبب مضمونه الرومانسي وشكلانيته التفعيلية. وإنني أتمنى أن يقوم المسئولون بإعادة طباعة هذا الديوان المبكّر. العيسى شاعر الغربة والحنين والدمعة، شاعر الخزامى والشلال حمل قلبه ربابةً يعزف بها الأحلام البعيدة والأحزان الرومانسية العذبة. كان شعر العيسى تلقائياً لا أثر فيه للتكلف والصور الغريبة، لأنه كان يرى في الشعر مرآة تعكس نبضات أحلامه وأشواقه. انه المغنّي الذي يشبه قمر الصحراء الحزين. أما الناقد الدكتور إبراهيم المطوع الذي درس شاعرنا إبان مرحلة الدكتوراه فتنم كتاباته عن وعي بتجربة العيسى وقال عنه: ليس في العنوان خطأ كما قد يتبادر إلى الذهن، فقد اعتدنا في الدراسات الأدبية على تقييم الشعراء بميزان النقاد، وتحكيمهم، وتتبع آرائهم حول شاعر ما، ولكنني في هذه المقالة سأتجه إلى الشعراء في حكمهم على الشاعر (محمد العيسى) ، لأن الشاعر في نظري أكثر وعيا و فهما لشقيقه الشاعر، وبالتالي أكثر تعاطفا وتفهّماً للشاعر، وكما أن الغريب للغريب نسيب، والسجين للسجين نسيب، والمريض للمريض نسيب ، المطوع: شاعر رقيق الألفاظ قوي العاطفة تؤمن بصدق تجربته وتشترك فيها دون عناء فكذلك الشاعر للشاعر نسيب وقريب (شعريا ووجدانيا)، لما يجمع بينهما من وطأة المعاناة، واشتراك الهموم، فلذا نلحظ أن الشاعر أكثر مرونة وتسامحاً مع الشاعر، وفهما لأسرار صنعته، عكس الناقد الذي ربما لم يدرك ولم يجرب تفاصيل المعاناة والآلام. فلذا توجهت إلى شاعرين معاصرين للعيسى هما: د . غازي القصيبي، و د.محمد الخطراوي رحمهما الله، وهما شاعران متميزان، ومن أعلام الشعر السعودي، يمتلكان رؤى نقدية، وقد وجدا في شاعرية العيسى ملامح جديدة، ونكهة متميزة، وانسجاما معه في ضرورة تجاوز منطقة التراث بعد استيعابه، وهضمه، والانتقال إلى الجديد من الأساليب والصور والأشكال . الشاعر الأول : هو الشاعر د . غازي القصيبي رحمه الله : قال عن الشاعر محمد العيسى في مقال كتبه في المجلة العربية عام 1419ه : [ لو تجسّد الشعر رجُلاً لكان رجلا يشبه محمد العيسى ، يشبهه في أناقته، يشبهه في كرمه، يشبهه في طيبته، يشبهه في وداعته، ويشبهه قبل ذلك وبعده في الغضب الذي يتوارى خلف الأناقة والكرم والطيبة والوداعة، لو تجسّد الشعر رجلا لكان رجلا يشبه محمد العيسى يشبهه في (بحار شجنه)، يشبهه في ( دروب ضياعه )، يشبهه في ( ندوبه )، ويشبهه في ( حداء البنادق ) آخر ديوان أصدره شاعر معطاء، دفع ثمن شعره، شجنا وضياعا وندوباً، وأشياء اخرى، كثيرة ولكنه مازال يحدو البنادق ] . فالشاعر العيسى في نظر د. القصيبي يتنفس شعرا، ويعيش الشعر ، ويأتيه الشعر من بين يديه ومن خلفه، ولايذهب إليه، مخلص للشعر، لافجوة بين شخصيته الاجتماعية وحياته الشعرية، فرومانسيته الشعرية تنبع من حياته وليس من خياله، ورقة شعره وهدوء