الأرض هي بحر في اليابسة، تتلاطم عليها أمواج من ذوات الأرواح، والإنسان عليها هو صاحب القرار في صياغة ما يدور حوله، يريد وما لا يريد الوصول إليه، بواسطة الظروف والأحداث المتتالية، قرناً بعد آخر، وفي هذا قال محمد قطب: (إن العصور الوسطى كان الثبات هو الطابع المسيطر على الحياة كلها في الغرب، وكان العالم الإسلامي قد أخذ دوره في النشاط، ثم أخذ يركن إلى الهدوء أو إلى الركود التدريجي البطيء).... حيث إن الثبات ذو ثقة في النفس، ورزانة في زمن لم يعرف ما هو التطور سوى التغيير، لأن التطور يلغي فكرة الثبات على ما اعتاد عليه الإنسان، حيث إن التطور هو انفلات بلا قيود وانطلاق بلا حدود، وينقل الإنسان من عالم بدائي إلى متحضر مندفع نحو المؤثرات المحيطة به، البعض أخذته العزة بالإثم والآخر لا يزال على الثبات الذي لم يصدهم عن التطور، والحياد عنه لما تحتمه الحاجة والضرورة الماسة التي ليس عنها مناص، فيما يخدم الصالح العام في تقدم الإنسان في مجالات الحياة، لما يرى أن التطور هو الرصيد الوحيد في التقدم العلمي الاستكشافي والاختراعي الذي يشكل الفناء والبقاء للبشرية إلا أن التطور شر لابد منه حسب مقتضيات لوازم الحياة، وأنه ليس حكرا على مجتمع دون آخر مهما كانت ميوله الدينية، وكان دستوره الشرعي أو الوضعي الذي لا يخلو من الاضافات غير السليمة، والذي في هذا الحال هو تطور إفراطي، وهو تجاوز الحد عن الثبات كالمفاسد الاجتماعية التي يعاني المجتمع، ممن لا يدين بالدين الإسلامي. ومما جعله مجتمعا هابطا، وإن الحياة عندهم لها أساس ديني، وإن الدين الإسلامي في عصر الحضارة، إنما هو دين رجعي، والتدين تخلف، ولم تعد تحتمل العودة إلى الوراء، لكن التقدم العلمي في أي مجال سام لأي أمة أن يقف عائقا في وجه التطور الإيجابي الذي يمقت التطور السلبي الذي أصبح فيه الإنسان عضوا مشلولا عاطلا عن العمل بسبب سيطرة الآلة لإدارتها في أساليب الإنتاج في مجال الصناعة والزراعة والإدارة والاتصالات وفي كل الأمور، وفي هذا، قال الفيلسوف الأمريكي ديورانت: (إننا أغنياء في الآلة فقراء في الأغراض). كل ما تقدم ذكره، كان يقوم به الإنسان منذ الأزل، إلا أنه أصبح بعد تلك الاختراعات يضرب الأرض هنا وهناك، بحثا عن عمل، ولو دوني يحفظ له شرفه، لكي يقتات منه، وتأمين مستلزماته في زمن كثرت فيه مغريات اللعب الخفي، للغوص في أعماق عالم الجريمة بشتى أنواعها من أجل الكسب اللا مشروع. لا أريد ذكرها، وهي طافية على السطح لغزارة أسمائها وشناعة فعلها، وما أثرته على المجتمع بسبب التطور الذي هو سلاح ذو حدين، شأنه شأن أي أداة تستخدم منها الحسن والسيئ المؤدي إلى سبل الرذيلة والانحطاط في الفكر والسلوك والاخلاق، هذا ما أوردته مقولة شهادة القرن العشرين على لسان اليهود الثلاثة مادركس وفورويد ودركليم بقولهم: (هذا الجيل من البشرية إنه حين ينفلت من إطار الدين وينسلخ من قواعد الأخلاق في مسائل الجنس على الخصوص، ويأبى التقيد بشيء على الاطلاق مما كان في الماضي حين يصنع، فهو يتطور أي يرتقي ويتقدم إلى الامام). وذلك بالإباحية، بإقامات صداقات وعلاقات محرمة مع الغير وإحداث موضات تخرج المرأة وخاصة المسلمة، هذا ما يريدون من حيائها وعفتها التي تتحلى بها، وهذا بيت القصيد وديدنهم وما عمله التطور من إحداث ثورة معلوماتية من وسائل التواصل الاجتماعي الذي يكثر فيه الهرج والمرج والكذب واستباق الأحداث من البعض قلما تكون صادقة، والتي منها تثير العداوة بإفشاء الأسرار وما نتج عنه بعدم التواصل اللقائي خاصة بين الأقارب والأرحام والاكتفاء بالتواصل اللامرئي وفقدان الأجر العظيم مما يثير القطيعة حتى أحلك الظروف وما أمر الله التواصل بها وعقاب قطعها في قوله تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)سورة محمد آية 22، 23. فهل نعي أن نتطور في كل ما هو في الصالح والمفيد في ظل التشريع الإسلامي ونحيد عما هو مناقض له والله يريد بنا خيرا.