كان يمكن لدولة قطر أن تضيق ميادين اللعب، وتحصر الأزمة الراهنة في مجلس التعاون وحل الخلافات في مجلس الأسرة الواحدة، لكن الدبلوماسية القطرية فضلت الركض في طول العالم وعرضه، معتمدة على نصائح «معلبة» وجاهزة للاستخدام السريع، من إنتاج ذات المخيخات التي، على مدى عقدين، زينت الأوهام، وما يزين الأوهام إلا المستفيدون والتجار والسماسرة والمحرضون على البغضاء والفرقة والمشاؤون بنميم. وأي إخواني أو متعاطف مع حزب الإخوان أو إيراني أو مسؤول في دولة مستفيدة تنهمر عليها العطايا القطرية مدراراً، أو من شركة علاقات عامة أو مستفيد ما في دكان إعلامي، من الطبيعي أن يهرع إلى الدوحة يزين لها كل سبيل إلى المروق، ويشحن مسؤوليها ومواطنيها بأن سيادتهم مهددة، ويشدد من أزر كل رفض، ويستخدم كل وسائل الإقناع والفصاحة والأمثال التاريخية من غراميات أتيلا الأوراسي في أوروبا حتى الأدبيات الحزبية للسيد أوغلو المتخادمة مع القيصر، وإخوانيات وجدي غنيم المتدفقة بذاءات، وسيول مناحات العصبة الهذرية في «قنوات الاستخدام للمرة الواحدة»، وفاشيات حسن نصرالله. حتى تقتنع الدوحة أن عتب الخليجيين عدوان مبين مبيت بليل لم يتجل له قمر، وأن التجاوب مع آمال الخليجيين لا نخوة ولا رفعة رأس شاهق ولا عناق للتاريخ والجغرافيا والانفاس والسماوات والنجوم المشتركة، وإنما هو هزيمة وإذلال، ونهاية لقطر والسيادة ومن علامات قيام الساعة. وسيرفع المشاء بالنميم العويل والمناحات، مجاوباً أذرعة البؤس والضراء: من للديمقراطية ومنارات الحرية من راع بعدك يا قطر؟، ومن للشعوب التي ترزح تحت سياط الطغاة من معين؟، ومن للإخوان، أحباب الله والمجاهدين بالنفس والمال واللسان وفتاوى الحزبية والعصبيات الفتانة، من مساعد ومساند؟، يا ويلتا ستنكسر الأمة وأيتامها، وسينطفئ الربيع العربي وقناديل الإخوان الوهاجة، وسيتشرد الخلان في بيد المنافي. المشاء بالنميم يلعب ورقته الأخيرة، اما النصر واستمرار نهر التمويل يتدفق من الدوحة، أو ليتهدم المعبد وينهار العالم، وليذهب الناس، جماعات وأحادى، إلى الجحيم. ولا يهمه أن تكسب قطر أو تخسر، أن تبقى الدوحة أو تتبخر، أن يكون الخليج أو لا يكون، أن يعز الناس أو يذلوا. لهذا فإن الأمل بسمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، أن يتخذ القرار السياسي الحكيم المتماهي مع النجوم وشم الشاهقات، ليعطل مواهب مسوقي الفتن والسماسرة وتجار الأزمات والحروب، لأن مطلب الدول العربية حق وعتب و«شرهة» على أمير عربي أبي كريم سليل أسرة كريمة وشعب قطري كريم المحتد رقيق المعشر عالي الهامات. ولا يليق بقطر ولا بأميرها ولا بشعبها هذا النأي وهذا الجفاء الذي حتماً له أثمان، من لواعج وأمشاج قربى، لا تعوضها لا طهران ولا أنقرة ولا حتى واشنطن بكبرها، لأن العلاقة بين قطر والمملكة والخليج أعمق من العلاقة بحزب أو دولة أو مصالح أو مشائين بنميم يحرفون الكلم عن مواضعه وينشرون الضراء ويتاجرون بالعواطف.