المراقب المنصف لا يجد غرابة في الاستقبال الحار الذي حظيت به زيارة سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في ربوع الشقيقة باكستان. وواضح أن الحفاوة كانت مقصودة، و«رسالة» كان رئيس وزراء باكستان عمران خان يود توجيهها إلى الباكستانيين والدول المجاورة، بأن العلاقات السعودية الباكستانية قد استعادت بريقها وحرارتها، بعد أن شابها بعض المزاجيات و«أعمال سحرة» في السنوات الأخيرة، بفعل أذرع السوء التي ما كانت تكل ولا تتعب من الوسوسة بآذان المسؤولين الباكستانيين بالابتعاد عن المملكة، وزرع الأسافين في هذه العلاقة التاريخية المديدة بين البلدين، والمبنية على أسس أكثر صلابة من التقلبات السياسية والمصالح العابرة. في السنوات الأخيرة نجح الحلف الصفوي الإخواني في تبريد العلاقة بين المملكة وباكستان، خاصة أن الفاعلية السياسية الباكستانية في الإقليم كانت تعاني من الجمود أو الترهّل، والأرجح، وهي بذلك الضعف، تلقت رسائل ترهيب من إدارة أوباما لتخفيف العلاقة مع المملكة والاتجاه إلى تقوية العلاقات مع التحالف الصفوي الإخواني. وهو الحلف الذي بنى عليه أوباما «عقيدته» السياسية في الشرق الأوسط، المتمثلة في تتويج الحلف الصفوي والإخواني بهدف واحد وحيد هو إضعاف المملكة ودول الخليج وإخراجها من المشهدَين العربي والإسلامي. وقبل سنوات، لاحظنا، بألم، أن باكستان تتخلى عن دورها، وتبدي علاقات مجاملة مع المملكة في وقت تجتهد الأذرع والضغوط الأوبامية في إرغام باكستان على التماهي مع إيران وعبثيتها وميليشياتها، حتى أن ميليشيات إيران في باكستان بدأت تعلي الصوت، وتمد نفوذها في المؤسسات والشارع. رئيس وزراء باكستان عمران خان، لم يصعد إلى قيادة باكستان، بفعل المؤسسات وإنما راهن على الشارع والجماهير التي تأمل بزعيم ينهض بباكستان من الركام، وتقاطع العلاقات، ويخلصها من كثير من الأمراض التي أوهنت البلاد، وعطلت قدرات الباكستانيين الفذة، وعقولهم اللامعة وغنى الثروات في الأرض الكريمة. وواضح أن عمران خان، مسلحًا بالتفويض الشعبي، يبدأ باستعادة المكانة المرموقة لباكستان، وأنها بلد مستقل، وتضع مصالحها وأصالة العلاقات قبل التكتيكات والمنافع الحزبية العابرة، وأنها عصيّة على الأذرع والمحاور. وهذا بالضبط ما مكّن الأمير محمد بن سلمان وعمران خان من توجيه لطمة مشتركة موجعة لمخابئ الظلام التي راهنت على تفجير العلاقات السعودية الباكستانية، وأبطلت أسحار خلايا الصفوية الإخوانية التي اجتهدت في زرع الفتن والألغام في العلاقات السعودية الباكستانية. وتر تشرق الشمس من ذرى الشاهقات وحقول السند ومهود البنجاب.. حيث يكتب التاريخ روائعه وزهوة بالأنفاس وإرادة لا تهزم..