اغتيال نصرالله..اختراق إسرائيلي يفضح «حزب الله»    أرفى تنظم أول معرض تفاعلي رقمي في الشرق الأوسط للتصلب المتعدد    «دوريات المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مواد مخدرة    مزاد تمور العلا يواصل فعالياته في أسبوعه الثالث    النصر يتحرك للحفاظ على كريستيانو رونالدو    فيصل بن مشعل يستقبل مدير مدن ويرعى احتفال جامعة القصيم باليوم الوطني    رئيس الوزراء اليمني يطلّع على سير الأعمال في مشروعي إعادة تأهيل "طريق العبر" و"منفذ الوديعة"    "شبكة إيجار" تُسجّل أكثر من 10 ملايين عقد إيجاري مُنذ إطلاقها    مدارس "تعليم الرياض".. تواصل فعالياتها المتنوعة احتفاءً باليوم الوطني94    نائب أمير الشرقية يلتقي مدير شرطة المنطقة وعدد من القيادات الأمنية    هيئة الأفلام تطلق ملتقيات النقد السينمائي لعام 2024 بدءا من حائل    أمير الشرقية يتسلم التقرير السنوي للقطاعات الأمنية لليوم الوطني 94    بلدية الخبراء تكثف جولاتها الرقابية لمعالجة مظاهر التشوّه البصري    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية تعاون مشترك لتمكين المرأة اليمنية في مشاريع الطاقة المتجددة    بلدية محافظة عنيزة تضبط مستودعاً يقوم بتخزين اللحوم بطرق مخالفة    ميقاتي: الدبلوماسية خيارنا.. ومليون نازح حتى الآن    "التحالف الإسلامي" يتناول الرؤى الاستشرافية في ندوته العلمية لمحاربة الإرهاب عبر التقنيات الرقمية الأربعاء القادم    «الصحة» تغرّم 3 شركات طيران لمخالفتها أحكام نظام المراقبة الصحية في منافذ الدخول    «الموارد»: اعتماد القواعد التنظيمية للائحتي الأشخاص ذوي الإعاقة    "التعاون الإسلامي" تؤكد أهمية إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين    مدرب روما يمتدح قدرات سعود عبد الحميد    سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    "السعار" يقتل 60 ألف شخص سنويًا.. والوقاية بالتطعيم    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية فنزويلا    البرلمان العربي يدين الموقف الدولي المتخاذل.. مطالبة بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة    ميزة جديدة.. «واتساب» يحجب رسائل المجهولين !    افتتاح أول مزرعة عمودية للفراولة في العالم    «أخمرين» تطلب رصف وإنارة الطريق    بيشة: رئة «نمران» بلا أوكسجين !    في الجولة الخامسة من دوري يلو.. أحد يهدد الطائي.. والعربي يصطدم ب«الجبيل»    في خمس مناطق للقراءة والتأمل.. «الرياض تقرأ».. رحلة بين السطور    رحلة إثرائية    500 عمل فني تزيّن بينالي الفنون الإسلامية في جدة    وزير الثقافة للمبتعثين: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة    أحد رفيدة: مطالبات بتكثيف مكافحة الحشرات    الجهني يغيب عن «كلاسيكو الجوهرة»    أوروبا تصوّت على قرار جمارك سيارات الصين الكهربائية    الليلة السعودية تستعرض الفرص التعدينية    5 أسباب للكوابيس والقلق أثناء النوم    5 نصائح.. تسرِّع التعافي بعد جرعات العلاج الكيميائي    هيئة الأدب والنشر والترجمة تُسخر التقنيات الحديثة لخدمة زوار "كتاب الرياض"    مفكران عراقيان: معرض الرياض الدولي للكتاب من أهم نوافذ الثقافة العربية    الزواج التقليدي أو عن حب.. أيهما يدوم ؟    دور أمانات المناطق في تحسين تجربة المواطن والمقيم    قبضة الخليج تلاقي ماغديبورغ الألماني    سيدات الطائرة يدشّنّ منافسات دورة الألعاب السعودية    بغلف وباربيع يحتفلان بعقد قران أصيل    من دمَّر الأهلي ؟    الرّفق أرفع أخلاق نبينا الأمين    يوم مجيد توحدت فيه القلوب    تكريم الكاتبة السعودية أبرار آل عثمان في القاهرة    ايجابيات اليوم الوطني    مروّجو الأوهام عبر منصات التواصل الاجتماعي    الزهد هو المجد في الدنيا والمجد في الآخرة    وطني.. مجد ونماء    رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان المملكة إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    بحضور 3000 شخص.. أحد رفيدة تحتفل باليوم الوطني    محافظ هروب يرعى حفلَ الأهالي بمناسبة اليوم الوطني ال 94    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديوان «الأهلة»
بالمسرحيةِ قد يضيقُ المسرحُ!
