"عدت يا يوم مولدي، عدت يا أيها الشقي، ليت يا يوم مولدي كنت يوما بلا غدي، أنا وهم أنا سراب، اشتري الحب بالعذاب، اشتري فمن يبيع؟؟" كنت استمع لهذه الكلمات التي هي من أجمل أغاني الفنان الراحل فريد الأطرش، بينما اعد قهوتي المفضلة، القهوة التركية بالحليب، أقفلت صوت المذياع ونظرت الى ساعتي في عجل، فاذا هي الثامنة صباحا، واليوم هو اليوم الثامن من الشهر، نظرت إلى هاتفي المحمول؛ لأتأكد من هذه المصادفة العجيبة، إنه يوم الأربعاء الموافق اليوم الثامن من شهر فبراير، إذا أنا في هذا اليوم أتم 24 سنة من عمري.. لا أذكر أبدا أنني وخلال كل سنوات عمري احتفلت بيوم مولدي، حيث إنني لم أكن أجد منطقا في أن يحتفل المرء بانقضاء سنة كاملة تقلل من عمره القادم، ولكني وعلى غير عادتي شعرت برغبه شديدة بالاحتفال، ربما لأنني أصبحت أناهز ال25 عاما أي بما يساوي ربع قرن!! أو ربما لأنها المرة الأولى التي اشعر بها بأنني كبرت، وياااااا لهذا الهاجس كم هو مزعج لكل أنثى!! برغم إيماني التام أنه يجب على المرء ان يعيش كل مراحل حياته، ويستمتع بها بكل تفاصيلها، لكن وكما يبدو ان غرور الأنثى التي تأبى ان يأخذ العمر من رونق شبابها، اصبح شعورا ملحا صعب التجاهل، كانت تلك الأفكار تزدحم في رأسي وأنا اصعد الدرج متوجهة للطابق الثاني.. ترى ما هي الترتيبات اللازمة للاحتفال؟ فستان مميز، الاكسسوار (ذهبي أم فضي)؟ المعازيم(الكثير أم المقربون)؟ كيف سيكون شكل كيكتي الأولى؟ هل أضع صورتي عليها؟ أم لتكن على شكل مجسم شخصية كرتونية أحبها؟ هل ستكون في البيت أم في استراحة يتوسطها مسبح مليء بالبالونات بجميع الألوان، وصلت إلى غرفة الجلوس، نظرت الى التلفاز، وبدأت ابتسامتي تتلاشى شيئا فشيئا، وشفتاي بالارتعاش، جلست في مكاني، أحدق فيما أراه من دماء وأشلاء لم أرمش لم يطبق لي جفن.. سوى دموع حارة، وقلب يعتصر.. هل هذه هي الشام؟ هل هذه هي البلاد التي أكلت منها وشربت من عذب مائها؟، هل هذه هي البلاد التي كنت استمتع بكل تفاصيلها وحاراتها القديمة العريقة ورائحة جدرانها العتيقة؟؟ تلك البلاد التي كنت أعجب بكل ما هو بدائي بها، ما زالت تحافظ عليه، أمشي في شوارعها، واشعر أنني بالقرون الوسطى، فأراني ارتدي فستانا واسعا واضع على رأسي قبعة فرنسية وفي يداي ارتدي قفازي الشفاف، وامشي بخيلاء. يفتح لي الصبي باب العربة واصعد بخفة واجلس بأناقة (يا إلهي لا أصدق أن ذلك يحدث ونحن في عام 2010م)، كم كانت أياما جميلة واحسرتاه عليكي يا شامي.. اسندت ظهري إلى الجدار، واحتضنت قدماي.. وضعت رأسي على ركبتي.. وخبأت وجهي بيدي، عندما كنت صغيرة كانت الدنيا كبيرة جدا، حولي، واليوم كبرت وصغرت الدنيا كثيرا علي، عذرا يا يوم مولدي.. في غياب العدل، ماتت الإنسانية، فذاك، يزعم انه حر أبي، ويقتل باسم الحرية وذاك يظن ان الحياة تبدأ عندما يقتل الأبرياء، برمي قنبلة من العلية، عذرا يا يوم مولدي.. كيف احتفل بك..؟ امام أم ثكلى تنعى فلذة كبدها؟ أين المنطقية؟ كيف على جرحهم أكون من المغنين؟ثم كيف على دمائهم اكون من الفرحين؟ عذرا يا يوم مولدي.. اجتمع بك من هم بالهمجية متصفين.. بالانتهازية مسايسين. يتهكمون معارضين، لمصالحهم راعين، يسخرون مناوشين، للصهاينة مساومين، ثم يصفون نفسهم بالمعلمية!! عذرا يايوم مولدي.. اختلط بك الحق بالباطل، وغطى الحابل النابل، ف يا يوم مولدي قل بربك أين هي المنطقية؟ عذرا يا يوم مولدي.. ليس هناك سوى قهوتي التي أصبحت برودتها كبرودة قلوبهم الشقية، فلربما يبرد بها جوفي.. ويخمد ما في قلبي، من تلك النار العتية، ليس هناك احتفال طالما هذا هو حالنا، ليس سوى صمت، وخوف أبدي.. وسؤال أزلي في ظل وهم الديمقراطية.