إن مشاهدة انفجار فقاعة أصول تشبه قليلا مشاهدة إعصار: حيث تعرف أنه يجري تدمير الحياة، ومع ذلك تمتلك قوة الطبيعة الرهيبة جمالا غريبا مروعا. والانهيار الذي نشهده الآن في الصين، حيث تحولت طفرة سوق الأسهم المذهلة على مدى عام إلى هزيمة منكرة، بعد ارتفاع بحوالي 100 بالمائة منذ أواخر عام 2014، فقد مؤشر شنغهاي المركب الآن حوالي ثلث قيمة ذروته في غضون بضعة أيام، تسحب الحكومة الصينية كل القيود التي كانت مفروضة في الأنظمة المالية، من أجل دعم الأسواق، بلا شك لكي تحافظ على الوهم بأنها تتحكم في الاقتصاد. ربما ليس من قبيل الصدفة، تسمح تدخلاتها أيضا لكوادر الحزب والأشخاص «الواصلين» بالحصول على النقدية دون تكبد خسارة كبيرة. ولكن لماذا اعتقد المستثمرون أن سوق الأسهم الصينية ترتفع باتجاه طبقات الجو العليا، مع أن بعض الناس الواقفين على الجوانب شهدوا جميع الأعراض التقليدية للفقاعة؟ لقد كان خبراء الاقتصاد يعانون إشكاليات هذه المسألة منذ سنوات، وبالرغم أنه ليست هنالك إجابات قاطعة، إلا أن هنالك عددا قليلا من النظريات الرائدة. والفكرة الكبيرة الأولى هي أن الفقاعات تتضخم بفعل المضاربات، تحصل المضاربة عندما يشتري المستثمرون أصولا بسعر يفوق ما يعتقدون أنه السعر العادل، لأنهم يعتقدون أنهم سيكونون قادرين على بيعها بسعر أعلى، تخيل أنك قمت بشراء سهم شركة جنرال موتورز مقابل 25 دولارا، رغم أنك كنت تعتقد أن السعر العادل للسهم هو فقط 20 دولارا في الأجل الطويل. لماذا؟ لأنك تتوقع أن شخصا آخر قد يأتي ويشتري السهم منك مقابل 30 دولارا في الأجل القصير هذه هي المضاربة. وهي تعرف أيضا باسم «نظرية المغفل الأكبر»، على اعتبار أن المغفل هو من يدفع سعرا أعلى، وأن من يشتري بسعر أعلى من السعر المرتفع سيكون هو المغفل الأكبر من سابقه. كما أدرك الاقتصاديون منذ فترة طويلة أنه لو كان جميع المستثمرين يفكرون ويتصرفون بعقلانية، قد يكون من الصعب وجود مضاربة. لذلك، للحصول على المضاربة، تحتاج عادة إلى أن يحاط المستثمرون الراشدون من قبل قطعان المستثمرين غير الراشدين، هؤلاء يدعون ب «المتداولون أصحاب الضجيج»، لكن يمكنك تخيلهم كحشد مخلوقات الزومبي، يصرخ بلا وعي صرخات تقول، «عليكم بالشراء والشراء والشراء»، أو «عليكم بالبيع والبيع والبيع». أحيانا، كما في فيلم الرعب، من المنطقي التصدي لمخلوقات الزومبي، لكن إذا واجهك حشد كبير بما فيه الكفاية، من المنطقي الهروب. بنفس الطريقة، بيَّن الخبراء الاقتصاديون كيف يمكن أن يطغى أصحاب الضجيج على المتداولين الراشدين، الأمر الذي يضطر هؤلاء العقلانيين إلى الشراء من الفقاعة بدلا من التداول ضدها. بما أن جزءا كبيرا من الأسهم الصينية يقتنيها المستثمرون الأفراد، يبدو من الممكن أن اللا عقلانية اجتاحت تلك السوق. أما النظرية الثانية، وثيقة الصلة بالأولى بخصوص السبب وراء الفقاعات، فهي سلوك القطيع، تخيل لو كنتَ جالسا في مقهى وفجأة نهض الجميع وهربوا بحثا عن المخارج. هل تتبعهم، أم تحاول معرفة سبب حدوث ذلك؟ معظم الناس قد تندفع. لماذا؟ الجواب بسيط. هل تريد أن تكون الشخص الأخير في الداخل، في حين أن من الممكن أن يأكلك أسد الجبل الذي دخل للتو؟ وبالتالي يمكن أن يكون سلوك القطيع عقلانيا أو رشيدا في أسواق الأصول، هذا يعني أنه عندما ترتفع أسعار الأسهم فجأة، يعتقد بعض الناس أنها ارتفعت لسبب معين وأن الآخرين هم على علم بهذا السبب (الذي تجهله أنت بطبيعة الحال). من ثم يزداد عدد المشترين، الأمر الذي يسبب ارتفاعا أكبر في السعر وبالتالي دخول المزيد من المشترين. بمعنى آخر، يبدأ الناس الركض نحو الباب عندما لا يكون هنالك أسد الجبل. ربما اشترى الصينيون من الأسواق ببساطة لأن الجميع كان يفعل ذلك. أما النظرية الثالثة فتعتمد على الطريقة التي يستخدم الناس فيها الماضي للتنبؤ بالمستقبل. أحيانا، قد يفسر الناس تحركات الأسعار على أنها «اتجاهات عامة» نستطيع أن نتوقع استمرارها. هذا يسمى «توقعات أو آمالا استقرائية من الماضي إلى المستقبل». إذا سبق وأن شاهدتَ الصحفيين الماليين يرسمون أسهما ملونة كبيرة على الرسوم البيانية الخاصة بالأسهم، ستعرف مدى سهولة التوصل إلى هذا النوع من الاستدلال. ومثال آخر ورد في فقاعة قطاع الإسكان الأخيرة في الولاياتالمتحدة (في عام 2008)، حيث افترضت الكثير من نماذج السندات المدعومة بالقروض العقارية أن أسعار المنازل سوف تواصل ارتفاعها. حين يفكر بعض المستثمرين بهذه الطريقة فإن بإمكانهم التأثير على المزيد من المستثمرين والضغط عليهم (نفسيا) بشكل مؤقت، ما يتسبب في حدوث تقلبات فقاعية في أسعار الأصول. ربما افترض المستثمرون الصينيون أن الأسهم المرتفعة كانت هي «الأمر الطبيعي الجديد» من النوع الذي يمكن أن نتوقع استمراره. وهناك نظرية رابعة، وهي تستند إلى فكرة أن المستثمرين الجدد سوف يأتون معهم بطلب متجدد، وقد يكون من الصعب التكهن متى ستنتهي طفرة الطلب الجديد (لأنك لا تعرف العدد الفعلي للمستثمرين الجدد القادمين إلى الساحة). إذا توصل أشخاص مختلفون إلى افتراضات مختلفة حول عدد المستثمرين الجدد، هذا سيتسبب في جعل الأسواق تتجاوز قدرتها ومن ثم تتعرض للانهيار. تمتلك الصين الكثير من الناس الأغنياء حديثا، وكثير منهم ربما كانوا مستثمرين لأول مرة، هربا من الانهيار البطيء في فقاعة قطاع الإسكان في البلاد. لذلك، هنالك كثير من النظريات التي تفسر وجود الفقاعات، لكن لا يوجد إجماع أو توافق في الآراء حولها بعد. يعتمد الكثير من تلك النظريات على معرفة الأفكار التي تدور في رؤوس المستثمرين، وهو أمر صعب (رغم أن الاقتصاديين يحاولون). لكن هنالك دلائل يستطيع المستثمرون استخدامها للمساعدة في تحديد مخاطر الفقاعات المتصاعدة. الدليل الأول هو المغالاة في تقدير قيمة الأسهم بالنسبة للأرقام التاريخية للسهم، التي تتعلق بمضاعِفات السعر إلى الأرباح. والثاني هو التغيير في القوانين التنظيمية على نحو يسمح بحدوث تدفق مفاجئ للمستثمرين الجدد في الأسواق. أما الثالث فهو وجود قصة تبين لك أن «الأمر مختلف هذه المرة» - وهي عبارة عن ذريعة عقلية للناس لكي يعتقدوا أن الارتفاعات الأخيرة في الأسعار سوف تستمر للأبد. لكن كما لاحظ كثير من الناس ودفعوا ثمنا باهظا لذلك، فإن «الأمر لا يختلف أبدا»، لا هذه المرة ولا غيرها. لكن لاحظ أن تلك المؤشرات لن تمنحك القدرة على معرفة توقيت حدوث الفقاعة بشكل دقيق، وإنما هي أسباب وجيهة تدعوك لتوخي الحذر. أما بالنسبة للصين - حسنا، إذا كنتَ قد اشتريتَ في ظل الفقاعة الحالية، ربما يكون قد فات الأوان الآن، لأنك لا يمكن أن تسترد المبلغ الذي دفعته ثمنا للأسهم.