المأزق الذي وجدت فيه الولاياتالمتحدة نفسها؛ جرّاء الإذعان لمخاوفها من تكرار تجربة العراق في حال سقوط نظام بشار الأسد، وما صاحب هذه المخاوف من سياسات مرتبكة توقفت فقط عند ذلك النصر المجازي الذي حققته بتجريد النظام السوري من أسلحته الكيماوية، بعد واقعة ضرب المدنيين في الغوطة بغاز السارين في أغسطس 2013م، والمتمثل في اقتراب الأسطول السادس من الشواطىء السورية في شرق المتوسط، ومن ثم عودة الأمور إلى سابق عهدها بمجرد أن أذعن النظام وفق التوصية الروسية للتخلص من بعض أسلحة الدمار الشامل لديه، الأمر الذي أتاح الفرصة كاملة للإيرانيين والروس لاحقا لفرض إرادتهم، وجرّ القضية السورية إلى مسارات لم تكن في وارد أحلام الرئيس السوري نفسه منذ اندلاع الأزمة، والذي كان يحلم ويردد أنه يواجه عصابات إرهابية مسلحة، رغم أن العالم حينها ما كان يشاهد على الأرض سوى الطفل حمزة الخطيب وأقرانه، قبل أن يتعهّد النظام ببناء داعش ليسوق ذلك الوهم بحقيقة من صنع يديه، ولتصبح الساحة متاحة للروسي الذي استفاد من تردد الأمريكي ليهب باتجاه الأرض السورية تحت ذريعة محاربة داعش، في الوقت الذي تقوم فيه طائراته الحربية بقصف مواقع الجيش الحر وفصائل المقاومة، وتؤمن الغطاء الجوي لقوات النظام؛ لاسترداد الأراضي التي كانت بيد المقاومة السورية. المملكة التي وعت هذه الحقيقة مبكرا، وسعتْ مع دول الخليج ودول أصدقاء سوريا للتنبيه على مخاطر الانسياق مع رواية النظام ومكائده، وحثت القوى العظمى على لعب دورها في الأزمة السورية بعيدا عن الحلول المنفردة، حتى لا يكون الاحتكام إلى منطق المصالح الفردية، ولعبة بسط النفوذ، حماية للشعب السوري والدولة السورية من مخاطر التقسيم؛ ظلت على موقفها هذا دون أن تغلق أي باب للحل السلمي؛ لأن هدفها النهائي أن يصل الشعب السوري إلى حقه الطبيعي في اختيار نظامه، لا أن يفرض عليه النظام بقوة السلاح سواء من روسيا أو إيران، وهو ما يحدث الآن حيث أصبحت روسيا هي اللاعب الرئيس في الأزمة السورية؛ ما دفع الأمريكان للتلويح بالخطة «ب» رغم تعقيدات الأزمة، وتشابك قواعد اللعبة، خاصة بعد التصعيد باتجاه حلب، وارتفاع أعداد النازحين من القصف الروسي، وهو ما يهدد أول ما يهدد القارة الأوروبية بتدفق المزيد من اللاجئين الهاربين من نيران النزاع. لذلك، حينما أعلنت المملكة عن استعدادها التام للمشاركة بقوات خاصة لمحاربة داعش، فإنها لا بد وأن تكون قد دفعت الولاياتالمتحدة للحديث عن الخطة «ب»، في إطار سعيها لتجنيب الشعب السوري المزيد من الدمارات، وبالتالي سد الذرائع أمام تلك القوات الأجنبية التي باتت تتكاثر كالفطر على الأرض السورية، تحت غطاء حصان طروادة الجديد (محاربة داعش). لأن أي تأخير إضافي وتأجيل التدخل معناه الذهاب إلى تأزيم أكبر، لا يعلم سوى الله مداه ومخاطره على سوريا وعلى المنطقة بأسرها.