نشر في اليوم يوم 05 - 05 - 2017

هل يكتب الشعراء قصائدهم بدافع الإحساس أم بالموهبة؟ هل يمكن لشاعر أن يبتكر معزوفته الخاصة فقط رغبة في الكتابة وبمعزلٍ عن مشاعره الداخلية الصادقة؟ كانت لدي فكرة –لا أعلم من عززها– بأن الشعر موهبة أكثر من كونه إحساسا يدفع الموهوب على الإبداع فقد تُكتب الكثير من القصائد بدافع الإحساس سواء كان هذا الإحساس أوجده الحب أو الفراق أو الظلم أو الفرح وغيره.. لكني أزعم بأن الموهبة أيضا قد تقود الشاعر للكتابة الإبداعية بغض النظر عن كل تلك المشاعر، كالرواية مثلا إذ لا يعني بالضرورة أن الروائي قد عايش كل تفاصيل الأحداث والفصول التي كتبها بقدر أن موهبته مكنته من ابتكار الشخصيات والأحداث التي تشكل أحداث الرواية بشكل كامل لوصل رسالته التي يريد. إذا هنالك رسالة وهنالك موهبة تسهم في إيصال الرسالة وهنالك مشاعر قد تحضر وربما تغيب في الشعر او في غيره.. هل هذا التحليل خاطئ وسطحي؟ ربما!
قبل عامين حين زرت البحرين لحضور مهرجان تقيمه هيئة الثقافة هناك كانت أولى مشاهداتي الحية لمحمد عبدالباري في تلك الأمسية التي أقيمت على هامش المهرجانات.. هناك اهتزت تلك الفكرة بداخلي، بِتُ أرقب هذا الشاعر الصامت المبتسم.. اعتلى المسرح بهدوء سلم على الحاضرين، لم يكن يحب الممازحة التي يبتدئ بها البعض على المسرح ليضفوا شيئا من المرح على الجو الصامت، ولم يكن يُفضل لفت الانتباه والابتداء بأي أمرٍ آخر عدا الشعر.
بدأ عبدالباري بنثر الورود المعتقة بالكلمات ومن ثم لم القلوب التي طارت في سماء القاعة جراء تلك المشاعر التي بدت في كل حرف من أحرفه. عندها أيقنت بعدم صوابية تلك الفكرة او على الأقل فإن عبدالباري هو الاستثناء منها حتى الآن، شعرت بأن الاستماع للشاعر يعني الإحساس بمشاعره الصادقة وتلمس جروحه عن قرب، في حين ربما كانت القراءة له تعني التعامل مع النصوص الصامتة وتحريكها في ذهنك –كقارئ- ورسم الصور والمشاعر والأحاسيس كيفما شئت.
السودان التي أنجبت لنا عبدالله الطيب وليلى زكريا ونجم الدين محمد والطيب صالح وروضة الحاج لم تبخل علينا بعد.. فأنجبت لنا محمد عبدالباري الذي ولد في الرياض وتلقى فيها دراسته حتى الثانوية ثم اكمل دراسته الجامعية في الأردن.
قابلت محمد عبدالباري مرة أخرى في هذا العام –مصادفة– في معرض الرياض الدولي للكتاب، سلمت عليه– وكعادته مع من يقابلهم – كان خلوقا ودودا وقبل أن أسأله عن ديوانه الجديد «الأهلة» والذي نحن بصدد الحديث عنه استأذن وذكر لي أنه يود الذهاب لرؤية صديق له في إحدى دور النشر، ذهب وظللت مكاني أتأمله.. بلباسه البسيط وخطواته المتلاحقة وابتسامته الجميلة أخذ يبتعد متجها لدار النشر، لم ينتبه لمحمد أحد، لم يلتم حوله الجمهور، لم يحرسه الأمن –كما جرت العادة مع مشاهير التواصل الإجتماعي- لم يحدث أي شيءٍ من ذلك!
