استكمالاً للمقال السابق، والذي تحدثنا فيه عن أهمية الخصخصة في الخدمات، ودورها في إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، تعد سياسة إحلال الواردات أحد المفاتيح الإيجابية، والتي تساعد في خلق اقتصاد منتج، وأكثر صموداً أمام العقبات المستقلبية. يمكننا تلخيص سياسة إحلال الواردات بأنها سياسة تهدف إلى إنشاء صناعات وطنية قادرة على إيقاف أو تقليل السلع المستوردة لصالحها. ويزعم أحد الباحثين الاقتصاديين أن سياسة إحلال الواردات في المملكة قد تم تطبيقها على السلع ذات الطابع الاستهلاكي فقط، (مثل السلع البلاستيكية واللدائن)، وأن هذا التطبيق بحد ذاته يعد سلبياً لقلة منفعته الاقتصادية، وهذا ما أختلف فيه مع هذا الباحث. لضمان نجاح سياسة إحلال الواردات، يجب أن تمر بعدة مراحل، أولها أن يبدأ الإحلال في السلع البسيطة ذات الطابع الاستهلاكي كالمواد الغذائية والملابس وغيرها. بعد هذه المرحلة، والتي يصل فيها الانتاج المحلي إلى مرحلة التشبع ووجود فوائض في الانتاج يتطلب تصدير هذه الفوائض، تبدأ الدولة بتطبيق سياسة الإحلال في السلع الرأسمالية والانتاجية، كالآلات والمعدات والسيارات وغيرها. عند تطبيق سياسة الإحلال بشكل مرحلي، سيعطي ذلك الصناعات المحلية وقتاً زمنيا للنضوج والقدرة على مجابهة تلك الصناعات المستوردة. ويشير الكثير من الباحثين الاقتصاديين أيضاً إلى أن لجوء الدول النامية لسياسة إحلال الواردات قد تكون سلبية بحسب السيناريوهات التي تعرضت لها بعض الدول المطبقة لهذه السياسة. وتتمحور سلبية إحلال الواردات حول عدم قدرة الصناعات المحلية على تجاوز مرحلة إنتاج السلع الاستهلاكية إلى السلع الرأسمالية.. فعند توقف الصناعات على السلع الاستهلاكية فقط، سينتج عنه ارتفاع في السلع الرأسمالية (الأساسية) المستوردة، والتي يتم استخدامها في إنتاج هذه السلع الاستهلاكية، مما يعني تدهوراً في ميزان الواردات بسبب تفاقم الطلب على السلع الأساسية المستخدمة في صناعة السلع الاستهلاكية. ويمكننا تجنب هذه الإشكالية، وذلك لأن الاقتصاد السعودي يتمتع بوفرة في السلع الأساسية كالبترول والبتروكيماويات والمعادن والاسمنت وغيرها، مما يعني لجوء الصناعات المحلية الى الاكتفاء بالسلع الأساسية المتوفرة في الداخل لسد الحاجة في صناعة السلع الاستهلاكية. وعند تطبيق سياسة إحلال الواردات، ستبدأ المشاريع الناشئة في التكوُّن لتنافس السلع المستوردة، وذلك إما عن طريق رؤوس الأموال المحلية، أو من خلال قنوات الدعم والإقراض الحكومية، والمتمثلة في صندوق التنمية الصناعية. كنتيجة لكون رؤوس الاموال المشغلة لهذه الصناعات محلية، سينتج ضخ أكبر للنقود المحلية، وأسعار صرف أقوى للريال السعودي مقابل العملات الأجنبية، بسبب الإحجام عن شراء السلع المستوردة. وسيؤدي الإحلال بالضرورة إلى زيادة حجم الاستثمار كنتيجة طبيعية لتطبيق سياسة إحلال الواردات، مما ينعكس على نجاح هذه الصناعات المحلية في خلق الوظائف، والذي يعني بالضرورة انخفاض معدلات البطالة. وهناك عدة وسائل يجب على المملكة اتباعها وتنفيذها لإنجاح سياسة إحلال الواردات، ومن أهمها حماية هذه الصناعات المحلية الناشئة التي ستحل محل الواردات، وذلك بفرض ضرائب جمركية على السلع المستوردة التي يوجد مثيل محلي لها، فبالتالي تستفيد الدولة من مدخول هذه الضرائب، ويستفيد المنتج المحلي من ارتفاع سعر السلعة المستوردة، مما يعني زيادة فرص البيع لديه. بالمقابل، يجب أن تقوم الدولة بتخفيض الضرائب الجمركية على السلع الرأسمالية المستوردة كالآلات والمعدات، وذلك لتشجيع المنتج المحلي على الاستيراد وتوسيع خطوط الإنتاج المحلية لتصل مرحلة الاكتفاء والنضوج، واللجوء من بعدها إلى التصدير. ويجدر بنا الإشارة إلى أنه يجب ألا تستمر الضريبة الجمركية على نفس الوتيرة، بل يجب أن تنخفض تدريجياً مع نضوج الصناعات المحلية، وذلك لتجنب خلق احتكارات محلية تقوم برفع الأسعار لتكون مقاربة للسلع المستوردة وبجودة اقل، ويكون هذا الدور مناطاً بالدولة متمثلة بوزارة التجارة والصناعة. ويمكننا اعتبار سياسة إحلال الواردات أحد المفاتيح المهمة في تحديد معالم اقتصاد وطني إيجابي، بحيث يكون قادراً على مواجهة المخاطر الاقتصادية بكل ثقة. ويقود الإحلال إلى تحقيق ما يصبو إليه الاقتصاد المحلي في قضية تنويع مصادر الدخل، والتحول من اقتصاد ريعي يعتمد في تشكيل ناتجه المحلي على سلعة أو اثنتين، إلى اقتصاد منتج بدأ من خلال دعم الصناعات المحلية الناشئة، والتي نمت حتى أصبحت صناعات قوية ناضجة قادرة على تجاوز التصنيع لسد الحاجات المحلية إلى التصدير، ومنافسة السلع العالمية.