تحفظ الصخور الرملية في صحاري المملكة، ميزتين عظيمتين: فهي الثروة المادية التي يقوم عليها اقتصادنا، والسفر الذي يحفظ تناسل حضارتنا ورسوخ جذورها في القدم. وكدلالة على صلابة الحضارات التي عاشت على هذه الأرض، ظل إرث حضارة إنسان الجزيرة العربية وسمتها ورموزها، منحوتا على الصخر كوشم على خد الزمان، فعلى صفاحها تجد كتابات و(خربشات قديمة)، تنبئ بحقيقة أن عرصات هذه الجبال، شهدت حراكا حضاريا مبكرا يعود لإنسان ما قبل التاريخ في الجزيرة العربية. ومنذ أول اكتشاف وجد على الصخر، لم يكد يمضي عام حتى تكشف الجبال عن مكنونها من الكنوز الحضارية، وبفضل القوانين التي سنتها القيادة والأوامر الملكية التي أسست لرعاية الآثار في بلادنا، ووجدت اهتمام هيئة السياحة والآثار، وتعاونا وتفهما من قبل المواطن السعوي، وبفضل الجهود الاستكشافية الدؤوبة غدت المملكة العربية السعودية في سنوات قليلة أغنى بلدان العالم بتراثها الحضاري. يقول الدكتور عبدالله الزهراني مدير مركز الأبحاث الأثرية: «تعد المملكة العربية السعودية غنية بتراثها الحضاري الذي يرجع إلى ما قبل التاريخ والمدون كمكتشفات في شكل آلاف المواقع من الرسوم الصخرية المبعثرة على الجبال وعلى الطبقات البارزة من الصخور الرملية وفي الوديان والصحاري». وخلال السنوات الماضية أولت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني النقوش الصخرية اهتماما كبيرا، وأطلقت مشاريع مسحية تهدف لتسجيل وتوثيق الرسوم والنقوش الصخرية بالمملكة، وهدفت تلك المشروعات لفك وتحليل ما تحمله هذه الرسوم الصخرية، ومن المشاريع التي اولتها الوزارة اهتماما كبيرا، مشروع مسح نقوش جبة والشويمس الواقعتين ضمن نطاق اقليم حائل، أهم وأكبر المواقع الأثرية في المملكة، إذ يعود تاريخه إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، وقد تم ادراجه ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. ويصف علماء الآثار ظاهرة الرسوم الصخرية بأنها تجلت كإبداعات فنية للشعوب التي عاشت مرحلة ما قبل الكتابة. واضافة إلى انها ديدنهم في التواصل والتدوين، أضحت مفتاحا رئيسيا لجيل الحاضر، لقراءة تفاصيل عوالم تلك الشعوب. ويشير الدكتور عبدالله الزهراني إلى أن اتساق الموضوعات والمحتوى الفني الذي تعرضه الرسوم الصخرية جعلها تلعب دورا مهما في الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية للسكان البدائيين بالمنطقة. ويضيف: من خلال هذه الرسوم الصخرية فإننا نجني فهما أفضل للتاريخ القديم للجزيرة العربية، حيث ان الرسوم الصخرية تمثل الإبداعات الفنية للشعوب التي عاشت مرحلة ما قبل الكتابة واتخذت مصدرا رئيسيا لفهم العالم الذي عاشت فيه تلك الشعوب. وبعد إقرار القيادة لرؤية المملكة 2030 عكفت الهيئة على تسجيل كثير من المواقع الخاصة بالرسوم والنقوش الاثرية، إضافة إلى عملها على مشاريع متخصصة في دراسة وتسجيل الرسوم الصخرية كمشروع: مسح موقع جاحد بمحافظة الرين بمنطقة الرياض، ومشروع مسح نقوش تثليث بمنطقة عسير، ومشروع مسح نقوش تنومة بمنطقة عسير، ومشاريع اخرى في منطقة حائل تشمل جبه والشويمس، ومشروع النقوش والرسوم الصخرية في الجوف. وتسعى الهيئة الآن لتأهيل عدد من المواقع بصدد تسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو مثل موقع الرسوم والنقوش الصخرية في منطقة نجران. وقال الدكتور عبدالله الزهراني: إن خطة الهيئة تمثلت في افساح المجال للباحثين للعمل والدراسة في مواقع النقوش والرسوم الصخرية وتوفير الإمكانيات من مراجع وصور حسب المتوافر. وفي مجال حماية مواقع الرسوم الصخرية قامت الهيئة بتسويرها ووضع حراس على تلك المواقع بعد أن قامت الهيئة بترميم كثير من الواجهات الصخرية والنقوش الاثرية التي تعرضت لكثير من العبث والتخريب.