تتعزز علاقاتنا الاستراتيجية مع الهند يوما بيوم، فهي تعيد إنتاج حقائق تاريخية عندما كانت آسيا والهند وجهة التجار المسلمين، وعندما كان طريق الحرير يعتبر مرتكز العلاقات الحضارية والتجارية في ذلك الوقت، والهند ليست بعيدة، فنحن والهنود شركاء في كثير من القضايا، ولعل زيارة موضوعية للتاريخ تجدنا متواجدين في صلب التاريخ الهندي مسلمين وعربا، وتفاعلات حضارية وإنسانية، ومع تزايد حجم التطورات التقنية، أصبحت المسافات قريبة، والانفتاح أكبر من السابق، وأصبحت الشرايين متداخلة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وأمنيا، وعليه، فان العلاقات مع الهند تتطور وتتعزز، لا بل أصبحت ضرورة استراتيجية لنا في المملكة ودول الخليج. الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي «مودي» إلى الرياض، واللقاءات التي تمت مع خادم الحرمين، ومع ولي العهد وولي ولي العهد، تعكس جانبا من حجم العلاقات التي تتطور بشكل متسارع كل يوم، والانطباعات العامة لهذه الزيارة كانت ايجابية جدا وعلى أكثر من صعيد، عكست تفهما وادراكا سياسيا لحتمية العلاقات الاستراتيجية، وضرورات التنسيق السياسي والأمني والاقتصادي. الهند شريك إستراتيجي في الطاقة، ونحن شركاء مع الهنود في الغذاء والتقنية والأمن، ولهذا كان موضوع أمن الطاقة واحدا من بين الأمور الرئيسة التي تشغل اهتمامات الهنود، وفي ذات الوقت، فان لدى الهنود تجربة مميزة مع المملكة فيما يتعلق بادامة الطاقة وأيضا في الجوانب المالية، فقد تعرضت الهند لضغوط من دول إقليمية لسداد فواتير النفط في لحظات حرجة، بينما كانت التعاملات مع المملكة تجري بتفاهم واضح، وبما يخدم العلاقة ما بين البلدين، كما أن الهند معنية بالأمن والاستقرار الاقليمي لأسباب متعلقة بالنفط والتجارة البينية، وأيضا هي متخوفة من التداعيات الأمنية للإرهاب، رغم ان بعض التحقيقات تفيد بأن دولا اقليمية ومنظمات هندية تحاول للأسف توريط الأقلية الهندية المسلمة بعلاقة مع التنظيمات الارهابية، اعتمادا على أن لحكومة رئيس الوزراء الهندي «مودي» موقفا سلبيا من المسلمين الهنود. في السنوات الأخيرة كانت البعثة الدبلوماسية الهندية نشيطة جدا، وكان السفراء من خيرة السفراء الذين خدموا العلاقة المتطورة ما بين البلدين، والسفير الهندي الجديد أحمد جاويد، شخصية هندية لها مكانتها ودورها في الأمن الهندي عندما شغل مسؤولا في قطاع الأمن في مومباي، وهو شخصية نزيهة كما تدلل على ذلك سيرته الذاتية، وسعى بقوة إلى فتح آفاق جديدة في العلاقة ما بين المملكة والهند، اضافة إلى الدكتور حفظ الرحمن، وهو من الخبراء في الشأن السعودي، فأطروحته للدكتوراة عن «البعد الاجتماعي والسياسي في الرواية السعودية» وقد طبعت عن دار جداول، وقد عمل سابقا في تونس وعاد للرياض ثانية، ويملك علاقات متنوعة مع الوسط السعودي، بحكم امتلاكه صهوة اللغة العربية. ما يتوجب علينا أن نسعى نحن باتجاه الهند، وان نعيد استراتيجية الاتصال الثقافي وتعزيز حضور القوة الناعمة بين البلدين، فلدى الهند مركز للعلاقات الثقافية والخارجية، ولديهم جامعات وشخصيات إسلامية لها وزنها ومكانتها، ليس أقلهم ابو الحسن الندوي «يرحمه الله» وسلسلة كتاباته النوعية حول الإسلام