بعد عملية الطعن التي جرت في مدينة مارسيليا الفرنسية في أكتوبر 2017، وإعلان تنظيم داعش مسؤوليته عنها، صرح وزير الخارجية الفرنسي في حينها بأن حوالي «ثلث الأشخاص الذين يوصفون بالتطرف في فرنسا، يواجهون مشاكل نفسية». هناك من يعتقد أن الإرهابي هو مريض نفسي يئس من الحياة في مجتمعه بصورة طبيعية وليس لديه الجرأة الكافية للانتحار فيبحث عن تبريرات لخلق نوع من الشعور الأخلاقي أو الضمير المفعم بالرضا لما يقوم به من أفعال عنف وقتل. لكني أعتقد أن ربط ظاهرة الإرهاب بالاضطرابات النفسية يمكن أن يفسر جزءا من الظاهرة، لكن لا يمكن تعميمها كقاعدة عامة لظاهرة الإرهاب. فالإرهابيون ليسوا كلهم مضطربين نفسيا. وكنوع من المقاربة أعتقد أن الإرهابي هو نتاج لثلاثة أمور متداخلة: الأمر الأول: تسلطية الفكرة الدينية أو الهوس الديني، هناك كثير من الأفكار تستحوذ على تفكير الشخص وهي كفيلة بتدمير حياته، أو على الأقل تحويل الحياة إلى جحيم. هالي بيري الممثلة الأمريكية السوداء. التي فازت بجائزة أوسكار لأفضل ممثلة على سبيل المثال، قالت إنها كانت تعاني بسبب لونها الذي كان يشعرها بالنقص كونها سوداء، وأن هذا الشعور وهذه الفكرة تسلطت عليها طوال حياتها لدرجة الهوس، وكانت وهي طفلة تدعو الله كل ليلة أن تصبح بيضاء، ورغم أنها كانت تصحو كل يوم دون استجابة لدعواتها، إلا أنها لم تيأس. استمرت تدعو الله ليغير لونها، واستمر هذا الشعور إلى أن تحررت من أسر تلك الفكرة بالسخرية منها. الشيء نفسه ينطبق مع المتطرف أو المتشدد الديني، تستحوذ عليه أفكار متعلقة بمجتمعه، بدينه، برؤيته للعالم والكون، أفكار مليئة تطرفا وتعصبا، يعتقد بأنها الحقيقة المطلقة وتحقق المدن الفاضلة، تتسلط عليه بلا هوادة، تتلبسه تماما، وقليلون يتمكنون من التحرر والخروج من أسر تلك الأفكار. الأمر الثاني: الانتماء إلى جماعة تكون حاضنة لتلك الأفكار وتحاكي سلوكه المتطرف ويشعر معها بالأمان النسبي. كما أن الجماعة تعمل على ضبط طريقة التعبير الجمعي عبر فصل عناصرها عن الواقع والعيش بروح الماضي ولكن في الحاضر من خلال صياغة الواقع والمستقبل بنفس عبق وشكل الماضي، ويغذى هذا التجمع من خلال تشجيع بعضهم لبعض، ومساندة كل واحد منهم للآخر، حتى تحمل نفس الروح والفكر، فتتوحد أهدافها ومصالحها النفسية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي تقوي الانتماء للجماعة. الأمر الثالث: اختراق الجماعة وتوظيفها سياسيا من قبل دول أو جماعات لها مشاريع وأهداف سياسية. فإيران على سبيل المثال لم تمانع يوما ما من دعم المتطرفين والمتشددين سياسيا ودينيا، في المنطقة والعالم، لخدمة مصالحها، ومصالح حلفائها السياسية. تقول كاثرين باور، المستشارة السابقة حول شؤون إيران في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، إن «علاقة إيران بالقاعدة نشأت قبل أحداث 11 سبتمبر، حيث كانت بمثابة المحطة لحركة تنقل عناصر القاعدة ونقل الأموال وتقديم التسهيلات للتنظيم بنقل المقاتلين والأموال من شمال آسيا إلى سوريا وإلى منطقة الخليج بهدف تسهيل أنشطة خلايا القاعدة». وأضافت إن إيران لا تزال متورطة «في تقديم تسهيلات لتنظيم القاعدة بانتقال عناصره من إيران إلى مناطق مختلفة، إضافة إلى استضافة عدد من قياداته في طهران». وعندما حدثت تفجيرات الرياض في عام 2003 كان الذي أعطى إشارة التنفيذ أحد زعماء القاعدة في إيران وهو سيف العدل، قائد عمليات القاعدة (وفق تسجيلات هاتفية موثقة) كما يؤكد ذلك عادل الجبير وزير الخارجية السعودي. وأخيرا.. تبقى هذه المقاربة مجرد اجتهاد في سياق ظاهرة معقدة ومتشابكة ومتعددة الأبعاد.