بداية: كنت ومازلت من أوائل الذين طالبوا ويطالبون اللواء الشاعر الطائفي عبدالقادر بن عبدالحي كمال بلم شتات قصائده المنشورة في العديد من الصحف والمجلات والملاحق الأدبية وما ألقي منها على منابر الأندية والمؤسسات الثقافية في فترات سابقة ولاحقة -وما أكثرها- في ديوان يحفظها من الضياع والشتات يكون في متناول الجميع (عشاقًا ومتذوقين ودارسين) للخصائص الفنية والوجدانية التي يمتاز بها شعره، وكلما التقيته أو قرأت له قصيدة جديدة أسائله وأذكره أما آن الأوان أن نرى (شعرك المتناثر) في ديوان يلم شتاته ويكون في متناول أيدي عشاقه ومتذوقيه فتكون إجابته الهادئة المصحوبة بابتسامته المعهودة: (قريبًا إن شاء الله). ورغم الموهبة الشعرية التي يختزنها منذ صغره فإنه ممن لا يحب الظهور والركض وراء الشهرة إضافة إلى انشغاله بهموم المياه والالتزام الوظيفي كما قال في مقدمة ديوانه ص (5). صدور أول ديوان: وفي أواخر شهر شعبان من عامنا الحالي 1434 فاجأني بنسخة من ديوانه الجديد المنتظر الموسوم ب(رحيل الشموس) يهديه إلي بخطه الجميل في (72) صفحة من القطع المتوسط في إخراج جميل وطباعه أنيقة وغلاف يليق به (شكلا وصورة) يحتوي على 37 قصيدة من الشعر العمودي المقفى الموزون تتصدره مقدمة شائقة في أسلوبها وفكرتها وهدفها. أسرة الشاعر: أسرة آل كمال من الأسر العريقة المعروفة في مدينة الطائف علمًا وفضلًا ومكانة فوالده فضيلة الشيخ عبدالحي بن حسن كمال تولى قضاء العقيق بمنطقة الباحة وهو أديب وشاعر من مؤلفاته كتاب (الأحاجي والألغاز) وعمه الشيخ محمد سعيد كمال صاحب مكتبة المعارف وهي من أوائل وأكبر المكتبات العلمية والتراثية بالطائف وله مؤلفات عديدة أدبية ودينية وتاريخية وتربوية وتحقيقية أسس مع زملائه نادي الطائف الأدبي عام 1395 وتولى نيابته حتى توفاه الله رحمهما الله رحمة واسعة واسكنهما فسيح جناته وقد ترجمت لهما في كتابي (من أدباء الطائف المعاصرين). نشأة الشاعر: وفي هذه البيئة العلمية والأدبية والثقافية نشأ الشاعر وقد تضلع في علوم اللغة العربية والعلوم الثقافية المعاصر منها والقديم.. إضافة إلى العلوم العسكرية التي اكتسبها ونال شهادتها خلال دراسته في كلية الملك فهد الأمنية وعاصرها خبرة ودراية بعد تخرجه إلى أن تقاعد كمدير عام للمرور بوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية برتبة لواء وقد خدم أمته وقيادته ووطنه بأمانة واخلاص وقدم جهودا رائدة في مجال الأمن والمرور اذا ذكرت شكرت. شاعر وناثر: لم يكن اللواء عبدالقادر عبدالحي كمال شاعرًا فحسب بل كان ناقدًا وباحثًا وقاصًا -أيضًا- كتب ونشر العديد من هذه الأعمال النثرية عبر الصحف والمجلات وله تحت الطبع في مجالها: عاشق الكبريته: مجموعة قصصية. وطيوف ترسمها الحروف: مجموعة مقالات وبحوث أدبية. وقد ترجمت له أيضًا في كتابي من (أدباء الطائف المعاصرين) تذوقي لشعره: تذوقي