حملت «رؤية المملكة 2030» بين طياتها إشارات ودلائل تبشر بتغيير شامل لطريقة التفكير الإداري للحكومة السعودية وللسياسة الاقتصادية وذلك من أجل مستقبل أفضل، وبسبب أن خطة «رؤية المملكة 2030» اقتصادية أساسا، فقد خلت من التطرق للحديث بشكل مباشر عن الرؤية لمستقبل السياسة الخارجية، والتي هي انعكاس للسياسات الداخلية ولعله من المعلوم بالضرورة أن منطقة الشرق الأوسط تعيش مرحلة حرجة وتمر بتغييرات سريعة وخطيرة تحتاج لعمل سياسي مستمر، فالخارج يؤثر على الداخل والعكس، ولذا فإن الحاجة ماسة لإعلان خطوط عامة لرؤية جديدة تعكس التحول الجذري والذي حدث للسياسة الخارجية السعودية منذ يناير 2015، وهو ما يفرض على الدبلوماسية السعودية تنفيذ إستراتيجية جديدة لمواجهة التهديدات الجديدة والتعامل مع الأجندات التي تتم في المنطقة، وهنا يجب أن يكون جميع الدبلوماسيين وحتى بعض الإداريين - وليس السفراء فقط - على دراية بالتفاصيل السياسية والتي يتم تنفيذها خارجيا. تُعاني جميع وزارات الخارجية العريقة آثار البيروقراطية والتى تقف عائقا أمام الجهاز الدبلوماسي لتنفيذ رؤية السياسة الخارجية وتعزيز قدرتها التنافسية، ولعل من أهم ما قاله الأمير محمد بن سلمان في لقائه مع قناة العربية هو «نحن أعداء البيروقراطية السلبية. ومعنى البيروقراطية تنظيم العمل. نحن نريد بيروقراطية سريعة تساعد على اتخاذ القرار وتنجز القرار في الوقت المناسب». أبرز التحديات أمام الدبلوماسية السعودية هو إعادة تحديد الرؤية بناء على المتغيرات الكثيرة والمستجدة، ويمكن القول: إنه يوجد حاجة لتعزيز وتوضيح الرؤية لدى الكثير من السفراء والدبلوماسيين، والتى تخضع أحيانا لخبرة الدبلوماسي او ثقافته الذاتية أو حتى قوته داخل الوزارة أو الدولة، والحاجة أمس الآن بسبب الهجمة الشرسة على المملكة وكثرة الخصوم المتربصين وحدوث تغييرات أساسية، وكمثال التحول الجذري في العلاقة ضد إيران ومواجهة مشروعها بشكل مُعلن والتحول الجديد في العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. التغيير الذي حصل في وزارة الخارجية يوم السبت الماضي كان هاما ومؤثرا وأساسيا حيث تم إعفاء أقدم البيروقراطيين في وزارة سيادية كالخارجية، وهذه التغييرات ستضمن لفريق الوزير الجبير الجديد في الوزارة سرعة تنفيذ «الهيكل التنظيمي الجديد لوزارة الخارجية» والذي وحسب الخطة المقررة له سيمكن الوزارة من تحقيق التوقعات المأمولة عبر تحسين الأداء ورفع الإنتاجية وزيادة الكفاءة، ولعل الملف الأهم أمام الوزير هو ملف تعيين سفراء جدد يخصصون جل وقتهم للعمل الدبلوماسي ويتماهون مع ضرورات المرحلة الحالية، كما أن الوزير محتاج لمراجعة توزيع الصلاحيات في العمل الدبلوماسي ليشمل كافة الدبلوماسيين وليس تركيزها فقط بيد السفير. معالي الوزير يعلم أن كثيرا من السفراء والدبلوماسيين ينشغلون بجد في موسمى الحج والعمرة وخاصة في الدول الإسلامية الكبرى لدرجة التأثير على العمل الدبلوماسي الأساسي وإعاقته أحيانا، ولو كان هناك أمنية لتمنيت فصل تأشيرات الحج والعمرة عن القنصليات داخل السفارات، خاصة أن المهمة ستتضاعف في المستقبل القريب لأن من ضمن أهداف رؤية 2030 «مضاعفة أعداد المعتمرين وفتح الباب امام السياحة الاجنبية». وأخيرا: معالي الوزير الجبير يؤدى عملا جبارا ومن يتابع الأخبار اليومية سيكتشف أنه أصبح يقضي غالب وقته للعمل فقط، حيث يمضي وقته ما بين الطائرة والفنادق خارج السعودية، ولكن يظل معاليه بشرا، ويحتاج فريقا جديدا من المساعدين لتخفيف العبء عنه، مع منح هذا الفريق الحد المطلوب من الثقة والصلاحيات اللازمة لتنفيذ مهامهم بنجاح.. والله ولي التوفيق.