والعرب والحضارة والمملكة، فالروابط كثيرة وعديدة، والهند لم تعد كما السابق، فهي تسابق الخطى نحو العلا والذرى كما يقال، وهي في تطور مستمر وفيها تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة، وعلينا أن نعيد بناء شبكة العلاقات تلك مع الهند تعزيزا لمبدأ الشراكة التاريخية والاستراتيجية. سعادة السفير الهندي في الرياض أحمد جاويد، شخصية دينامية، وهو شخصية مباشرة وغير بيروقراطية ومنفتح على الجميع، والهنود بطبعهم العام أكثر تسامحا، وهم يقدرون اليوم وباهتمام أهمية العلاقة بين بلدهم والمملكة، واعتقد أن ايجاد لجان ومؤتمرات تعريف بالهند والمملكة والمصالح المشتركة، وتجسير وتعبيد الطريق بين البلدين، يحتاج قدرا من الاهتمام، فالهند قارة ضخمة، وفيها مناطق سياحية متميزة، وفيها تطور في العلوم الطبية، والجامعات التقنية، واعتقد ان عهد الاستثمارات المشتركة ما بين البلدين سيكون له دوره في احداث نقلة كبيرة في العلاقات بين المملكة والهند. الهند ليست مجرد عمالة وافدة فقط، وليست توابل وفلفلا وبهارات، وانما الهند حضارة عريقة لنا فيها نصيب، وان من واجبنا أن نفتح آفاقا حضارية جديدة مع الهند اعتمادا على هذه الأصول، فالبيان الختامي لزيارة الرئيس الهندي «مودي» ركز على هذه الوشائج، ولكن علينا أن نبدأ فعلا، بانشاء اللجنة السعودية الهندية للعلاقات الثقافية، والتي سيكون لها دور مرموق في تعزيز لغة الاتصال الحضاري والإنساني والعلمي والمعرفي والفكري، فاليوم تتبارى دور النشر العربية في ترجمة الآثار العربية والإسلامية في الهند وللهند، وأيضا المؤلفات في السياسة والأدب والفنون والتاريخ، وقد ألف السفير الأسبق للهند في المملكة الدكتور تلميذ أحمد العديد من المؤلفات المهمة والتي ترجمت وطبعت مؤخرا، ونتمنى أن يصار إلى أن تقوم هذه اللجنة باعتماد سنوي لعشرة كتب عربية وهندية لترجمتها لتعزيز العلاقات الثقافية، وان تتم عمليات التبادل الثقافي والسياحي والتعليمي وفقا لرؤية وخطة يجري اعتمادها بهدف تطوير وتعزيز العلاقات الاستراتيجية. لدينا رصيد تاريخي كبير في الهند، ولدينا حضور، وعلينا أن نعيد بناء الصورة الايجابية للمملكة في الهند، ففي عام 2011 استمعنا لسرد ايجابي وتاريخي عن العلاقات الهندية السعودية والهندية ودول الخليج، من الوزير سلمان خورشيد، ومن بعض مضيفينا في دلهي وحيدر اباد، عكست نوعا من الوشائج والروابط بين بلدينا، كما أن أحد الساسة وكبار البرلمانيين الهنود، اطلعنا على جانب مضيء من تاريخ علاقاته مع المملكة امتد من فترة حكم الملك فيصل ،يرحمه الله، وكان يؤكد على أن للمملكة مكانة خاصة لدى الهنود. والهند تاريخ من الوحدة والتجانس والتسامح الوطني، وتاريخ من أجل الاستقلال الوطني، ومدارس في السياسة وفي الصراع مع الاستعمار الأجنبي، ولعل السير الذاتية لغاندي وجواهر لال نهرو، ولانديرا غاندي، من عمالقة السياسة والحكم، مستودعات خبرة لكل طالب أو باحث في العلوم السياسية، وقد استضفت في جامعة جواهر لال نهرو، والجامعة الملية الإسلامية التي تتوسط دلهي، ووجدنا ان هناك امكانية لتعاون وتبادل ثقافي كبير بيننا، خاصة أن القيادة السعودية كانت تحرص دائما في الزيارات الرسمية على زيارة هذه الجامعة العريقة.