السنون تمضي، والعمر ينقضي ويزول، وصندوق الإنجازات خال، ولاتزال سفينة الأحلام تشق عباب البحر والأمواج تأخذها يميناً وشمالاً، وهي تصارع من أجل البقاء على متن الموج المتقلب، كي تصل إلى وجهتها المرجوة، يأخذها المد الغاضب إلى شاطئ الظلام، فإذا بجزر أشد غضباً، فيعود بها حيث كانت. رحلة شاقة، والأشق من ذلك هو انتظار النهاية .. من سيكون الأقوى؟ مد طارد أم جزر جاذب؟! والأهم من ذلك، ألا تكون قوتهما متساوية، قد تكون النهاية مرة، غير أن انتظارها أدهى وأمر، والتذبذب بين شيئين يفتح نافذة للعذاب. ولاتزال تسير في مياه البحر الذي لم تعد لآلئه ودرره ومرجانه التي كنت أراها في قيعانه كالنجوم تجذب انتباهي، ولا تستهوي قلبي المتعب المكلوم، ولا أسماكه وحيتانه بأنواعها وألوانها المختلفة وهي تسبح بأمان في مياهه المخيفة، تشعرني بالأمان والطمع في اصطيادها كسابق عهدي. البحر من تحت أقدامي، والسماء من فوق رأسي، أشعر بسماءين؛ إحداهما أقرب من الأخرى، يلتهمني الخوف من سمائي القريبة، وأرى الأمان في تلك البعيدة. رحلة منذ الصغر.. على متن سفينة الأماني والأحلام، رحلت معها براءة الطفولة، وتكسرت فيها طاقة الشباب، واقترب المشيب يحث الخُطى على عجل، والرحلة لم تصل بعد.. هل يا ترى سيكون موعد الوصول حينما تكون العصا رفيقة الدرب؟ أم لا محطة للوصول أصلًا؟! أردت أن أنشد أبيات زهير فأخطأت، غير أنني أصبت قائلاً: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش // سنيناً على متن السفينة يسأم إنها سفينة الأحلام البائدة، والأماني المتناثرة، ولاتزال تسير.. وتسير.. وتسير، بل تسيرها الأمواج المتتالية، تقترب من الوصول إلى خط النهاية، وسرعان ما تعود إلى نقطة البداية.