«البيت العُود» هو كما عرفه دول الخليج العربي، وهو نفسه البيت الكبير كما يسمونه في جمهورية مصر وبلاد الشام وبعض الدول العربية، وهو نفسه بيت الجد والجدة كما يحلو للصغار تسميته، «البيت العُود» في حياة كلِّ واحدٍ منا ليس مجردَ جدرانٍ اسمنتية، وليس مجرد بيتٍ كبيرٍ تتوسطه صالةٌ تجتمع فيها الأسرة مع فناجين الشاي والقهوة وهم يتحلقون حول شاشةٍ فضيةٍ لمتابعة برنامج تليفزيوني. «البيت العُود» ليس مجرد غرفٍ يتوسد البعض مخدته ليأخذ قيلولته بعد الغداء، «البيت العُود» ليس الحوش الذي تزيَّنت أطرافه بمراجيح أطفال العائلة مع بعض الألعاب البلاستيكية الخفيفة. «البيت العُود» ليس جرساً يُقرع، وباباً يُفتح، وطعاماً يُقدم، وأحاديث تُنسج، تعقبها ضحكات تُجلجل المكان!! «البيت العود» أكبر من كلِّ المسميات، ومن كلِّ أجسام الأشياء، ومن كل الطقوس التي تمارسها أفراد العائلة صغيرها وكبيرها. «البيت العُود» هو ذكرياتُ أعمارٍ وأزمانٍ حُفِرت على الجدران الإسمنتية، ولو استطاعت هذه الجدران أن تنطق لتكلمت عن تاريخٍ جميل لا يُنسى. «البيت العُود» هو الملفأ الوحيد والحضن الدافئ لجميع أفراد الأسرة. «البيت العُود» هو البيت الوحيد الذي لا تستأذن في دخوله، ولا أن تأخذ موعداً مسبقاً، ولا أن تقف طويلاً على بابه حتى يُفتح لك، يكفي أن تقرع الجرس مرةً واحدةً «تأدباً منك وتلطفاً» ثم تدخل وتتنحنح بصوتٍ مسموع لتُعلن عن قدومك الذي يُبهج سكانه فيستقبلونك بكلّ ترحيبٍ ويقدمون لك ما لذ وطاب، وهم طوال الوقت يسألونك عن أحوالك وأحوال عيالك ليطمئنوا عليك، يريدونك (سالماً مبتسماً، واصلاً غير قاطع). «البيت العود» هو محل استقبال أول المواليد لجميع بنات الأسرة مهما تعددت ذرياتهم، ومعه يستقبل جميع الضيوف ليلاً ونهاراً بلا تحديد لمواعيد الاستقبال. «البيت العود» هو من زفَّ كل ابن وابنة إلى بيته الجديد بعد عرسٍ كان فيه الفرح أجمل عنوان!! «البيت العُود» هو من كبر فيه جميع الأحفاد بلا استثناء بتفاوت في عدد الأيام والشهور والسنين!. «البيت العود» هو من احتوى كلَّ الأعياد والمناسبات المختلفة والواجبات وحفلات النجاح،، وهو الذي نُحِرت فيه جميع الأضاحي ليشهد الأبناء والأحفاد إحياءً لسنةِ نبينا إبراهيم عليه السلام. «البيت العُود» هو رائحة العود ودهن العود ورائحة القهوة بالهيل والزعفران، وطيب اللمة في أيام العيد. «البيت العود» هو مقر استقبال الغرباء الذين يحضرون فجأةً من بلادهم يبحثون عن مكانٍ يستقبلهم فيَسعد الضيف والمضيف. «البيت العُود» هو عمرٌ مضى وتاريخٌ بقى يتذكره الأوفياء فقط، «البيت العُود» هو الذي أُلغيت فيه جميع الاشارات الحمراء وبقي اللون الأخضر وحده مضيئا ليقول للجميع «لا شيء ممنوع»،، هذا بيتكم جميعاً، افعلوا ما شئتم، تحركوا فيه كما تريدون، أولادكم سيعبثون فيه، وسيكسرون أشياءً وأشياءً. «البيت العُود» هو الحبُّ بعينه، هو الأمان عند الخوف، هي المشاعر الصادقة بلا زيف! «البيت العُود» هو ذاك المكان الذي تستطيع فيه أن تضحك بلا خجل، وتجف فيه دموعك على مهل! «البيت العُود» هو لعائلةٍ يملك كل أفرادها تصاريح متعددة لدخوله، ومفاتيح عدة لبابه الواحد. «البيت العُود» هو ذاك الحوش الذي تتوسطه نخلة «رطب الخلاص» مع أشجار الفل والياسمين وشجيرات الريحان ذات الرائحة العطرة، وشجرة اللوز والليمون الأخضر وعناقيد العنب المدلاة وشجرة التين بمذاقٍ لذيذ. يقول هولمز: حيثما نحب يكون بيتنا، إنه بيت تبارحه أقدامنا، وتبقى فيه قلوبنا. في الختام: لا تُشعروا البيت العود بأنه زمنٌ ومضى، فأنتم لا تعلمون كم تكبَّد أهله في سبيل إسعادكم واحتوائكم، فكونوا أوفياء لتجدوا من يكون وفياً لجدران بيوتكم!! تربوية - مدرب معتمد