يموت الإنسان ولا يبقى منه سوى الأثر، هكذا استقبلت جموع الناس نبأ رحيل الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، لتأخذهم اللحظة في رحلة سريعة لأعمال هذا الفنان الكوميدي. «درب الزلق» وصراع الإنسان البسيط من أجل تأمين الحياة والوقوف بمحاذاة التُجار الكِبار. «باي باي لندن» وضحكتها الواقعية الساخرة، ففي كل عيد أنت على موعد مع إعادة عرض هذه المسرحية، لتضحك راضيا موافقا على واقع ازدواجية العربي الذي يتنقل بين ثقافتين مختلفتين. الفن الذي يجعلك ترى نفسك قابعا في النص، تشعر بالتعاسة وضيق الحيلة فتبكي في احد مشاهده لأن القضية لامست أوجاعك، وتضحك مرة أخرى في تصالح تام وحُب كبير على مشهد آخر، لم ينفك يقدم لك تناقضاتك وأخطاءك الغبية والعنيدة بنكهة ظريفة، يُجبرك على ذرف الدموع وأنت تضحك وتتعلق بمن يُصارحك بالنقد، ليُظهر لك الأشياء كما هي دون مواربة. هكذا يكون الفن الكوميدي نافذة للتقرب من أوجاع الناس وافتراض حلول لمعاناتهم، ولكن المُخرج لا يختم المشهد بتنفيذ المقترح وحل المشكلة، فترى واقعك ماثلا أمامك بعناده وحفاظه على الخلل. وبعد كل هذه المسيرة، تخفت الأضواء التي تلاحق الفنان، يتقدم في العمر ويبتعد عن منصات الجمهور والتأثير التي كان يعتليها سابقا، يُفاجئ الجمهور بقرار الرحيل الأبدي إلى طريق الإنسان المحتوم، عندها يستحضر الجمهور تاريخ اللقاء به وأسباب معرفته ومحبته، فيظهر الأثر! ما الذي يتبقى بعد رحيل الفنان؟ الأثر! هل جربت أن تتقفى أثرا عابرا في حياتك؟ هل فكرت يوما أن أحدهم سيتحدث عن بقاياك في نفسه وآثارك في حياته بعد الرحيل؟. «بعض الناس يموت تاركا حسا جميلا وروحا طيبة بالمحبة والسلام، بينما يذهب آخرون مُخلفين وراءهم وحلا من الكراهية» إنه كل ما يتبقى منك على الأرض، آثارك مع سكان الأرض، الذين جمعتهم على مائدة واحدة ليضحوا مرة واحدة، وجعلتهم يتسامرون مُجتمعين من مواقعهم المختلفة وخلفياتهم المتباعدة ليضحوا سويا على واقعهم المشترك بكل تضاريسه، مُتجاهلين اختلافاتهم ومُتعالين فوق طبيعة الاختلاف الإنساني. عبدالحسين عبدالرضا، رحلت بعد أن جمعت الناس صفا بصفٍ وهم يضحكون بحب وسلام ولم تُفرقهم أبدا. رحمك الله وغفر لك.