لم تعبأ به فلاشات المصورين.. لم يلتفت أحد للذي قال:
أوشكتُ أصرخُ: يا معلقة
في البرد.. هذا القلبُ فاختبئي
أوشكتُ أخطئ في مغامرةٍ
وأقول: في عينيك مبتدئي
يا ليتني أخطأتُ ليلتها
بعضُ الصوابِ يعيش في الخطأِ
لم يزدحموا حوله لطلب توقيعه أو التصوير معه– وهو لم يسع لذلك مُطلقا ويبدو أنه لا يحبذه– لم يصور أحد هذا الذي قال:
وباسمك يجري بريدُ العزاء
وتجري المراثي
على كل فم
لأنك في الشمس ما لا يُرى
لأنك في الوردِ ما لا يُشم
محمد ليس مجرد شاعر، بل هو أكثر من ذلك حيث طوع اللغة لصالحه ونسج من الفلسفة أفكارا يصعب محاكاتها، يميل في شعره للتصوف الأدبي– إن صحت التسمية– وهو ما كسا شعره شيئا من الروحانية التي تحلق بقارئه، ديوان «الأهلة» هو ثالث دواوين عبدالباري حيث كان ديوانه الاول (مرثية النار الاولى) والذي فاز بجائزة الشارقة للشعر، ديوانه الثاني (كأنك لم) والذي فاز من خلاله بجائزة السنوسي الشعرية لعام 2016.
وفي مراجعةٍ شهيرة للدكتور عدي الحربش على تويتر قال عن الديوان الأخير: إن كنت مثلي تؤمن أن الدهر لا يجود إلا بشاعرٍ أو اثنين في كل عصر، انظر الأهلة وستعلم أن عبدالباري هو الطائر المحكي وأن الآخرين الصدى، ولو كنت شاعرا لكسرت القلم وهجرت الشعر بعده، فالديوان الذي يحتوي على 22 قصيدة 16 منها عامودية و6 تفعيلة، ونوع أنغام قصائده العامودية على 8 بحور خليلية مما يشي بمهارته، حيث إن بعض هذه البحور مهجور لصعوبته كقصيدته البديعة «أشواق الصفة الأخرى».
ويكمل عدي الحربش قراءته للأهلة قائلا: في ديوانيه السابقين جود عبدالباري نوعين من القصائد الأول يتحدث عن الحالة العربية والثاني القصيدة شبه الصوفية والتي قد تأتي أحيانا غرضها دنيويا خالصا.
في حين أن الأهلة كانت مواضيع فلسفية أكثر عمقا كالذات والآخرة وعلاقته بالآخر ودور اللغة بينهما.
ويضيف الحربش: وأخالُ أن عبدالباري أعمل فكره كثيرا في موضوع اللغة والطريقة المثلى للتعبير وقرر أخيرا أنها تلك التي تعتمد على غير المنطوق، فلو كان المعنى المتخمر في ذهته بدرا كاملا لن يستخدم للتعبير غير هلال من اللفظ فقط، وعلى القارئ أن يحدس الوجه الملظم الباقي من القمر، إن الهلال الذي هو بشارة قدوم رمضان هو أيضا بشارة قدوم المعنى والطرف المضيء من الباقي المظلم، إنها طريقة تعتمد على الحدس والإحالة والجمع بين المتناقضات.
هذه المراجعة الشهيرة للحربش استثارتني لأن أعيد قراءة الديوان مرة اخرى، فلم أشعر بأني قرأته سابقا ولم أشعر بأني أقرأ مجرد قصائد.. كنت أتلذذ بما أقرأ، أطربُ بما أسمع.. كُنتُ محلقا معه –حتى هذه اللحظة– فأيقنت أن هذا الشاعر وهذا الديوان استثناء، حيث تبرز ملامح قوته بشكل واضح وتتيقن من شدة تمكنه من أدواته كلما قرأت الأهلة، إضافة الى اللغة الرصينة المتدفقة والعمق الفلسفي الذي يعزز أيضا بصورٍ خيالية مُذهلة!
لم أجد تعبيرا أدق على ديوان عبدالباري الأخير أصدق من تساؤل ماريا في موقع «قوود ريدز» «هو دا بشر زينا، فعلا»؟
أقول لمحمد كما قال هو في إحدى قصائده:
ضاقت بكِ اللغةُ القديمةُ
مثلما
بالمسرحيةِ.. قد يضيقُ المسرحُ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.