تستطيع أن تدرك قيمتك الحقيقية في حياتك عندما تنظر إلى مدى اهتمامك بمن حولك، فقيمتك بقدر اهتمامك بالآخرين، لذلك نستشعر هذه القيمة عندما نفتقد من يهتم بنا. (وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ) كما قال شاعرنا أبو فراس الحمداني. إن الاهتمام (Interest Caring) كلمة ثرية بمعانيها تشير إلى الانتباه والاعتناء والاكتراث، وهو يشمل العناية بالناس سواء من الجانب المادي أو الإيماني أو النفسي أو الاجتماعي أو الإغاثي، والسعي في حل مشاكلهم. والاهتمام بالناس أهم المفاتيح لبناء علاقات ناجحة في محيط حياتنا، وهو يخلصنا من الأنانية والاهتمام المفرط بالذات، ويمنحنا الشعور بالأمان والثقة، وأعظم من ذلك ننال به حب الله تعالى ومثوبته، وتأمل بعناية قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا وأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد..) صحيح الجامع. أتدري ما أولي المواقع التي ينبغي أن تكون لها الأولوية في الاهتمام؟ إنها بيوتنا، إلا أن المشاهد عكس ذلك في كثير منها، إذ قد يصل الإهمال إلى حد الحرمان، وتجد ذلك في برود المشاعر بين الزوجين، وضعف الاهتمام والدفء العاطفي بالأطفال على الرغم من كثرة الإغداق عليهم بالنقود أو العطايا. أما في العمل فقصة أخرى يظهر فيها اهتمام الموظف بالجمهور أو عدم اكتراثه بهم، وفارق كبير بين الموظف الذي يهتم براحة الجمهور وإنجاز معاملاتهم دون تأخير، وبين الموظف الذي يماطلهم، ويفتعل العقبات في طريق قضاء مصالحهم. وفي الدعوة مجال واسع للاهتمام بالناس ومساعدتهم على معالجة خطاياهم وإرشادهم إلى الاستقامة، ويكفي أن الإسلام أعلن على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن «الدِّين النَّصِيحَة»، قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». والدعوة ليست مجرد كلمات تلقى من على المنابر فحسب، بل هي حضور مع الناس وصحبتهم ومواساة لمعاناتهم، ويصف عثمان رضي الله عنه ذلك بقوله: «إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير». وعندما يرتقي نطاق الاهتمام إلى مستوى الأمة فنحن أمام مواقف مؤلمة يتعرض لها أشقاؤنا بلغ مداها في سوريا وأشدها إيلاما ما حدث ويحدث في حلب من قصف وقتل وجرائم يندى لها جبين الإنسانية. والاهتمام هنا لا يكفي فيه مجرد التألم والأسى وسكب الدموع، ولكن بالسعي إلى المساندة الحكومية والشعبية وتقديم العون لضحايا العدوان مع الدعاء لهم بأن يفرج كربتهم وينصرهم على أعدائهم. ويشتهر على الالسنة حديث «مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» رواه الحاكم والطبراني، والحديث صحيح المعنى بلا شك، لكن في سنده ضعف. وعلى المستوي الإنساني يقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين: (خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر) صحيح الجامع. والمهم أن نتحرك من دائرة الاهتمام إلى دائرة التأثير (بتعبير ستيفن ر. كوفي Stephen R. Covey في العادات السبع) أي يتحول الاهتمام إلى خطوات إيجابية فيما نقدر عليه من أقوال وأفعال ومنها: 1 - التحية الودية، والمصافحة تضيف مزيدا من الشعور بالاهتمام. 2- مناداتك الشخص باسمه يعنى اهتمامك به مما يساعد على تعزيز العلاقة بينك وبينه. 3 - الإصغاء باهتمام: والإصغاء شكل من أشكال الاهتمام. وقلما نصغي للمتحدث دون مقاطعة مستمرة، ومن الناس من لا يحتاج أكثر من شخص يصغي لهمومهم. 4 - التواصل للاطمئنان، جرّبه فله أثر رائع في النفوس، وغالبية الناس تتصل لمصلحة أو حاجة شخصية. 5 - السعي في مساعدة الناس على حل مشكلاتهم، سواء من أهلنا أو جيراننا أو زملاء العمل أو رفقاء الطريق، وقد سنّ النبي صلى الله عليه وسلم المبادرة في الاستفسار عن حاجة الناس، خصوصا الضعفاء منهم إذ أنه (كان مما يقوله للخادم: ألك حاجة؟) رواه أحمد، والخدم فئة اجتماعية لا يهتم كثيرون باحتياجاتهم. وأتساءل! كيف تكون الحياة الإنسانية دون عطف واهتمام وتعاون متبادل؟ الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم.