أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    ترسية المشروع الاستثماري لتطوير كورنيش الحمراء بالدمام (الشاطئ الغربي)    "نايف الراجحي الاستثمارية" تستحوذ على حصة استراتيجية في شركة "موضوع" وتعزز استثمارها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    السند يكرِّم المشاركين في مشروع التحول إلى الاستحقاق المحاسبي    غربلة في قائمة الاخضر القادمة وانضمام جهاد والسالم والعثمان وابوالشامات    تمديد الدعم الإضافي لمستفيدي «حساب المواطن» حتى نهاية 2025    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    866 % نمو الامتياز التجاري خلال 3 سنوات.. والسياحة والمطاعم تتصدر الأنشطة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    مسرحية كبسة وكمونيه .. مواقف كوميدية تعكس العلاقة الطيبة بين السعودية والسودان    بحضور وزير الثقافة.. روائع الأوركسترا السعودية تتألق في طوكيو    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    NHC تطلق 10 مشاريع عمرانية في وجهة الفرسان شمال شرق الرياض    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«يا ليته ترجع الأيام لوقتٍ راح واحبّه»!
حوش البيت..
نشر في الرياض يوم 11 - 01 - 2014

عندما تقودك رجلاك إلى زيارة البيوت الطينية القديمة في أي بلدة؛ لترى كيف كان الآباء والأجداد يعيشون في تلك الفترة الماضية من ذلك الزمن الجميل؛ فإنك حتماً ستلاحظ أن بين تلك البيوت قاسما مشتركا ألا وهو وجود مساحة ملحقة بالبيت مكشوفة محاطة بأربعة جدران، وهي ما يُطلق عليه (الحوش).
وهذا الحوش له بابان أحدهما يؤدي إلى خارج المنزل والثاني إلى داخله، وجزء منه مسقوف والآخر مفتوح تدخل منه أشعة الشمس، كما في أحد زواياه مكان مرتفع قليلاً كمصدر للماء، وقضاء الحاجة.
وبناء الأحواش الملحقة ببيوت الطين ليست للرفاهية -التي تكاد تكون شبه معدومة في ذلك الوقت-، ولكن لفوائد عديدة، ومنها: تربية الماشية التي هي خير معين على مواجهة مصاعب الحياة وشظف العيش، بما تنتجه من حليب يصنع منه اللبن والزبدة والسمن بعد خضه في (الصميل) و(القرب)، ومن جلودها التي تصنع منها تلك (القرب)، وأصوافها التي تحاك منها بعض الملابس وبيوت الشعر، إضافة إلى تربية الدجاج الذي يستفاد من بيضه ونادراً ما يتم ذبحه وأكله، حيث يُربى فقط ليبيض ويتكاثر، كما يحتضن الحوش التنور وهو مكان إعداد الخبز، كما في زاوية أخرى من الحوش يوضع (المنحاز) المصنوع من الحجر المحفور لدق الحبوب، وقد يتسع الحوش أيضاً لحفظ الحطب الذي يجمعه الناس لاستخدامه كوقود للطبخ والتدفئة، ومن فوائد الحوش أيضاً اتخاذه في فصل الشتاء كجلسة (مشراق) لنيل الدفء من أشعة الشمس الذهبية عند شروقها، وخصوصاً لكبار السن غير آبهين بمن ذمه وعلى رأسهم الشاعر "راشد الخلاوي"، حيث يقول:
ومن تابع (المشراق) والكن والذرا
يموت ما حاشت يديه الفوايد
الأيام ما باق بها كثر ما مضى
والأعمار ما اللي فات منها بعايد
نعد الليالي والليالي تعدنا
والأعمار تفنى والليالي بزايد
"الحوش" أو "القوع"
بعض الناس يطلق على (الحوش) بالمنازل الطينية القديمة اسم آخر وهو (القوع) وكلاهما كان دارجاً فيما مضى؛ فقد ورد في العديد من القصائد التراثية بمسمى (الحوش)، كما ورد باسم (القوع)، ومن ذلك قول شاعر التراث الأستاذ "عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي" في قصيدة تراثية رائعة:
ووسط (القوع) به منحاز عليه من الدبل قاره
وجنبه دبة التنور تهشم وانتهى كاره
وهذه مربط (العطرا) بقى عرنون مسماره
وفوق بغرفة الروشن حمام يسكن أوكاره
"طايح البيت"..!
لا يخلو كل بيت قديماً من مواشٍ تعيش جنباً إلى جنب مع أصحاب البيت وتحديداً في الحوش، حيث كانت تلك المواشي محل عنايتهم واهتمامهم؛ فهم يحرصون على إطعامها وخصوصاً من بقايا الأكل بعد الوجبات وكان الناس يطلقون عليه (طايح البيت)؛ أي كل ما يتبقى من السفرة كالتمر أو نواه أو القرصان وغيرها من الأطعمة، حيث تلتهمه الدواب بنهم، وتشاركها في تلك الوجبة الطيور كالدجاج والحمام، ولم يكن الناس يتأذون من رائحة تلك المواشي من الأغنام والضأن والبقر وذلك بسبب قيام أهل البيت بتنظيف مكانها في الحوش يومياً، وذلك بكنس مخلفاتها بعد مغادرتها المنزل مع (الشاوي) الذي يصحبها إلى المراعي القريبة من البلد إلى حلول المساء، ثم يحضرها بعد أن تشبع إلى البلدة فيتولى كل واحد من الأهالي إحضارها إلى منزله، وقد يتأخر أحدهم عن إحضارها فتجد الماشية تذهب لوحدها إلى بيت أهلها تجوب الشوارع ومن ثم تقف بالباب وتصدر (ثغاءها) معلنة وصولها، وقد يكون أول من يرد عليها هم أبناؤها الصغار الذين يبادلونها الثغاء فهم في شوق إلى تناول وجبتهم من الحليب بعد انتظار طويل، ويتولى صاحب المنزل إدخالها، ومن ثم حلبها من أحد ثدييها، ويترك الأخر لصغيرها الذي يكفيه ويشبعه.
له بابان أحدهما على «السّكه» والثاني
على الدار وجزء منه مسقوف والآخر مفتوح
والغريب أنه تنشأ بين أصحاب البيت وبين هذه الحيوانات صداقة ود، حيث إنها تكون ودودة معهم فلا تفارقهم، وربما سموا تلك الحيوانات بأسماء جميلة فتراها تستجيب لهم عند ندائها فتأتي مذعنة، ومن فوائدها الجليلة على سكان البيت أنها تصدر مع سكان الحوش الآخرين من الطيور كالحمام والدجاج أصواتا متعالية كجرس إنذار عند دخول أي غريب للحوش أو البيت، وخصوصاً في الليل سواء كان من الإنسان كاللصوص أو من الحيوانات كالقطط والكلاب والذئاب، وكاهتمام بالماشية تراهم يذهبون إلى البر ويحشّون لها الحشائش التي يحتفظون بها في غرفة خاصة في البيت تسمى (صفّة) الحشيش، حيث يطعمونها من هذه الحشائش إذا قلّ الحشيش في البر مع ازدياد برد الشتاء، أو حدوث قحط اذا تأخر نزول المطر، ومن مظاهر الاهتمام بها أيضاً العمل على تطبيبها؛ فمثلاً إذا أكلت الماعز أو الضأن وأسرفت في الأكل تصيبها التخمة فيقولون عنها (مغتثة)؛ مما يجعلهم يذهبون مسرعين لجلب علبة (كولا) لها من دكان القرية، ومن ثم يفتحون فمها ويفرغون محتواها فيه أمام منظر أطفال البيت الذين يتمنون أن يشربوا هذه (الكولا) بدلاً منها؛ فلعابهم يسيل طمعاً في شربها، وكم تمنوا أن يكونوا مكانها لينالوا هذه المكافأة السعيدة، وبعد دقائق عديدة تفلح هذه (الكولا) في ذهاب تخمة هذه البهيمة وتدب الحياة في عروقها، وتكون سبباً في نجاتها، فلو تُركت بدون علاج فسيكون مصيرها الموت بلا شك، وقد تتعرض هذه البهائم للكسر فيتم تجبيرها بأعواد تربط على ساقها بقطعة قماش للتثبيت وتمنع من الذهاب إلى الرعي مع (الشاوي) حتى تتحسن وتبرأ.