لشعر الشاعر قديمًا جاء من عدة أوجه: منها أنني أعشق الشعر العربي الأصيل المنبثق من (ديوان العرب) وما يشتمل عليه من خصائص فنية ووجدانية تهتز لها المشاعر وتتفاعل معها الأحاسيس.. وهذه كثيرًا ما أجدها في شعر الشاعر ومما أغبطه عليه حرصه الشديد على سلامة شعره من الشوائب ودقته في علومه (وزنًا وقافية) ولا غرابة في ذلك فهو أحد خريجي (المدرسة الكمالية البارزين في علوم اللغة والدين والتاريخ، ولي معه رفقة إخاء وتبادل مشاعر وقد استحليت قصائده واستشهدت بالعديد منها في قراءاتي ودراساتي الأدبية.. ولم يتوقف هذا الشعور بل يزيد مع مرور الأيام (إعجابًا واستحسانًا) فنفس الشاعر تختزن بداخلها عواطف ووجدانات إنسانية تستهوي القريب والبعيد.. والشاعر ابن بيئته يعيش أفراحها وأتراحها يترجمها بلغة ترتاح لها النفس وتتفاعل معها الأحاسيس. مع بعض نصوص الديوان: إلى زوجتي ومن وفاء الشاعر لعشيرة عمره (زوجته) نراه يوجه لها رسائل مودة من مصايف معلومة في (مدينة الطائف) مدينة الورد والجمال من خلال قصيدة بعنوان (إلى زوجتي) ص (37) يذكرها بالماضي وما تخلله من مودة وذكريات لا تنسى ويؤكد لها صدق حبه ووفائه وصفاء عشرته. مُتِّعْتِ بالخَيْرِ العَمِيمِ وبالتُّقَى وبِنُورِ ما يُتْلَى مِنَ القُرْآنِ وأعادَكِ الّلهُ الكَريمُ لِشَهْرِهِ في مَوْكِبِ النّفَحَاتِ والإيمانِ بِلِباسِ تَقْوَى تَسْتَضِيئِي نُورَهُ ومعَ القَبولِ مَحَبُّةُ الرّحْمَنِ ياأيُّها القَلْبُ.. الوَدودُ تَحَيّةً تَنْسابُ مِنْ قَلْبِي ومِنْ وِجْداني ويعزف اللحن الشجي الأخاذ في غزل عفيف يتسم بالبراءة في وصفه ومراميه من خلال معزوفة (رحيل الشموس) ص (18) التي جعلها عنوانًا لديوانه في فلسفة راقية وشاعرية أخاذة لا يملكها إلا الشعراء الكبار. رحيل الشموس غارت شموسك ما للنور يرتحل؟ ولم تعد همسات الود تتصل واسترسل الليل لا ضوء يبدده أعاقه جحفل أم عاقت السبل؟ والصبح لم يستطع اسفار غرته واستحكم الليل لا ضوء ولا شعل والزهر صوح والأشواح تعصفه وليس ثمة لا طل ولا وشل بعد الحبيب عن المحب حياة يكاد ينعدم فيها الفرح والبهجة والبسمة.. أنه يعيش على الذكرى والحنين الدائم لمن يهواه وفي قصيدة (عيد بلا فرح) ص (42) يفلسف لنا الشاعر كيف يكون الحال والمشاعر في هذا الجانب؟ عيد بلا فرح ليس للعيدِ فرحةٌ في غِيابِكْ فمتى يستبين نورُ هِلالِكْ ؟ أين ذاكَ الإحْساس ينسابُ لُطْفًا ورقيق التّعبيرِ من جوّالِكْ ؟ لستُ آسَى على زمانٍ بهيجٍ وجميل الذّكرَى لذا ولذلكْ غير ذكراكِ يا بهاء حياتي وحنيني وحُرْقتي لاشْتياقِكْ خاتمة: الاسترسال في وصف الشاعر الطائفي اللواء عبدالقادر عبدالحي كمال وعذوبة قصائده لا تتسع لها مساحة المكان فنحن أمام شاعر كبير جمع بين الشاعرية والإبداع.. وما أحسبه إلا من شعراء المملكة المبدعين الكبار.. فحياه الله شاعرًا مجيدًا وأديبًا أريبًا (وأول الغيث قطرة ثم ينهمر).