الإبداع في المطلق هو موهبة أصيلة لدى الفرد الموهوب وهو أيضا حصيلة خبرة و موهبة معا ولا تكتمل الا بخلق بيئة تساعد على تنمية وتطوير تلك الموهبة لتتحول بالتالي إلى إبداع متميز. والموهبة فطرة ربانية لا دخل للاكتساب في وجودها لذلك فإن المبدع الموهوب نجده في بعض ابداعاته الادبية يتميز بالاصالة ورهافة الحس فهي الالهام الذي تحدث عنه الشعراء على مر الزمان ففي الجاهلية كانوا ينسبون الالهام للشياطين فكان العرب يقولون أن لكل شاعر شيطانا يعلمه الشعر، وأما الإغريق فنسبوه للجن الذين ربطوا بين الشعر والإلهام وكانوا يرونه الروح الملهمة وفي الجاهلية كانوا يرونه مصدر العبقرية نسبة الى وادي عبقر بالمدينة المنورة حيث يقال أن الجن كانت تقطن آنذاك بوادي عبقر . والإبداع لدى الشعراء كان دائما مرجعه الالهام وقد أشاد إفلاطون اليوناني بدور الالهام في ابداع الشاعر وحتى في وقتنا الحاضر ما زال هناك الكثير من الكتاب المعاصرين يؤمنون بأن للإبداع جوانب خفية وغير ظاهرة ويفسرونها بالموهبة أحيانا وفي أحيان أخرى تفسر بأنها خيال خصب لدى المبدع، وقد تتفاوت تلك الموهبة من شخص لآخر وقد يحصل عليها أشخاص وقد لا توجد لدى أشخاص آخرين أو قد تكون مستترة ولكن لم تتوفر محفزات بيئية تساعد على ظهورها ولكنها في النهاية هي موهبة من الخالق ولكنها موهبة تتفاوت في إبداعها من شخص لآخر . وكان الإغريق يرون الشعر مملوكا لربات الشعر " ملهمات الشعر " وهو أيضا مرتبط بالذاكرة وقد جاء في كتاب المؤرخ الفرنسي "جون بيير فرنان" المعنون ب"الأسطورة والفكر عند الإغريق" أن «الشعر يشكل أحد الأشكال النموذجية للامتلاك والهذيان العرفاني، حالة "الحماس" بالمعنى الاشتقاقي، مملوكا من ربات الشعر Muses، فالشاعر هو مؤول ربة الذاكرة . و الشاعر الإغريقي كان يتجه إلى الماضي بشعره ليستحضر زمن البطولة، الزمن الأصلي فالذاكرة حسب فرنان «تحمل الشاعر الإغريقي، المنخرط في طائفة إلى الماضي ليراه كما هو . ويفسر "هزيود" قداسة الشعر بكون ربات الشعر عندما يعطين للشاعر عصا الحكمة المصنوعة من شجرة الدفلة فإنهن يعلمنه "الحقيقة" ويعلمنه الغناء الجميل. فالشعر هنا لا ينفصل عن الأسطورة، بل إن أقوال الحكماء الأوائل كطاليس كانت ضربا من الشعر، مثلما ارتبطت سيرة سقراط بعرّافة معبد دلف. ونخلص هنا إلى أن الابداع الشعري بشكل خاص لدى الاغريق ارتبط كثيرا بالاساطير والخرافات والقصص البطولية الخرافية واعتمد بشكل كبير على الذاكرة والثقافة الفلسفية المعتمدة على الأساطير والتي كانت حاضرة في تلك الفترة الزمنية . والنظرة الى الفكر الابداعي لم تتوقف عند تفسيرات الاغريق أو التفسير الجاهلي فما زالت النظرة يشوبها الكثير من التساؤل والاندهاش حول من أين يأتي الالهام وكيف تتم عملية الابداع لدى المبدع سواء كان شاعرا أو كاتبا أو أيا كان إبداعه . وقد يبدأ الإبداع بفكرة ليطورها المبدع بما أوتي من موهبة وخبرات ومهارات مكتسبة ليخرج في النهاية بابداع متميز لا يتكرر بفكرته وصياغته ومن هنا نستطيع أن نخلص إلى أن الموهبة لا تكتمل إلا بتوفر العناصر المكتسبة التي تساعد على صقلها وبلورتها وصياغتها . وهذه العناصر قد تلخص في القراءة المكثفة والبيئة المحفزة والمعرفة الشاملة وقد تكون ذاكرة تخرج من اللا وعي كما يفسرها علماء النفس وكلها أمور تحيط بصاحب الموهبة ليستعين بها في صقل موهبته وخروج أفكاره وإبداعاته . *شاعرة وإعلامية سعودية