«الدبش» و»الطيور» تأكل من «طايح البيت» وتمد أصحابه بالحليب والزبد والبيض يومياً.. وجرس إنذار للغرباء
أما الصغار فلهم معها شأن آخر فهم يلتفون حول صغارها وربما نام الصغار ومعهم بعض صغار الحيوانات محتضنينها، وعندما تكبر بعض الحيوانات ولا يستفيد منها أصحاب البيت وتكون مخصصة للأكل فلا يجرؤ على ذبحها وأكلها، بل يبيعونها إلى الغير؛ فهم لا يتحملون ذبحها وكم تكون أعين الصغار مغرورقة بالدموع وهم يودعونها عند البيع إلى الغير، وتتقطع أنفسهم حسرة وأسىً على فراقها.
حمام الدار!
كثيراً ما نسمع مقولة (فلان من حمام الدار)؛ أي كأنه من أًهل البيت من شدة ارتباطه بهم، وهو مثل دارج على الألسنة بين الناس، فقد شبهوا هذا الارتباط بارتباط الحمام بالبيت الذي يسكنه فلا يفارقه مطلقاً، وقد كان الحمام يتقاسم مع الدجاج سكنى حوش المنزل، إلاّ أن الدجاج يعيش في أرض الحوش التي يرهقها حفراً وبعثرة في سبيل الحصول على رزقه، بينما يوضع للحمام صناديق في جدران الحوش مرتفعة عن متناول الأطفال أو هجمات القطط؛ فتراه يأكل مما يُقدم له من الأكل مع دجاج المنزل، وإن لم يجد تراه يطير حراً طليقاً باحثاً عن رزقه، ولكنه في النهاية يعود أدراجه إلى عشه فينام فيه، وكم من مرة يبيع فيها الأولاد حماما من دارهم وبعد أيام قليلة يعود إليهم فيأتي من اشتراه فيرده عليه مرة أخرى ويوصيه بأن يضع له في الماء قليلا من السكر حتى يألف البيت الجديد، ويعرفه فيعود اليه طلباً لطعم الماء العذب الحلو وهكذا، وبعض أنواع الحمام كان نادراً وغالي الثمن وهو ما يسمى الحمام (القلاب) وهو الذي يتقلب أثناء الطيران، ويسمى أيضاً (الجذاب) وذلك لكونه يجذب حمام البيوت الأخرى فيتبعه ويعيش معه.
تسابق الأطفال لجلب «بيض الفطور» من الحوش وانتهى بكارثة حريق.. و«الكولا» علاج «العنز المغتثة»
الشوق والحنين
كثيراً ما نسمع عن علاقة الحب المتبادل بين الإنسان والحيوان؛ فالإنسان حبه لهذه الدواب حب رحمة وعطف والحيوان حبه حب ترابط وألفه؛ فتراه يحن لصاحبه ويفتقده ومن أشد الحيوانات ألفة هي الإبل التي ترتبط بمربيها وتحن إليه؛ فإذا ما باعها وغادرته تجد الدمعة تنساب من عيونها.
وفي قصة تدل على ذلك فقد باع الشيخ "عبدالرحمن بن ضويحي" -رحمه الله- ناقة -تربت لديه عددا من السنين- على أحد من الناس، وذلك لما استغنى عنها وترك تربية الإبل، وقد كانت متعلقة به؛ لأنه قد رباها منذ صغرها فأخذها أصحابها وذهبوا بها إلى بلادهم التي تبعد مئات الكيلو مترات، وبعد مرور سنة تفاجأ أحد الأيام بحنينها لدى بيته؛ فلما خرج وجد أنها ناقته التي فارقها منذ عام، وصارت تضع رأسها على كتفه كأنها تعانقه وتشمه؛ ففرح بها ولما شاهدها لوحدها أيقن أنها قد قطعت اليه الفيافي والقفار في سبيل رؤيته فلم تتحمل فراقه، فأدخلها إلى حوش بيته وصار يطعمها بيده ويعتني بها حتى مرّ أسبوع؛ فإذا بالذين قد اشتروها يطرقون بابه فلما رأوها طلبوا إليه أن يعيدها اليهم فقال-رحمه الله- لهم والله لن تعود معكم أبداً بعد أن قطعت تلك المسافات حنيناً وشوقاً إلي.. فخذوا قيمتها وما تشاءون من الزيادة على ثمنها واتركوها لي، فتصالحوا على مبلغ معين وتركوها وذهبوا، أما هو فقد احتفظ بها ورعاها ولم يبعها بعد ذلك على أي احد حتى فارقت الحياة.
«فلان من حمام الدار» عكست علاقة الألفة بين الإنسان والحيوان إلى درجة الشوق والحنين
قرون الماعز تعلقت ب«سطل» الماء والبقرة أكلت «شيلة العجوز» ومعها المفاتيح مربوطة
هذا هو مجبّبنا وهذاك الكمر ووجار وذيك الدكه القصيا وهذا الحوش نلعب بّه
حريق بسبب بيضة!
اعتاد الاطفال قديماً على أن يتسابقوا عند الاستيقاظ على جمع بيض الدجاج من عشه في الحوش، حيث يطيرون به فرحين إلى أمهاتهم من أجل أن تعد لهم وجبة الافطار منه، ولكن في أحد البيوت الذي به حوش كبير مليء بالحطب وعلف الماشية (التبن)، وكانت الدجاج تأوي إلى أماكن متعددة لتضع بيضها فيه؛ مما يجعل الأطفال كل يوم يجدون لها مكاناً جديداً تضع فيه بيضها، وفي أحد الأيام وكالعادة تسارع الصبية إلى البحث عن البيض، ولما بحثوا كثيراً وجدوا مكاناً مظلماً فأرادوا أن ينظروا إلى إمكانية وجود البيض فيه فأحضر أحدهم عود ثقاب وأشعل النار ليرى بوضوح؛ فسقط هذا العود وهو مشتعل فاشتعلت النار سريعاً في أكوام القش فصاح الأطفال مستنجدين بأمهم التي تتولى رعايتهم في ظل غياب الأب؛ فصاحت بالجيران الذين رأوا ألسنة اللهب ترتفع من أعلى جدار الحوش فهبوا مسرعين لإخمادها ففتحت الباب فجاءوا أفواجاً رجالاً ونساءً يحملون القدور المملوءة بالماء على رؤوسهم ويسكبونها على النار ليطفئوها، وكان من أوائل المنجدين جارهم الأعمى الذي ملأ قدره واستعان بمن يقوده إلى بيت الجيران للمشاركة في إخماد النار فلم يكن في مطلع التسعينيات الهجرية مراكز للدفاع المدني في القرى، ولم يكن هناك أجهزة اتصال تربط القرى بالمدن لطلب هذه المراكز لإخماد النار، ولكن بتعاون الجيران وتكاتفهم تم إخماد النيران قبل أن تصل إلى داخل البيت أو تصيب أحد ساكنيه بأذى، وهذا الموقف يصور ما كان عليه الجيران سابقاً من تعاون ومشاركة في الأفراح والأتراح.
