يقال والعهدة على الراوي في الويكيبيديا إن «التلوث هو إدخال الملوثات إلى البيئة الطبيعية مما يلحق الضرر بها ويسبب الاضطراب في النظام البيئي، وهذه الملوثات إما أن تكون مواد دخيلة على البيئة أو مواد طبيعية ولكن تجاوزت مستوياتها المقبولة». واقعاً فإن التلوث لا ينحصر في شكله المادي الكيميائي أو الحيوي فقط بل يتجاوز ذلك إلى غيره من الملوثات المعنوية التي لا تقل ضرراً وخطراً في تأثيرها الفتاك بالمجتمعات الإنسانية، بل إن قوة التدمير التي تمتلكها الملوثات المعنوية أقوى بمراحل من تلك المادية وهي كفيلة بإبادة مجتمعات إنسانية بأكملها من على الوجود كما أخبرنا بذلك التاريخ عبر العديد من الآيات القرآنية وغيرها من قصص التاريخ ورواياته! الممارسة العنصرية أو الطائفية هي إحدى تلك الملوثات المعنوية التي ما إن تدخل إلى نظام اجتماعي إلا وتزعزع من تماسكه الداخلي وتفتت نسيجه الإنساني حتى ينهار تدريجياً وتفتك به. النظام الطبيعي لهذه الحياة هو الاختلاف والتنوع والتعدد فلم يخلق الله البشر ككتلة واحدة متماثلة، بل حتى عوالم الحيوان والحشرات والنبات تخضع لقانون التنوع والتعدد، ولما أن كّرم الله الإنسان بالعقل وحباه بنعمة الإدراك وجعله ولياً في التصرف بواقعه وبما حوله فإنه جعله أقدر على إدارة تلك الاختلافات وأقدر على تقييم ما يضره وما ينفعه حسب ما تقتضيه مصالح وجوده وبقائه. من جانب آخر وكفطرة إنسانية نرى أن البشر يميلون إلى من يماثلهم من أقرانهم أكثر من أولئك المختلفين عنهم ولذا نرى أن التجمعات الإنسانية على مر التاريخ تبنى على قاعدة الانتماء بناء على المشتركات الإنسانية الغالبة من قبيل العرق والعقيدة واللغة وغيرها، إلا أنه ومرة أخرى ومهما زاد محيط تلك المشتركات فإن الاختلاف كواقع سنة إلهية لا مفر منه حتى في داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة ونحن نقول في المأثور الشعبي إن «أصابع اليد الواحدة غير متساوية»! إذاً ما المشكلة في هذا التنوع والتعدد؟ وما الجانب السلبي منه؟ وبالرجوع إلى تعريف التلوث الوارد في صدر المقال وتحديداً الجملة الأخيرة منه يمكننا الإجابة عن هذا السؤال وهو «وهذه الملوثات إما أن تكون مواد دخيلة على البيئة أو مواد طبيعية ولكن تجاوزت مستوياتها المقبولة».. ولكن تجاوزت مستوياتها المقبولة!.. زيادة الملوثات عن المستويات المقبولة من التعنصر إذا صح التعبير هي المشكلة هنا، فلا ضير أن أحب قبيلتي وعائلتي ومنطقتي وطائفتي بل حتى النادي الرياضي الذي أشجعه أكثر من غيرهم، لا مشكلة هنا فأنا إنسان لا بد لي من انتماء وهوية تميزني عن غيري ولي مبادئ وقناعات مستقلة ولكن بالمقابل أيضاً يجب أن لا يزيد هذا الحب عن المستويات المعقولة التي تؤدي زيادتها إلى إلغاء الآخر المختلف وسلب حقه في الاختيار. وبالمنطق الرياضي فإن العامل المشترك الأكبر للنسيج الاجتماعي بتنوعه وتعدده يجب أن يكون المكان الجغرافي الجامع له ألا وهو الوطن الذي يمثل البيت الواحد الذي يعيش فيه المجتمع والذي يجب عليه وبجميع مكوناته أن يحافظ على سلامته وتماسكه، وكلما ارتقى المجتمع بفكره فإن المشتركات بينه سترتقي وتكبر هي الأخرى. همسة: نحن جميعا سنة وشيعة ابناء دين واحد، نعبد ذات الرب ونؤمن بذات النبي وبذات الكتاب، اختلافنا ينحصر في الفروع وفي بعض التفسيرات الاجتهادية للفقه، مصيرنا في النهاية واحد هو الآخر، وإذا ما استثنينا العنصريين والطائفيين وأرباب المصالح السياسية الصغيرة من كلتا الفرقتين فسنجد أنهما عاشا لقرون دون أن يهدما وطناً أو يدمرا أرضاً أو شعبا! * كاتب