عُدنا من الإجازة المدرسية؛ التي تحولت لموسم زواجات وولائم مناسبات وإسراف بلا حدود؛ أسبوعٌ خاض خلاله مئات المسرفين والمبذرين معركتهم الكبرى، الذين بدأوا بِسَنِّ سكاكينهم استعدادا لصلخنا حتى قدوم موسم الزواجات الصيفي!!. لا جديد في هذه الإجازة فالجميع بعرض البلاد وطولها استنفر قواه البذخية؛ التي تجاوز بها حدود معايير الكرم والضيافة المتوارثة حتى بلغ حد المبالغة والإغراق في الكماليات؛ فرأينا المزيد والجديد من الأساليب المبتكرة والمتنوعة لمظاهر الاسراف والتبذير؛ التي اصبحت صفة ملازمة لأغلبية تتقلب في نِعَمٍ قابلتها بكفران؛ للأسف تكَوّن لدينا في السنين الأخيرة فكر اسرافي وثقافة تبذيرية عجيبة؛ منحتنا دخول موسوعة (جينيس) بفضل ابتكار (أكبر صحن كبسة) لتضحك الأمم ملء فيّها على جهلنا؛ مناظر عبثية من نكران النِعَم وإهانتها والله لن تجدها إلا في عالم متخلف سيطر الجهل على عقليات أكثريته فتخالها لا تعي معنى (لتسألن يومئذ عن النعيم)!!. للأسف لم تعد الضيافة وإعداد الموائد لأجل الكرم والضيافة ذاتها؛ أصبح للكرم والضيافة مفهوم مغاير فيصعب الآن اكرام ضيفك بطريقة تقليدية منطقية؛ دون مسايرة غيرك في (برستيج) ضيافة باذخة مثقلة للكواهل فرضت مجتمعيا؛ فانظر يا رعاك الله لولائم زواجاتنا كيف تحولت (لكرنفال) ان صح التعبير؛ وولائم لطلب الشهرة ظاهرها فرح وتفاخر وباطنها أتراح وهموم وديون تفسد بركة النكاح وتَيّسِيره وتقود لحسرة لا ينمحي اثرها؛ فكثير من هذه الزيجات انتهت قبل ان تبدأ بطلاق بائن؛ إذاً أين نحن من التوجيه النبوي الكريم (أولم ولو بشاة)؟؟ توجيهٌ ليس لصحابي فقير؛ بل لصحابي غني جدا باستطاعته الإيلام بعدد كبير من (القعدان) ودعوة جيش الإسلام كاملاً لحضور قرانه؛ لكن المسألة بالنسبة للصحابي هي دين واتباع وتطبيق فالتربية النبوية والإيمانية تحول بينه وبين هذه المبالغات؛ فمعيار الإنفاق لديه والحد الفاصل بين الكرم والإسراف يخضع ل (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) (ولا تبذر تبذيرا)!!. جميعنا يسرف كلٌ بحجمه إلا من رحم ربك؛ فمن بيوتنا بدأت نواة الإسراف والتبذير فثلث اطعمتنا والثلث قليل يرمى في أماكن لا تليق بالنعمة؛ تجد أكثر البيوت لا يبالي بتبذيره ولا يكترث بامتهانه النعمة لذلك افلسنا من محبة الله باختيارنا وفَضّلنا أخوة ومعية الشياطين؛ والحقيقة من يَطّلع على إسرافنا ومبالغاتنا يخلص الى أننا لم نعتبر بما يحيطنا من بلدان يعاني أهلها مجاعة ومسغبة؛ لم نستشعر مأساتهم ولم نستحضر معاناتهم؛ وكأننا استبعدنا نقمة تزول بها النِعَم لا تصيبن الذين أسرفوا منا خاصة؛ فالقضية امهال لا اهمال!!. للخلاص من التبذير والإسراف وكافة العادات الدخيلة على مجتمعنا وحتى نعود لنظام شريعتنا التي اوصتنا بالقسط والاعتدال؛ فإن الكثير منا يعوّل على نمو الوعي المجتمعي وصحوته؛ والحقيقة لا ارى في الأفق القريب ما يجعلني متفائلا بتعديل السلوك التبذيري؛ ولا تؤاخذوني فنظرتي تشاؤمية إذا ما عرفتم أن أغلبية المسرفين هم اصحاب مؤهلات علمية ولديهم العلم الكافي بحرمة تصرفاتهم؛ أضف الى ذلك دعوات وزارة الداخلية الإرشادية وفتاوى المفتي العام وجميع هيئة كبار العلماء وكافة الدعاة ضجت منابرهم بالتحذير، بالإضافة لوسائل الإعلام المختلفة أبرزت هذا الجانب السلبي؛ بمعنى أن الجانب التوعوي استنفد ولم يزد المسرفين المترفين إلا إصرارا واستكبارا؛ يتزعمهم في هذا الجانب وجهاء القوم وقدواتهم وكبراؤهم!! لن يستقيم الوضع ولن يتغير إلا بتكاثر النماذج المستقلة بشخصيتها لا النماذج (الكربونية) التي يسيطر على عقليتها المحاكاة والتقليد الاعمي؛ وهذا بحد ذاته عائق لتفاعلها بإحساس صادق يرتقي بتفكيرها ووعيها وينقلها لمرحلة التطبيق العملي والفعلي!!.