تبدو وظائف التعليم أحيانا وكأنها وظيفة من لا وظيفة له، حيث تم حشوها بالخريجين في غير تخصصاتهم لمجرد التوظيف، وتلك عشوائية مهنية ووظيفية لا تعالج البطالة ولا تسمح بتطوير قدرات الذين يتم توظيفهم، وفي الخاتمة نبقى كالذي يحرث في البحر، فلا نحصل على تعليم جيد أو خريجين من المؤسسات التعليمية على نحو متميز، لأن الأمر يصبح بيد غير أهله. المؤسسات التعليمية يعمل بها معلمون من خريجي كليات التربية والمعلمين ويمتلكون الأدوات والمهارات المنهجية والعلمية للتدريس والتعامل مع الطلاب بحسب مقتضيات علم النفس التربوي، ولا يمكن أن يكون التعليم محلا لإيداع، إن جاز التعبير، الخريجين الذين تتجول بهم وزارة الخدمة المدنية بين المرافق لتوظيفهم وإخلاء مسؤوليتها من توظيفهم التوظيف الصحيح في المكان الصحيح. وزارة الخدمة المدنية بصدد توظيف نساء في آلاف الوظائف التعليمية، وذلك أمر مطلوب أن تجد الباحثات عن عمل فرصة وظيفية، ولكن هل شهاداتهن تتناسب مع التعليم؟ إن لم يكن الأمر كذلك ففيه تضحية بهن وبالتعليم، فنحن نطالب بتوظيف الخريجين في أي تخصص ومكافحة البطالة في أي موقع يوجد به باحثون عن عمل، ولكن من الأفضل أن يتم ذلك بصورة إدارية وتنظيمية دقيقة، وليس هروبا للأمام من تحمّل مناشدات الخريجين الذين ينتظرون الوظائف. متى توظف شخص في غير موقعه فإن فرص تطوير ذاته تصبح قليلة فهو لم يقض سنوات البكالوريوس من أجل أن يصطدم في النهاية بواقع يختلف تماما عن طموحاته، ذلك لن ينجح معه ولا مع الجهة التي يعمل بها، كما أن الوظائف التي تتم اتاحتها ليست فراغا يجب تعبئته وحسب، إنها تعني طموحا ومستقبلا وابتكارا وتطورا، وذلك يفقده الموظف فور مباشرته للعمل في وظيفة لا تتفق مع دراسته. المفارقة بين الدراسة والحياة العملية توجد عدم اتفاق في ذات الموظف، ففي الوقت الذي يعمل فيه المهندس في مجاله الهندسي، والطبيب في مجاله الطبي، والقانوني في مجاله القضائي، فإن اختلاف التخصص لا بد وأن يحدث ارتباكا وعدم اتزان ينعكس في تواضع الأداء وضعف التطوير المهني والوظيفي، إلا بقدر تكيّف الموظف مع عمل وتجربة جديدة بالكاد يكسب منها رزقه. من المهم أن نحقق الانسجام فيما يعرض من وظائف وقدرات وشهادات الذين يتم توظيفهم، والتعليم من الحساسية بحيث لا يقوم به إلا الخريجون المعنيون بالعمل فيه، فهو ليس مجرد سبورة وطبشور ومنهج يمكن حفظ حصصه بظهر غيب وإنما هو رسالة وسيكولوجية في التعامل مع الطلاب، ففضلا لا تجعلوا الباحثين عن وظائف ضحايا لطموحاتهم وأحلامهم العملية. كاتبة