تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    سجن سعد الصغير 3 سنوات    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    فصل التوائم.. أطفال سفراء    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    ألوان الطيف    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(( الشيطان الثالث )) - الحلقة الأولى-
نشر في عاجل يوم 22 - 07 - 2013

لماذا تحول القطاع الخاص في الدول التي تتبنى النظام الرأس مالي إلى مصدر للبؤس والفقر والجوع لمواطنيه بينما الهدف من تشجيع القطاع الخاص مشاركته في التنمية التي تنعكس أخيراً إلى رفاهية المواطن وذلك بمشاركة المواطن نفسه ؟ لماذا تمادى القطاع الخاص في تخريب الوطن وسحق المواطن , وبالتالي صار هذا الإخطبوط القاتل ينخر في هيبة الدولة نفسها معرضاً النظام برمته إلى مهب الريح وتحت تهديد المواطن نفسه ؟
حتى وصلت الأمور بالدولة إلى أن أصبحت رهينة المحبسين؟ ما هو مصير الأنظمة التي تناست القطاع الخاص وتركته ينهب قوت المواطن بلا رحمة ؟ بل ما مصير القطاع الخاص نفسه عندما يلتحم المواطن مع الدولة في معركة دامية سيكون القطاع الخاص والرأس مال برمته هو الضحية الثالثة بعد الدولة والمواطن ؟ وهل فعلاً القطاع الخاص انتفخ كثيراً إلى الحد الذي استطاع أن ينجح ويقسم شعوب الأرض إلى أكثرية فقيرة لا تملك , وأقلية تملك الأشياء كلها , و صار الآن معتقلاً لتصرفاته و وجد نفسه لا يستطيع فعل أي شيء مثل حكوماته ؟
كل هذا وأكثر من الشرور والبؤس والجوع والمرض التي بدأت تحتاج الشعوب بسبب مراهقة الرأس مالية وسطوة القطاع الخاص.
دعونا نتتبع هذا القطاع وأمة الرأس ماليه وجدته "المُلكية الفردية" التي ولدت من رحم الإنسان نفسه وصارت مولودة شيطانية ومنذ اكتشفها الإنسان وأرضعها ورعاها وبنى أخلاقها وقيمها حتى صارت مولودة عاقة بدأت تأكل إنسانها الذي اكتشفها , دعونا نتتبع
مراحل حياتها منذ ولدت حتى الآن متابعة تاريخية حتى نفهم عدونا جيداً ونتمكن في النهاية من الانتصار عليه . ما يحدث الآن في ربيعنا العربي , وبوادر الرفض الشعبي الأمريكي التي بدأت تظهر لنا ما هي إلا إرهاصات الحرب . حرب الأكثرية الجائعة على الأقلية المتنفخه.
دعونا نسمع :-
إن هذا الكائن الجميل الذي ظهر على هذا الكوكب الجميل , خُلق بسيطاً لايحتاج إلا أن يأكل ويتكاثر جنسياً , ينزل من الكهف عندما يشعر بالجوع ويسير على الأرض يأكل من كل نوع يعجبه حتى يأتي آخر النهار وقد شبع وملأ بطنه , ثم يلتفت يميناً أو يساراً يبحث عن ظل شجرة أو كهفٍ قريبٍ يتمدد به وينام قرير العين دون أن يشغل باله شيء , حتى عندما تبدأ خيوط الصبح تضفي على المكان من حوله حتى يستيقظ وقد ملأ جسده راحة إضافية , ثم ينهض مرة أخرى يضرب في مناكب الأرض ، يتمتع بما وهبته له الطبيعة , لم يتعلم بعد من الأصوات إلا صوت الضحك والسعادة , يضحك بكل جسده عندما يشبع من الأكل وممارسة الجنس دون أن تشوب ضحكته أي علامة أو رمز يدل على أنها مصطنعة أو تُخرمن الألم والأحزان كما هي ضحكاتنا اليوم ، هذه الضحكات الذليلة المستعبدة , دون أن نرى فيها أي ملمح من ملامح الحرية والحب , ما نشهده الآن من تلك الضحكات الصفراء ليست هي ضحكات الإنسان الأول الذي لا يريد أن يملك شيئاً حتى الملابس التي تستر جسده لا يريدها ولا يُفكر فيها , يموت كما ولد هكذا بلا أشياء تخصه حتى لايحتاج إلى إنسان يدفنه إذا مات . بل تُترك جثته للطيور تستفيد منها. هكذا كانت قصة "هابيل وقابيل" .. أوضح صورة لهذا المشهد الإنساني الملائكي الذي صنعه الخالق على هذه الصورة منذ نزل من بطن أمه , بلا فواتير تنتظره أن يسددها , أو ينتظر
صندوقاً عقارياً يهتف باسمه . إنها الحياة الطبيعية في أبهى صورها وهي تتجلى على الأرض بصورة هذا الإنسان اللغز.