مواقف طريفة
ارتبطت تربية الحيوانات والطيور بالعديد من المواقف الطريفة التي تمرّ بالعديد من مربيها في أحواش منازلهم قديماً، ومنها أن يغفل الناس عن باب البيت فيترك مفتوحاً أثناء غياب أهله عنه في زيارة أو عمل فيعودوا ليجدوا هذه الأغنام قد فتكت بما ادخروه من حبوب (عيش) كالقمح والجريش؛ ليجدوا أنها أتت عليه إلى الآخر، ولم تترك حتى (زبيل) الخوص الذي تُحفظ فيه، حيث أكلت ما تمكنت من أكله، بالإضافة إلى الفوضى التي تحدثها من جراء تنقلها بين الأغراض.
ومن المواقف الطريفة أن تتناول الماعز ملابس من يعتني بها دون أن يدري؛ فتراها تأكل طرف ثوب الرجل أو غترته و(شيلة) المرأة، أو أن تأكل الخرقة التي تربط بها مفاتيح البيت التي تستخدم ك(ميدالية) في ذلك الوقت لحفظ المفاتيح؛ فإن تنبه إلى ذلك، وإلاّ ستستقر تلك المفاتيح مع (خرقتها) الميدالية في بطنها، كما حصل لإحدى النساء التي كانت تعلف بقرتها ففقدت مفاتيحها ولم تشعر إلاّ والبقرة تلتهم آخر قطعة من القماش التي بها المفاتيح، فاضطرت إلى الانتظار يوماً كاملاً حتى خرجت مع فضلاتها فغسلتها دون أن يدري زوجها حتى تسلم من عتابه وعقابه.
ومن النساء من كانت تحمل نقوداً ورقية وهي فرحة بها عند أول ظهور للعملة الورقية اخذتها من زوجها كي تشتري لها كسوة، وبينما كانت تكنس الحوش عمدت إلى وضع النقود في جذع النخلة في مكان مرتفع كي لا تفقدها وهي تكنس الحوش، واثناء انهماكها في الكنس نظرت عن يمينها فاذا إحدى الأغنام قد رفعت يديها واتكأت على جذع النخلة وهي تأكل شيئاً فلم تعرها اهتماماً، ولكن سرعان ما صُعقت عندما تذكرت النقود فهبت مسرعة لتخليصها من فم الماعز، إلاّ أنها كانت أسرع فقد التهمتها بنهم شديد فأسقط في يدها وصارت تضرب أخماساً بأسداس متحسرة على فقدان النقود وفقدان كسوتها أيضاً؛ فسلمت أمرها لله ولم تخبر زوجها خوفاً من أن يتهمها باللا مبالاة، وبقيت دون كسوة جديدة حتى جاءها العيد فجاء الفرج بنقود جديدة من زوجها فخبأتها على الفور في مكان أمين، ومن صباح الغد اشترت ما تريد ونامت قريرة العين.
ومن القصص الطريفة هو ما يحصل للحيوانات من أذى تسببه لنفسها دون قصد كونها بهيمة لا تعقل، ومن أكثر الحوادث التي تحصل لهذه الدواب هو أن تعلق قرونها ب(سطل) الماء حينما تشرب، حيث تضع رأسها في السطل، وبعد أن ترتوي ترفع رأسها بسرعة فيتعلق السطل في قرنيها فيغطي وجهها وتصبح لا ترى؛ فتجري من الخوف على غير هدى وتصطدم بكل ماهو أمامها وتصدر أصوات استغاثة وخوف يسمعها كل من في البيت وخارجه؛ فيهب الجميع إلى نجدتها وسط ضحك من يشاهدها، وتكون العملية صعبة، حيث أنها لا تقف بل تقفز في كل اتجاه فهي لا ترى وقد تصيب من جاء لينقذها، ومن حوادثها أيضاً السقوط على اكوام الحطب خاصة إذا كان الحطب كثيراً وكبير الحجم من جذوع الأشجار فقد يؤدي ذلك إلى اختناقها فتتدلى فلا يمكن انقاذها فتموت، وقد حصل هذا لماعز إحدى النساء قديماً ولم يكن عندها زوجها فاستغاثت بجيرانها فجاء أحدهم فلم يستطع تخليصها لثقلها وقوة انحشارها بين جذوع الحطب فقام بذبحها، وتم تخليص جسدها بعد ذلك والإفادة من لحمها بأكله بدلاً من أن تموت ولا يستفاد من لحمها لحاجة الناس في ذلك الوقت إلى اللحم الذي كانوا فيما مضى في سنين الحاجة والفقر لا يعرفونه إلاّ في موسم الأضاحي.
وكم كانت ضحكة طلاب الفصل في المدرسة في موقف آخر مدوية ومتعالية عندما اعتذر أحد الطلاب بعدم إحضار الواجب المدرسي بسبب أن (العنز) أكلت الدفتر في غفلة منه، وليس ببعيد عنه ذلك الطالب الذي لم ينم من الفرح بعد أن نجح في اختبار الكفاءة المتوسطة بعد أن أعادها عددا من السنين، ولكن الفرحة بددتها تلك (الماعز) الشرهة عندما التهمتها ولم يبقَ سوى نصف اسمه فقط.
ذكريات حوش البيت
لا زال الناس الآن يحرصون على أن يكون في مبانيهم الحديثة حوش ويسمونه السور، حيث يكون متنفساً للبيت الذي نظامه نظام (الفلل)، ولكنه خاوٍ من أي حياة، ولا يمكن أن يكون دوره مثل دور الحوش في البيوت القديمة الذي ذهب كغيره من أماكن الزمن الجميل الذي لن يعود ببساطته؛ فترى الكل يتحسر عليه، ومما يصور ذلك قصيدة الشاعر "عبدالله المجيدل"، وهي من القصائد التي تتحدث عن الماضي وترسم لوحات فنية "معبرة"، حيث يقول فيها:
بيوت الطين لا شفته تذكرني زمانٍ دار
زمانٍ رغم ما به من قساوة ماحدٍ سبه
وهذا بيتنا واطلاله اللي عودت تذكار
وذاك الروشن وهذا مكان الزير والقبه
وصفة جدتي ما باقي الا بابها واجدار
وصوت الباب يصفر كلما هب الهوى هبّه
وهذا ما بقى من صفة امي والغمى منهار
غماها من جذوع الاثل واحلى من غمى الصبّه
وهذا كان مطبخنا وهذا هو مشب النار
قبل لا نعرف الغاز وقبل لا تطلع الدبّه
وهذا هو مجبّبنا وهذاك الكمر ووجار
وذيك الدكه القصيا وهذا الحوش نلعب بّه
سقى الله ذيك الايام الخوالي ليتها تندار
سقى الله لا تجمعنا وصارت عندنا الشبّه
سقى الله يوم تبرق ثم ترعد والسما امطار
وصوت المثعب يسورب وكنك جالس بجنبّه
وجتنا الجدة تسبحن علينا يوم حنا اصغار
على شمعة سراج القاز قبل لا نعرف اللمبّة
زمن به للطفولة في خيالي ذكريات اكثار
يا ليته ترجع الايام لوقتٍ راح واحبّه
ولكن ما مضى هيهات يرجع والزمن داور
يروح الوقت مع ناسه ويبقى ربي وربّه
حوش الدار يمثّل أمناً غذائياً لساكنيه من الحليب والبيض
سوق الماشية مزدهر في التسعينيات هجرية بفضل التربية في البيوت
الحوش مكان لحفظ الحطب والمنحاز وبناء التنور
صميل الحليب يروي نفوس لا تفارق رؤيته وطعمه «أرشيف الرياض»
بيع ماشية البيت ينتهي إلى مشهد حزن وبكاء خاصة من الصغار
الشاوي «الراعي» يسير بماشية الجيران خارج العمران


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.