يبدو أن الإخوة في قطر يستجيبون بسرعة غريبة للمشائين بالنميم ويرهفون السمع للهمس المسموم النمام وألسن المرتزقة والمستفيدين الذين يجدون في الدوحة منجم الذهب، ولا ينظرون لقطر إلا أنها جمعية تمويل فقط وصندوق نفقة، دعك من الأدوار التي يخلقونها لقطر، كي يتاجروا بها، ويغلقوا الأعين القطرية عن أن ترى حقيقة إمكانات الدوحة ومؤهلاتها. وقد شبوا وكبروا وبنوا أمجادا بفضل الثروات والتمويلات القطرية، ومن الطبيعي أن يستمروا بخطفها واتخاذها رهينة أو درعا تتلقى الطعنات عنهم، وسوف يصابون بأفدح المصائب والخسائر وحتى اللعنات إذا ما فكرت قطر في «الاستقلال» والتحرر من خبثهم وخبائثهم، وقررت الانحياز لنفسها وسيادتها وأهلها وهويتها وخليجها. ونجح بلاء هؤلاء المستفيدين في التمكن من سويداء القلب القطري، ونجحوا في زرع أوهام وأحلام يقظة في الدوحة بأن قطر قوة كبرى وتشكل ندا للمملكة ولمصر ودول أخرى زعيمة في العالم، وهذه الفكرة مسيئة للشقيقة قطر ومسيئة للقطريين ومسيئة للقيادة القطرية، لأنها تثير السخرية من قطر أن تلعب أدوارا أكبر من مؤهلاتها كدولة، ويجب ألا يكون يعتقد أننا ننتقص من مكانة القطريين وقيادتهم، فمؤهلات الناس تختلف عن مؤهلات الدول. وليس عيبا أن تبحث الدول عن أمجاد ومساحات نفوذ إذا كانت تملك المؤهلات الطبيعية للزعامة، مثلا لا يمكن أن تفكر لوكسمبورغ في اختطاف دور لفرنسا أو تقدم نفسها بديلا أو ندا لفرنسا أو لألمانيا. ليس العيب في الناس، لكن العيب في إمكانات الدولة. لهذا حتى هولندا لا تفكر أيضا أن تقف ندا ومناقضا للسياسات الفرنسية أو الألمانية أو البريطانية، نظرا لأنها تعلم أن الفرنسيين ليسوا أكثر مجدا ولا عبقرية من الهولنديين، لكن إمكانات هولندا ومؤهلاتها لا تقارن بمؤهلات فرنسا وإمكاناتها، لهذا من الجنون أن ترى هولندا نفسها ندا لفرنسا. من الفاجعة أن يطرح رئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، أن قطر تحركت في قضايا عربية، بديلا للسعودية ولمصر، ويبرر ذلك أن هذه الدول العربية الكبرى لم تقم بدورها، فنهضت قطر بهذا الدور. وكان منطقا عجيبا وليس ضربا في الجهل كما يبدو، لكنه ضرب في الغرور حد الجهل، لأن الدولة غير المؤهلة ليس بإمكانها، على الإطلاق، أن تقوم بدور دولة أقوى، وكل من يتصدى لقضية ليس مؤهلا للخوض فيها فهو فاشل، ومآله الخسران. وهذا ما يحدث حقا مع قطر التي سوف تكتشف يوما أن حزب الإخوان الأردوغاني العابر للحدود قد وظف قطر لخدمته ولم يكن يهمه أن تفشل قطر او تنجح أو تعادي أهلها وهويتها، كان يهمه أن يحافظ على الصندوق سخيا ومدرارا، ومن أجل اختطاف قطر يضفي عليها أوصافا وألقابا ومهمات أكبر منها، بل وأحيانا يورط الحزب قطر في التقدم لمهمات ليست أكبر منها فقط، لكن أكبر من منطقة الخليج بأكملها، وأحيانا اكبر من الأمتين العربية والعثمانية مجتمعتين. وهذا ما لا نرضاه لقطر ولأشقائنا القطريين الكرام. والأهم إذا بحثت قطر عن دور خارج منطقة الخليج فلن تجد. فكل ما هو خارج الخليج لن يتقرب لقطر من أجل سواد عيونها، وقطر ليست مفيدة لأي محور خارج الخليج، ولن تستطيع أن تتقرب للذين يهمسون لها بالسوء إلا أن تشتري مكانتها بأغلى الثروات ومعاداة أهلها، وتلك أسوأ الأدوار.