في موجة قرارات سياسية، هي الثالثة خلال أقل من 100 يوم بعد تولي الملك سلمان المُلك، أصدر -حفظه الله -فجر يوم الأربعاء الماضي خمسة وعشرين أمراً ملكياً تُعتبر هي الأهم والأكثر تأثيراً لتقرير مستقبل الحكم السعودي، وكان منها إعفاء وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل من منصبه لظروفه الصحية وتعيينه وزير دولة عضو مجلس الوزراء ومستشارا ومبعوثا خاصا للملك ومشرفاً على الشؤون الخارجية، وتعيين السفير بواشنطن عادل الجبير كوزير خارجية جديد، ولعل هذا القرار لم يكن مُفاجئاً نظراً للحالة الصحية الصعبة لعميد الدبلوماسية العالمية والتي وصفها هو أنها تشبه وضع الأمة العربية الصعب كما أن تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي ولي العهد ووزير الداخلية في 29 يناير 2015م وورود نص «لوزير الخارجية أن ينيب عنه من يراه من منسوبي الوزارة لحضور جلسات المجلس على أن يكون بمرتبة وزير» دليل واضح على أن هناك تغييراً في آلية صنع القرار في السياسة الخارجية السعودية تضمن أكبر قدر ممكن من التنسيق بين الوزارات السيادية ومنها وزارة الخارجية تحت إدارة وإشراف ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف والذي أصبح ولياً للعهد يوم الأربعاء الماضي. هناك تحديات جسيمة وكبيرة أمام وزير الخارجية الجديد أهمها التحول الكبير في الدور السعودي عالمياً وإقليمياً وعودة المملكة بقوة لقيادة الخليج والمنطقة لمواجهة التحديات المصيرية، ولعل عاصفة الحزم هي أحد نماذج هذا التحول وهذا يفرض على وزارة الخارجية أن تعمل وفق آلية ومنهجية جديدة تتواءم مع النفس الجديد القائم على المبادرة والحسم والوضوح، ولذا لابد من المحافظة على المكتسبات الجديدة والتي حصدتها المملكة بفضل عاصفة الحزم. أمام وزير الخارجية الجديد تحدي تحويل دور وعمل السفارات من مجرد مُنسقين رسميين مع وزارات الخارجية والحكومات المُمثلين لديها إلى التواصل المباشر مع النخب والشعوب وبناء علاقات صداقة وثقة وحشد جهودهم لصالح المملكة سواء وقت الرخاء أو الشدة ولعل ما حصل في باكستان أثناء التصويت في البرلمان -قبل اسابيع - دليل واضح على أهمية وفاعلية الدبلوماسية غير الرسمية والذي يحضر ويشارك في المؤتمرات الدولية ذات الطابع السياسي والأكاديمي يُلاحظ غياب أو شبه غياب المشاركة الفاعلة للدبلوماسيين السعوديين، وهنا قد لا يكون المُلام الدبلوماسيين أنفسهم بقدر ما هو طبيعة البيروقراطية وطبيعة التعليمات وانفراد السفراء غالباً بجميع القرارات داخل السفارة وهدوء السفارات في حالة غيابهم أو تمتعهم باجازاتهم. الدبلوماسية السعودية مرت بمرحلة ترهل إداري وهي الآن بحاجة ماسة وعاجلة لترتيب الأولويات في ظل الظروف المستجدة ومزج جديد بين الدبلوماسية الشعبية والرسمية، على أن يكون هناك تواصل وتنسيق مستمر بينهما، ويفترض تكثيف وفود الدبلوماسية الشعبية فتجارب الدول الأخرى تؤكد أن الدبلوماسية الشعبية غالباً ما تنجح حيث تفشل الدبلوماسية التقليدية. الدبلوماسية السعودية بحاجة لعاصفة حزم يكون هدفها كسب دعم وتعاطف الشعوب مع ابقاء التواصل قوياً مع الحكومات، وهنا يفترض الاستفادة من طاقات آلاف السعوديين الذين يتحركون وينشطون لخدمة وطنهم عبر البحار، وهم لا يتعاملون مع خدمة المملكة من باب أن ذلك وظيفة أو مهمة مطلوب منهم اتمامها، بل يتعاملون معها باعتبارها دولتهم، ووطنهم الذى يحتاج إلى جهد كل سعودي مخلص، وجميعهم تقريباً لا ينتظرون دعما من أحد وما يحتاجونه هو الاستفادة من علاقاتهم ونشاطاتهم. الثقة الكبيرة التي حصل عليها معالي عادل الجبير تُقابلها تحديات إدارية وسياسية كبيرة وهو أخبر بعمل الدبلوماسية، وبعد تسنمه قيادة الوزارة فسينتظر منه الكثير من القرارات التي تُسرع أداء الدبلوماسية السعودية ومنها تقديم الكفاءة والمهنية على أية اعتبارات أخرى وضمان جعل الدبلوماسية السعودية أكثر نشاطا وفاعلية وفائدة وتأثيرا. *محلل سياسي