توالت السنون والدهور والعصور والأزمان المليونية والإنسان اللغز على هذه الحالة لم يتغير شيء في عقله , ولم يقم بأي مبادرة لتغيير الحالة التي وجد نفسه بها , ولم يحاول العبث بالطبيعة , لا بل لم يحاول أن يستقر في مكان أو يبني له بيتاً ولا يريد ذلك لأن الاستقرار يجعله لا يتمتع بأرجاء الكون الرحب الذي وجد لسعادته بل يريد أن يسير ويسير من ربيع إلى ربيع ومن صورة طبيعية وردية إلى صورة أخرى بنفسجية . هو يريد كل الكوكب الأزرق ملكيته الخاصة , ولا يريد "كنتوناً" يحصر نفسه فيها . هو يريد أن لا يصل إلى نهاية الأملاك . بل يريدها لا تنتهي , يقطع الأرض مشياً على الأقدام دون أن يشعر أنه يدور معها . هو يريد مساءً واسعاً لاتنتهي نجومه إلى حد معين, هو يسعى دون أن يدري أن هذا السعي الهدف منه البحث عن الخالق كما كان آدم وأمنا حوى يسعيان دائماً في البحث عن المصدر , عن النقطة التي انطلقوا منها أول مرة , ليعودوا إلى أحضان الرب مرةً ثانية , سعياً لا يستطيع هو نفسه أن يبرره هو يسعى وكفى , مادام أنه سعيد , هو يريد أن يذهب إلى منتهى السعادة , كلمة أنا هنا لا يريد أن يسمعها يريد أن يسمع أنه في كل أملاكه , وعندما يموت لا يبكيه أحد, تتركه البقية وتذهب , وربما يدوسون على جثته إذا كانت جاثية في طريقهم (( لماذا تموت هنا ؟ ولماذا لم تمت هناك بعيداً عنا )) ((نحن لا نريد أن نبكي , نريد أن نضحك دائماً ولا حتى نريد أن نرقص على قبرك كما تفعل كل القبائل الأفريقية التي تخطت طبيعتها)) عندما أموت في الزمن الأول فإنهم لا يخلون المكان من الجثة. بل هم يخلون أنفسهم من المكان النتن بعيداً لا يحتاجون إلى البكاء , "نبكي على من" ؟ لدينا الكثير منه. يعرفك القطيع بحدود جسمك ولا يريدون أكثر من ذلك لا يريدون " لا فخامة ولا صاحب سعادة. أنت رقم زائد من أرقام القطيع فمت حيث أنت ومن تكون . (( طز طز والف طز )). الفخامة وصاحب السعادة لا تليق بالخير وإنما تليق بالشر , وماهي إلا مصطلح من مصطلحات الشر , ابتكرها الإنسان الشرير ليضفي على قداسته شكلاً من أشكال الشياطين والطواغيت وقطاع الطرق.
هكذا كان الإنسان الأول , الجسد والروح والسعادة فقط , يريد أن يضحك دائماً ويغرد دائماً ويُجامع دائماً , ويستلقي دائماً بلا "قرف التفكير" الذي هو بحد ذاته إهانة للإنسان لا يريد عقولاً ومعتقلات تأسره , يريد كوناً واسعاً يلعب فيه , حتى يشبع من اللعب ويموت ويخلي الموقع للاعب آخر يأتي من صلبه ويمسك عصى المضمار.
