مع بدء معركة تحرير الموصل، والتي تبدو مفصلية، وحاسمة، وتحقق فيها تقدم ملحوظ لقوات التحالف الدولي على حساب داعش، يبدو الحديث ممكناً عن إرث التنظيم المتطرف، وتركته التي سيخلفها، بعد أن تنتهي المعركة التي لا خيار فيها إلا الانتصار على هذا التنظيم المشوه، والذي ادّعى إقامة دولة إسلامية، وبدأ بتطبيق نموذجه الذي تطور كنتيجة لحاصل جمع كل التطرفات التي تكونت في المنطقة منذ بدء احتلال العراق العام 2003، وله جذور أخرى لزمن أسبق. صحيح أن داعش كان أشبه بزلزال داخل الإسلام المعاصر، ونجح في إثارة الغرب نحوه، وتمكن من فرض شكل جديد من العنف ومن التصور المبني على نصوص تمّ اجتزاؤها وتوظيفها باسم الدين، ولكن في حال الانتصار عليه وتدمير تنظيمه، فإن الأسئلة التي تدور اليوم، ماذا بعد داعش، وماذا عن تركتها، وهل سنشهد ولادة «داعشيات» جديدة؟ وفي التجارب المعاصرة من مواجهة الغرب للتنظيمات المتطرفة امثلة كثيرة أدت إلى حدوث انقسامات وولادة رموز متطرفة جديدة وتنظيمات ذات شكل جديد، لكن المنحى الذي تأخذه أكثر تطرفا ويؤسس على قاعدة مواجهة الغرب الكافر، إذا إن القاسم المشترك مع كل المتطرفين وتنظيماتهم هو نصب العداء مع الغرب، وعلى هذا الأساس عادت هذه التنظيمات أجهزة الحكم في بلدانها واستهدفتها من الخارج باعتبارها موالية للغرب الكافر. فهل سيخلق غياب داعش فرصة لنمو تطرف جديد؟ وهل من خطة للحلول في الفراغ المتشكل، وكيف سيتعامل الغرب مع الوضع الجديد، وهل تمثل دعوة رئيس وزراء فرنسا «جون إف لودريا» للاجتماع مع الدول الأعضاء في تحالف الحرب على داعش يوم 25 الشهر الجاري لأجل مناقشة مرحلة ما بعد الهجوم، محاولة للحلول في المنطقة إثر التوغل الروسي في سوريا، ولفرنسا تاريخياً رغائب عديدة في الموصل، أم أنها محاولة لقراءة الموقف الجديد والذي لم يقل الخبراء إنه سيحسم سريعاً. على الأغلب فإن معركة الموصل، لن تنتهي بسرعة وبسهولة وهو ما أفاد به قائد قوات التحالف الدولي «ستيفن تاونسند»، ولكنها مواجهة ستخلق وضعاً جديداً في العراق، وستفرض أثرها على الحكومة العراقية التي تواجه ضغوطاً نتيجة تصارع القوى السياسية التي تواجه حكومة العبادي في أكثر من ملف، كما أن للأكراد آمالا وطموحات تؤيدها فرنسا، لكنها تواجه صداً روسياوإيرانياً وتركياً. وعلى الأرض يتواجد الأكراد كمنافس ومحاربين أشداء، ولن يقبل الأكراد أن تكون المكافأة بعد الحرب أقل من تفويضهم بمناطق جديدة أو تحسين شروطهم لمسألة الاستقلال مستقبلاً. إن النظرة الأولى للمعركة والتي حققت فيها القوات المشتركة تقدماً عبر محاور سبعة، وسيطرت خلالها على مجموعة من القرى التابعة لسيطرة داعش، لا توحي بفصل سريع للمعركة، كما أن توقع الحكومة العراقية بأن تعلن داعش الانسحاب من الموصل مع بدء المعركة بعد أن تدمر مرافق مهمة، أمر لم يحدث. بيد أن التوقع يبدو مبكراً في الشكل النهائي للمعركة ومداها الزمني، مع أن شروط نجاحها متوافرة لقوات التحالف، فالتنظيم المتطرف بات في حالة تراجع مؤخراً، وبدا تدفق خطابه الإعلامي في حالة تراجع، وفقد العديد من قياداته، فمن المرجح انهياره لكن ليس بشكل سريع. إلا أن السؤال عن مصير تركة داعش، لا يمر دون التفكير بالقوى المحاربة لها، ووزنها على الأرض، والتي لا تملك الحكومة العراقية فيها إلا تغطية العملية بقرار البدء للحرب، وهو ما انجز، فالقوى الممثلة للحرب لا تخضع لها، وأوسعها الحشد الشعبي المدعوم إيرانياً، وهناك الجيش العراقي وفصائله المختلفة، والقوى الغربية المختلفة، وعلى الأرض تتواجد قواد البيشمركه الكردية كمنافسين ومحاربين أشداء وقد حققوا نجاحات كبيرة وتلقوا دعماً وتدريبا جيداً. ويبدو السؤال عن وضع المقاتلين السنة هو الأهم، فهل يتكرر بهم المشهد الذي حدث بعد طردهم لجماعة الزرقاوي وانتهوا بعد ذلك في براثن حكومة المالكي التي همشتهم وأقصتهم عن العملية السياسية والتنموية؟. الموصل مدينة ذات رمزية للسنة في العراق، وهي تمثل أحد أهم مدن العراق الذي لم ينجح في تأسيس حكومة مركزية قوية تحكم مصائر البلد، بقدر ما توالت عليه النكبات السياسية التي عنوانها الفساد وهدم مفهوم الدولة، وهيمنة إيران على مصائره، لذلك ستكون المرحلة القادمة، بعد معركة الموصل، أكثر صعوبة على الحكومة العراقية والتي سترث مدينة مدمرة وأكثر من مليون لاجئ وقوى محلية وإقليمة وغربية تتصارع على النفوذ فيه.