يتبادر في أذهان بعض المتابعين والمهتمين بالشعر سؤال مفاده انه هل مع الشعراء قرناء من الجن يقذفون قرائح الشعر على ألسنتهم أم هي قوة وإبداع فكري يستلهمه الشاعر من مخيّلته وقريحته، وهل حركات بعض الشعراء التي تصدر منهم خلال إلقاء قصائدهم نابعة من وعي وإدراك كامل، أم هو ما يُسمّى بالقرين.. من هنا وهناك استطلعت «في وهجير» آراء بعض من الشعراء.. ممارسات مختلفة يقول الشاعر والإعلامي عبدالله حمير إننا كمسلمين نؤمن بوجود الجن وبشكل مطلق؛ لأنهم مذكورون في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، وسرد قائلًا: قد يدّعي البعض من الشعراء بأن له قريبًا من الجن يوعز له بالشعر، وقد يكرّس هذا المفهوم قيام البعض بممارسات مختلفة من إشعال النار أو حمل عصا وتحريك النار بها وجميع تلك الأمور ما هي إلا خزعبلات يُراد فيها لفت الأنظار. مواد منشطة كما نفى الشاعر مانع بن شلحاط واتهم هؤلاء بالكذب بقوله: كذاب مَن يقول إن للجن علاقة بالشعر أو الشاعر، فالشعر موهبة حسنها حسن، وقبيحها قبيح، ولكن هناك شعراء من المؤسف طبعًا أنهم يستعملون بعض المواد المنشطة كالكبتاجون والتي قد تؤثر في سلوكه مما يساعد على الهلوسة فيجعلون الجن هو الشماعة لذلك السلوك الخاطئ، وأنا أرى أن الجن بعيد عن الشعر تمامًا وعما يتداوله البعض عن وجود جني يساعده في الشعر. بصمة معروفة واختلف مع ذلك الشاعر بشير اللويش في قوله: لا أؤمن بحقيقة تلبّس الجن للشعراء وما شابه ذلك عند كتابة النص، ولكن قد تندرج تحت الطقوس التي لابد ان يتعايش معها بعض الشعراء للوصول إلى الجو الشاعري الذي من خلاله يكتب النص بجزالة مقرونة ببصمته المعروفة، ومن الملاحظ أن البعض يذكر أسماء غير مألوفة، وقد تكون غريبة أو من عصور قديمة كعصر الرومان مثلًا ويتضح من طرحه انه اسم قرينه الجني ولا نعلم ماذا سيكون مستقبلًا من حالات غريبة ومريبة.
خرافات أما الشاعر مهدي آل حيدر فذكر لنا قصة حوت على حد ذاكرته شيئًا من هذا فهو يقول: أتذكر عندما كنت صغيرًا بعض القصص التي يرددها الكبار عن الشعراء وعلاقتهم بالجن والعياذ بالله، ومن تلك القصص قصة تحكي أن هناك جبلًا يسكنه الجن وأن من صعده وبات فيه ليلة كاملة سيصحو في اليوم التالي وقد أصبح شاعرًا أو مجنونًا..! ومثل هذه الخرافات تجد مكانها في المجتمعات البسيطة غير المتعلمة ولكن الذي يشعرك بالحيرة أنه لا يزال الكثير في وقتنا الحاضر يعتقدون بوجود العلاقة بين الجن والشعراء والذي يزيدك حيرة أن البعض منهم على قدر عالٍ من التعليم أعتقد أن مثل هؤلاء الناس يحاولون إيجاد مبرر لكونهم لا يجيدون كتابة الشعر بهذا الاعتقاد، وهو أن الشعر يكتبه الجن فقط، ولا يمكن أن يكتبه بشر ولو كان ممكنًا لكتبوه هم أيضًا، والشيء المضحك أن أحد الشعراء ممن تلاحقه هذه التهمة لا يحفظ قصائده بل يقرؤها من الورق وأتساءل: أين (الجنيّ) الذي كتب له القصيدة ولماذا لا يهمس بكلماتها في أذنه ويكمل معروفه.
التباهي بالجن وبيّن الشاعر محمد بن نغموش رأيه عن ذلك بقوله: لا شك في أن هناك قرنًا لكل إنسان. ولكن اشك في أن للجن علاقة بالشاعر إلا إذا أراد ذلك ونحن نرى أن الكثير من الشعراء يتباهى بالجن، وما إلى ذلك، ومن يتبختر بعلاقته بالجن نقول له الشكر للجن وليس لك؛ لأنك مجرد ناقل لإبداعات الجن وكلامهم، وأتمنى من المبدعين ألا يربطوا إبداعاتهم بالجن للبحث عن التميز والشهرة.
قوقعة العصر ذهب الشاعر والإعلامي حمد الدليهي في رأيه عن ذلك بقوله: اسمع بهذه العلاقة التي لا أؤمن بتواجدها على أرض الواقع إطلاقًا, وبصفتي كشاعر لدي إدراك وفهم مباشر بأن الشاعر هو الذي يهيئ الأجواء ليجند أحاسيسه ومشاعره من خلال تعبيره عن نفسه أو عن غيره بجميع أغراض الشعر حسب ثلاثية الضوابط (قافية – وزن – معنى) وان ما تردد ويقال حول هذه العلاقة لم ولن يؤثر على الساحة الشعبية وما هو إلا فهم لدى من ما زالوا يعايشون ويحملون قوقعة وعشعشة العصر الحجري في أذهانهم, فمن لديه اطلاع أو دراسة البرمجة اللغوية العصبية سوف يعلم ما مدى المزايا والصفات التي تتمتع فيها شخصية الشاعر من اقتدار وتمكّن وسرعة بديهة في مجال ما أعطاه الله من موهبة, ويبقى الشعر نوعًا من أنواع الأدب ونتخذه في كل فن وذوق وأخلاق. محاولة استقطاب أما الشاعر داهم العصيمي فقد بيَّن مدى تلك العلاقة من وجهة نظره مستطردًا: تتكرّر إشارات لتلك العلاقة عبر تاريخ الإبداع عامة عربيًّا وعالميًّا، والشعر أحد أنواع الإبداع ورغم الإيمان بوجود الجن وإمكانية إيحائهم للبشر إلا أن ندرة حدوث ذلك لا تدعم ادعاءات الكثير من الشعراء بعلاقتهم بالجن في محاولة لاستقطاب الاهتمام، أما مَن يبدع بلا شك فهو هاجس الشعر في روح الشاعر والقصيدة على لسانه وفكره هو مَن يوحي له وليس الجن كما يعتقد بعض الواهمين لذلك فإن التطرف في تأكيد العلاقة ينافي الحقيقة.
شاعر من بين مائة شاعر وأخيرًا قال الشاعر إبراهيم بن مريع: نحن نسمع في كثير من الأحيان عبارة هذا الشاعر معه قرين أي جني، وبالذات مع الشاعر الذي نجد في تصرّفاته غرابة أو فعلًا غير سوي، والشاعر الذي لا يميّزه شعره عن غيره من جزالة أو غرابة ألفاظ. والحقيقة أني أتوقع أي شيء في مثل هذا الموضوع، ولنا في «عبقر» ووادي عبقر مثال على ذلك.. لكنني متأكد من أن أكثر من يدّعي وجود القرين في الشعر قد جانب الحقيقة، وربما قد يكون هناك شاعر من بين مائة شاعر له قرين يساعده على إبداع الشعر.