المتأمل في واقع بعض الجماعات المعاصرة المنتسبة للإسلام يجد أن وصف الواحدة منها ك(جماعة مهووسة) يمكن أن يكون وصفاً دقيقاً ينطبق تماماً على كل الجماعات المعاصرة المتطرفة والمنتسبة لكل الديانات، فهي إما مهووسة بالسياسة والحكم أو مهووسة بانتزاع الحقوق وإما مهووسة بالأهواء والأطماع الشخصية أو مهووسة بالتطرف ذاته، ويجمعها كلها الهوس بأحلام الماضي وأنها في حالة غياب تام بل فصام مع الواقع العربي والإسلامي والعالمي المعاصر. كان هوس جماعات الجهاد في أفغانستان ومصر موجهاً بشكل واضح نحو دعوى إصلاح نظم الحكم والسياسة في الفترة التي مرت بها في صراعها مع السلطة لإقامة الشريعة التي كانت تتعرض للإقصاء في فترة حرجة من تاريخ مصر العربية. أما هوس الجهيمانيين السعوديين فكان هوساً بالدرجة الأولى بأحلام الماضي وتطلعاتهم للخلاص عن طريق فكرة المهدوية. وكانت جماعة منغلقة جداً ومتشددة جداً لذا لم يكن لها أثر كبير في السعودية ولم تتسع دائرتها لتتجاوز الحدود نحو العالم العربي، وكانت ضيقة الأفق شكلاً ومضموناً وواقعاً، وانحسرت بعد أحداث اقتحامهم الحرم المكي وهو أهم أسباب موت الجماعة إن صح التعبير. ويأتي الهوس بالتطرف ذاته مع ظهور تنظيم القاعدة وتجليه في هوس منقطع النظير بالنسبة للجماعات المتطرفة الأخرى التي تراجع كثير من أقطابها في الآونة الأخيرة خصوصاً في مصر . ومن الظلم تعميم الحكم بالهوس على جميع المنضوين تحت لواء الجماعات الإسلامية الماضية والمعاصرة إذ اتجهت بعضها للاعتدال ومحاولة التخلص من أفكار الجماعات المتشددة أو تطويرها وظهورها في ثوب جديد ومغاير، وزال كثير من الهوس في صفوف بعضها بينما بقيت أخرى مهووسة بل زاد هوسها مع العنف السياسي المقيت الذي عصف بالأمة العربية وكان هو السبب المباشر والأول لثورات العرب الحديثة فيما يسمى بالربيع العربي. ومن هنا ظهرت فكرة الخلاص في الجماعات الإسلامية عن طريق الموت باسم الجهاد وهي فكرة ترتكز أساساً على معنى صحيح في الإسلام ولكن تم تحويره ليتجه نحو قتل من لا يستحق القتل أو قتل النفس والتضحية بها كخلاص من واقع عربي وإسلامي مُرّ، ويرجع أيضاً لحالات نفسية يمر بها الشباب العربي المعاصر كردة فعل لانتكاسات العرب والمسلمين في المحافل الدولية وعلى أرض الواقع. ولاشك أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحالات النفسية وانحراف طرائق التفكير عند بعض قادة الجماعات وكثير من شبابها المنعزلين فكرياً عن المجتمع كان لها أثر كبير في تحولهم لمحاولة الخلاص عن طريق فكرة الجهاد ومن ثم الانتحار بتفخيخ النفس وتفجيرها. كل هذا الهوس يعود إلى بيئة لم تحتضن الشباب بشكل جيد فالمجتمع العربي شريك في الجريمة التي يقوم بتنفيذها شباب صغار في السن تم التغرير بهم وعزلهم عن مجتمع أصبح جاهلياً ومظلماً حسب ما غرس في أذهانهم، واختزلوا الإسلام في الجهاد وأنه لا يكون إلا بالسيف، وأن قتل المعاهدين والمستأمنين مبرر وحلال، وغير ذلك من التغريرات والتبريرات التي تُسمم بها عقول الشباب في فترة عمرية مبكرة، لاسيما مع الخلل الكبير في مناهج التربية والتعليم التي لازالت ضعيفة فيما يخص هذا الجانب ولا تشكل حصانة كافية ضد الأفكار المجنحة من جماعات الغلو المعاصرة وهي امتداد طبعي لجماعات غلو قديمة أو هي صورة حديثة ومطورة لصور إرهاب عالمي يمارس ضد كل من يعتنق الإسلام، فالعنف السياسي العالمي ولَّد صوراً كثيرة من صور العنف في العالم العربي والإسلامي صورا مصغرة من الهوس العالمي تتجسد في شبابنا المعاصر دون حسيب أو رقيب. وكان يمكن احتواء هذه الفئة الضالة والمغرر بها وتوجيهها الوجهة الصحيحة ومحو غشاوات الجهل والتغرير ومنع التسلط على عقولهم من بعض رموزهم وقادتهم، وفتح الآفاق أمام هذه الفئة لتندمج في المجتمع العربي المسلم وتنصهر فيه وتتحول بكل إيجابية وتفاؤل نحو مستقبل زاهر وأمل جديد بكل ثقة واقتدار وحب وتسام.