ذلك المقطع الذي تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي عن من يغسلون أيديهم بالعسل ودهن العود و(المعزب) الذي يطلب من ضيوفه عدم استخدام الصابون امعانا في كرمه المبتذل... من قام بذلك هو حر في ماله وتصرفاته لو لم يوثقها وينشرها ليجرح بها مشاعرنا... العالم في ظل وسائل التواصل الحديثة أصبح شباكا ينظر من خلاله الكل وما يبث يتابعه الجميع ويكون الحكم شاملا.. وهو بذلك لم يسئ لنفسه ولا لمن لم ينكر عليه فعلته من الحضور بل أعطى صورة ليست عقلانية ولا واقعية عن مجتمعنا.. في واقعنا للأسف أصبح هناك مصطلح شاذ ودخيل يطغى على تصرفات من لا يعقلون ويجعل من يتصفون به يطمحون للتميز بلا ميزة والشهرة المصطنعة والحقيقة الخاوية والسخافة التي يباهي بها الجهلاء ولا يحسبون عواقبها.. ذاك هو ما سموه (الهياط).. من قام بذلك العمل لا نعلم شيئا عن تاريخه ولا عن كرمه ولا ثقافته أو وعيه ولا حتى دوره في دعم أو مساندة المحتاجين والمعوزين والفقراء من أقرب الناس إليه.. كل ما نعرفه أننا ساعدناه في ترويج سقطته لنجعلها عند أمثاله مستساغة وعملا لم يسبقه اليه غيره... في ثقافتنا المجتمعية نحن للأسف من نشجع على مثل هذه التصرفات حتى جعلنا ما يملأ العين ويبهرها من إسراف وتبذير في ما يقدم من أنواع الطعام مما لا يؤكل، وكأننا نحكم اعرافنا ونتجاهل ما يأمر به ديننا ونتناسى أن من كانوا يكرمون من أجدادنا كانوا يعطون بالرغم من حاجتهم وفقرهم في زمن الكل يقتتلون من اجل اللقمة.. في ذلك الزمن كانوا يبذلون بالرغم من عوزهم اكراما لضيوفهم وليس كما في هذا الزمن الذي نوثق بالصوت والصورة ما نستعرض به ليقال إننا كرماء.. الكرم.. والنخوة.. والشجاعة.. من مكارم الأخلاق التي يحثنا عليها الدين الحنيف ورسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم جاء متمما لها.. ولكننا اليوم وللأسف لم نعد نعرفها بمفهومها وإنما نأخذ القشور على حساب الجوهر ليقال عنا ما ليس فينا، وهذا الحكم ليس بالأغلبية ولكن استحواذ السفهاء على المشهد العام هو الغالب. ويكفي أن نتابع ما يكون في قنواتنا الشعبية الفضائية لنعرف أننا نستهدف انفسنا لنكون جهلاء ونجهل أننا أعداء ذواتنا في زمن غيرنا يتميز وينتج ويعطي دون مهايطة.. لسنا بصدد جلد الذات وتضخيم الهفوات ولكن لأن هناك من يحبون البروز والتميز فكيف لنا أن نوجد ثقافة مجتمعية واعية توجه من خلالها تلك القدرات للتنافس والعطاء والظهور بما يليق بنا.. لماذا يتفاخر البعض بمن كانوا قادرين على السلب والنهب والقتل بدون حق ويعتبرون ذلك شجاعة؟ ولماذا نربط بين الكرم والتبذير والاسراف.. ونجعل من الطيبة ضعفا.. ونعتقد بأن الحلم جبن.. والتسامح سذاجة.. وإقصاء الغير قوة.. والتجهم سمت.. والشك في النوايا فراسة.. والتعدي على حق الآخرين مرجلة.. والتقوقع على ذواتنا خصوصية.. والحلف بالطلاق يكون هو المبرر لصدقنا؟.. ولماذا نحن من نروج لكل سفاهة.. ليكون أبطالنا وقدوتنا هم السفهاء؟