معجمه تنبع من رقة مشاعره، فإذا قرأت شعره آمنت إيمانا كاملا بأنه يكتب شعره دون تكلف أو تصنع، فلا فرق بين حالته الشخصية وحالته الشعرية، فالعيسى في نظر القصيبي مخلوق شعري، وديع، أنيق، خفيف الوزن حسياً وشعرياً، وخفة الوزن الحسي معروفة، أما خفة الوزن الشعري فالمقصود بها : أنه ليس من فئة المصابين بالترهل الشعري غير الصحي، فكمية شعره أقلّ من آخرين مترهّلين شعرا، لأن غريزته الانفعالية والعاطفية هي التي تقوده، فلايكتب إلا لدافع عاطفي صادق، وتجربة شعورية مُلحّة، والشعرية والشاعرية لاتقاس بالكمّ، فكم من شاعر كتب عشرات القصائد بشعور واحد وعلى ارتفاع شعري واحد، وكم من شاعر كتب قصيدة واحدة تمتلئ بالشعور، وتتولّد منها المشاعر، وتتجدّد بها العواطف والذكريات . أما الشاعر الآخر، فهو الأديب والشاعر المدني د / محمد الخطراوي رحمه الله : فقد توقف مع شاعرية العيسى في كتابه (شعراء من أرض عبقر) الصادر عام 1397ه، مفتتحا الحديث عنه بقوله [ على ذراع السكينة، وبين أحضان الرمال الممتدة الكثبان ترقد مدينة من أعرق مدن القصيم، تحمل تالداً ركينا حافلا، وتعيش اليوم حاضرا رائعا، فوفّت جنباته يدٌ صناعٌ من واقع حضارتنا اليوم تلكم هي (مدينة عنيزة) ... وكثيرا ماكان يكتب تحت اسم مستعار إما لظروف خاصة أو تقليدا لما كان عليه بعض الشعراء في العالم العربي آنذاك ... كان ينشر قصائده باسم (الفهد التائه)، وهو اسم يحمل في طواياه الألم، وينزّ بالدموع، فأي شئ أدعى للألم وأجلب للدموع من التيه والضياع، وهو رجل يلتذّ بضياعه ويستمتع في تيهه .. ] ثم يقول : [ إن الشاعر العيسى يضع المتابع على مصدر من أهم مصادر ضيقه وألمه، ويكشف لنا عن بعض جوانب نفسه الرحبة الواسعة، تلك النفس التي تؤمن بالتطلع والطموح، وتؤمن بحرية الفنان، وترفض كل قيد أو وصاية عليه، حتى يمكن له أن يبتكر ويبدع، وأن يؤدي وظيفته الأساسية في الحياة، ولكنه وجد المجتمع من حوله لايكاد يدرك من مشاعره شيئاً، كما ألفاه يخلط بين وظيفة الشاعر والواعظ، فأحس بأنه شخص يعيش غريبا بين أهله وأفراد مجتمعه .. ] ، فمعاناة الشاعر من غياب الحرية الضرورية للأديب صبغت شعره بصبغة الألم والتذمر، وهذه ملحوظة لايدركها ويعيها إلا شاعر ممارس كالخطراوي، الذي يبدو أنه عانى المرارة نفسها التي مرّ بها العيسى. كما رأى الخطراوي في لغة العيسى (احترافية شعرية) حيث تكتسب الألفاظ بين أنامله صفات كثيرة، فبلمسة الفنان يباركها ويورثها الرقة والسلاسة والتأثير .... والعيسى شاعر رقيق الألفاظ، قوي العاطفة، يجعلك تؤمن بصدق تجربته، وتعايشها وتشترك فيها دون عناء .. وكما يحتاج الشاعر والفنان إلى حرية التفكير، فهو يحتاج كذلك إلى حرية التعبير، أي الحرية والانطلاق في إعادة صياغة اللغة والمفردات، وتجافي الأساليب