كشف الانهيار المالي لعام 2008 عن عدم وجود الشفافية في النظام المالي. مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولاياتالمتحدة، ردا على ذلك، سعى إلى توفير مزيد من الانفتاح ومفاجآت أقل من خلال ما يعرف باسم «الإرشاد المتقدم» - أي المؤشرات المبكرة بخصوص التغيرات في السياسة النقدية بهدف إرشاد المستثمرين والشركات والأسر. كان أمل الاحتياطي الفيدرالي هو أن تقديم معلومات «متقدمة» حول التغييرات المحتملة يمكن أن يقلل من اضطرابات السوق. كنت منذ فترة طويلة متشككا من فعالية الإرشاد المتقدم لأن التغيرات المستقبلية في السياسة النقدية تعتمد اعتمادا كبيرا على البيانات التي لا تكون معروفة قبل صدورها. والأسوأ من ذلك، كان الاحتياطي الفيدرالي متفائلا باستمرار بشأن الانتعاش الاقتصادي، مما يجعل إرشاده المتقدم غير فعال. في عام 2012، توقع الاحتياطي الفيدرالي نموا بنسبة 3.4 في المائة لعام 2015، ولكنه خفض تلك التوقعات تدريجيا وصولا إلى 2.1 في المائة، وهو متوسط معدل النمو السنوي منذ بدأ الانتعاش في منتصف عام 2009. وخفض كذلك توقعاته الأولية لعام 2012 و 2013 و 2014 من 4 في المائة إلى 2 في المائة. لتقييم ما إذا كان الإرشاد المتقدم فعالا في الوقاية من التقلبات في السوق، علينا مقارنة اقتصاد اليوم مع ظروف السوق في منتصف التسعينيات، قبل أن يقرر البنك استخدام الإرشاد المتقدم. بطبيعة الحال، هناك اختلافات كبيرة في معدلات التضخم والنمو العالمي والقياسات الأخرى، إلا أن الاختلافات في التقلب بين الماضي والحاضر تعتبر صارخة. رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل في فبراير 1994 دون سابق إنذار. ورفع أسعار الفائدة ست مرات أخرى بحلول نوفمبر 1994، وبالتالي ضاعف من سعر الفائدة على ودائع البنوك إلى 6 في المائة. هذا ما تسبّب في وصول عوائد سندات الخزانة إلى أرقام مرتفعة للغاية، فيما أصبح يعرف باسم مذبحة السندات الكبيرة لعام 1994. العوائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات قفزت 2.3 نقطة مئوية لتصل إلى 8.1 في المائة، وهو ما أدى إلى خسارة في السعر بنسبة 23 في المائة. وقفز العائد على سندات الخزانة لأجل 30 عاما بمقدار 1.9 نقطة مئوية ما أدى إلى انخفاض السعر بنسبة 17 في المائة. بلغ المؤشر الذي يقيس عدم اليقين في سوق الأسهم نقطة عالية هي 23.9 نقطة في أبريل، مقارنة مع مستوى 10.8 نقطة قبل أول زيادة في أسعار الفائدة. ينطبق الشيء التقلب في سندات الخزانة، والذي يقاس عن طريق أخذ المتوسط المتحرك لمدة 20 يوما من نسبة التغير اليومي في العائد. ارتفع تقلب سندات الخزانة لأجل 10 أعوام في عام 1994، من 0.5 في المائة في بداية العام إلى ذروة بلغت 1.2 في المائة، في حين أن التقلبات في السندات لأجل 30 عاما ارتفعت من 0.4 في المائة إلى ذروة بلغت 1 في المائة. لو كان الإرشاد المتقدم ناجحا، فإنك قد تتوقع تقلبات أقل الآن في الأسهم والسندات - خصوصا مع كل حديث الاحتياطي الفيدرالي حول رفع أسعار الفائدة. ومع ذلك، يبدو أن الإرشاد المتقدم يعمل على إثارة الأسواق، وليس تهدئتها. فقد قفزت تقلبات الأسهم والسندات في السوق إلى مستويات تتجاوز بكثير تلك التي كانت في منتصف التسعينيات. أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه قد يرفع أسعار الفائدة في يونيو وسبتمبر والآن في ديسمبر. وارتفعت العوائد، من أدنى مستوياتها في فبراير، بمقدار 68 نقطة أساس (100 نقطة أساس تساوي نقطة مئوية واحدة) على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات و 87 نقطة أساس على سندات الخزانة لأجل 30 عاما. كانت زيادة العوائد لعام 1994 أعلى من تلك النسب. ومع ذلك، قفز مؤشر التقلب إلى 40.7 نقطة في أواخر شهر أغسطس، تقريبا ضعف الارتفاع الذي بلغ 23.9 نقطة في عام 1994. وبالمثل، بلغ مؤشر التقلبات المالية لدينا لهذا العام 2.9 في المائة على السندات لأجل 10 سنوات و 2 في المائة على السندات لأجل 30 عاما - أي أكثر من ضعف مستويات عام 1994. لماذا بلغت تقلبات الأسهم والسندات مع الإرشاد المتقدم ضعف الارتفاع من دونه؟ عمل التحسب لارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين إلى اضطراب أسواق الأسهم. أيضا، أعتقد أن متطلبات رأس المال العالية في البنوك أدت إلى تراجع السيولة، وبالتالي تقلب أعلى، في سندات الخزانة. ولكن الإرشاد المتقدم هو أيضا الجاني بسبب الإفراط المزمن في تفاؤل الاحتياطي الفيدرالي بشأن النمو الاقتصادي والتحذيرات المستمرة المتمثلة في زيادة وشيكة في أسعار الفائدة. مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليس وحده من لديه توقعات مفرطة في التفاؤل إلى درجة الإحراج. حيث واصل كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خفض توقعاتهما للنمو العالمي. وقد توقع الاقتصاديون في استطلاعات وول ستريت جيرنال أيضا خفض التوقعات باستمرار النمو. استخدام الاحتياطي الفيدرالي للإرشاد المتقدم كان غير فعال بسبب عدم قدرته على التنبؤ بالأوضاع الاقتصادية بشكل صحيح. وهذا ربما أدى إلى تقلبات أكثر وليس أقل، في السوق. في الماضي حين الاحتياطي الفيدرالي يفاجئ المستثمرين، كانت تقلبات أسهم وسندات السوق نصف المستويات الحالية. بدلا من الاستمرار في فعل الشيء نفسه مرارا وتكرارا وتوقع نتائج مختلفة، لماذا لا نتخلى عن الإرشاد المتقدم؟