الجاهزة، والتعبيرات المستهلكة، فالخطراوي يرى خطورة اللغة في العملية الشعرية، فالألفاظ كالمعاني مطروحة في المعاجم وعلى الألسنة، وفي كل زوايا الحياة، يلتقط الشاعر منها القليل ويرمي بالكثير، ويلتقط منها مايرشده إليه ذوقه، ثم يُكسبها إيحاءات ودلالات جديدة، فكأنك تسمع الكلمات للمرة الأولى ، وكأنها مفردات نزل بها الإلهام الشعري إلى الشاعر وحده دون غيره، كل ذلك مع صدق نفسي وشعوري، أي عدم الاستجابة إلا للدافع الشخصي وحسب، فلا مجاملات ولاتنازلات ولامساومات في الفن، فلا تعتبر فناً تلك اللوحة او القطعة الأدبية التي تُكتب بطلب أو استجداء من الجمهور، أو يكتبها المبدع لاستجداء الجمهور، أو استغلالهم لمصالحه أو لرفع مستوى جماهيريته .. وبعد .. فهذه ومضاتٌ عن الشاعر محمد العيسى عبر رؤى وانطباعات شاعرين من شعراء المملكة، غاصا في أعماق محمد العيسى وقرآه ،وانتقلا إلى الضفة نفسها التي يقف عليها الشاعر، ليأتي النقد والحكم على الأشياء أكثر تصورا وصدقا وموضوعية. عبد الله الزيد ونختتم هذه التحايا والرؤى بطرح للشاعر المعروف الأستاذ عبدالله عبدالرحمن الزيد حيث إن الشاعر هو أعرف بحقيقة الشعر وأجوائه لذلك كان رأيه عن الشاعر ملامساً للحقيقة وقال في ذلك: يعد الشاعر الأستاذ محمد الفهد العيسى إحدى الأيقونات الشعرية الرومانسية، غير أنها رومانسية غير خالصة، حيث تمسك بفقراتها كلاسيكية واضحة الحضور، فلا أحد يفاصل في مجموعاته الشعرية حول نسقية المفردة ومألوفية الجملة والعبارة، وأتصور أن التفسير والتعليل يعود إلى ولع الشاعر بطريقة الأداء في بعض المراحل والأزمنة المترفة مثل فترة العصر الزيد: للعيسى قدرة على المزج بين طريقتين في الأداء وأسلوبين في الإفصاح العباسي الثاني والعصر الأندلسي، حيث يكاد أن يقترب الأداء الشعري من صيغ السهل الممتنع على اختلاف الشعراء في تمثل ذلك الأسلوب والقدرة على تحقيق سماته التي لايعترف ناقد ما بسهولتها. أما إذا تجاوزنا ما يقتضيه المصطلح النقدي والتدقيق البلاغي حول ذلك فإن في الإمكان أن يرد مثلا القول: إن الشاعر محمد الفهد العيسى استطاع أن يمزج بين الكلاسيكية التي هي – أصلا - قاعدة تكوينه الشعري وثقافته الأدبية، وبين الرومانسية التي تشكل مغامرته وإنجازه ومحصلته البيانية في كتابة القصيدة. إذاً.. لاخلاف حول أن الشاعر ذو مقدرة إبداعية لافتة لتأمل المتلقي والناقد معاً؛ إذْ إن المتعارف حوله لدى النقاد أن هناك تضاداً ما بين المراحل، وأن الكاتب بعامة والشاعربخاصة لايمكن أن يتمثل مرحلة أو طريقة أو مذهباً في الفن الأدبي إلا إذا تخلص تماماً من المقدمات التي قبلها، ولذلك جاز لنا أن نعتقد بوجود مقدرة ذاتية لدى الشاعر في المزج بين طريقتين في الأداء وأسلوبين في الإفصاح، وذلك ما يكفي لأن نحتفل به كما يليق به.