كل ماتشتهي من (( الإترنج والموز والكيوي )) ثم اسكر حتى يتورم عقلك ثم جامع بما تشتهي من الورود التي حولك ثم نم قرير العين حتى يأتي الصباح لتعاود الكرة من جديد. مرت رزم من ملايين السنين والإنسان على هذه الحالة . والأرض تعطي بكرم حتى جاء دهر من الدهور , بدأت الأرض تبخل بعطائها , وتخفي رزقها في باطنها وتتوجه الأمطار إلى مواقع جديد. وبدأ الإنسان يتكاثر نتيجة الجماع الجائر فصارت الأرض لا تكفي لإعالة ساكنيها. فضاعف الإنسان ركضه حتى يعثر على أرض بكر لم تنتهك بكارتها بعد , حتى جاء على كل الأبكار وهو يطلب المزيد ليطفئ نهم الجوع اللعين . أشتد تنازع الإنسان مع الإنسان والكائنات الأخرى على موارد الرزق , فبدأت رحلة الشقاء و البؤس تؤثر على الإنسان وشوهدت في مواقع كثيرة الضحكات الصفراء و ابتسامات الشر وهي تُكشر عن أنياب تشبه أنياب الأسود وربما الشياطين.
اكتشف الإنسان صدفه عندما كان يأكل من أحد سرقاته من الإنسان الآخر أن بذرة هذه السرقة التي أكلها و أخفى بذورها تحت الأرض حتى لايكتشفه المخربون من أفراد البحث الجنائي ، وعندما عاد بعد مدة من الزمن إلى هذا المكان ليتأكد هل اكتشفت سرقته , وجد البذور التي دسها تحت الأرض صارت أشجاراً وقد أثمرت , وهاهو لأول مرة يكتشف الزراعة وينجح فيها ليؤمن ما يحتاجه. وقد قام هو وجماعته من العائلة الكريمة في حراسة الأرض حتى لا يسرقها أصحاب السعادة من الجماعات الأخرى ، وجد نفسه أخيراً أنه صار يزرع أكثر من حاجته , ففكر بتخزينها للدهور القادمة ربما يحتاج إليها.و لأول مره يستقر الأنسان في الأرض بدل الترحال المستمر , وهذا الاستقرار الذي أُجبر عليه نتيجة من نتائج زراعة الأرض. ولكن اللصوص كثيرون و يأتون على شكل جماعات, يغيرون على المزارع والمخازن ليلاً أو في وضح النهار إذا كانوا أقوياء. واجهت الأنسان معضلتان نتيجة تحوله إلى مُزارع . ومن هذه المعضلتين , فُرضت عليه حراسة الأرض , وهذه الحراسة تحتاج إلى حُراس أقوياء , وقيادة حكيمة تقود أولئك الحراس, والمعضلة الأخرى حاجته إلى الأدوات التي يستعملها في الزراعة .
القيادة أفرزت دكتاتوراً طاغية لايستمر حتى يبسط هيمنته على المجموعة كلها ثم يعجب بنفسه أخيراً ويستولي على كل شيء ويضطر أخيراً إلى تسخير الجماعة يعملون تحت إمرته ويزرعون له أملاكه. والمعضلة الأخرى وهي حاجته إلى وسائل لممارسة الزراعة نتج عنها بداية عصر المهنة غير الزراعة ومن هاتين المعضلتين ولدت ( المُلكية الفردية ) ومحاولة الإنسان أن يملك أشياءه , والطاغية ملك المنطقة بما فيها . فعرف الإنسان لأول مرة في تاريخه أن يملك وتبدأ حينها مأساة الإنسان الحقيقية وهي الصراع على ( المُلكية الفردية ) التي أفرزت حروباً ونهباً وعدوات مستمرة بين الإنسان وأخيه الإنسان . في ذلك الزمن
ولدِت أم الشياطين التي أنجبت هي بدورها مولودتها الشيطانة " الرأس مالية " وهذه البنت اللعينة أنجبت القطاع الخاص ) الشيطان الأكبر.
عندما بدأ الإنسان يشعر بالمأساة والاستعباد ومنعته تلك القوى الغاشمه أن يستثمر مازرعه مما أدى إلى انتشار الجوع والمرض والبؤس وصار ينظر إلى هؤلاء الطواغيت يهيمنون على كل شيء وهو ينظر إليها ولا يستطيع أن يستثمرها أو تعود إليه سوى لقمة صغيرة تُعطى له مقابل عَملهُ في الأرض.
بدأ الإنسان يبحث عن مخرج ينجيه من هذا" البطل" الذي كان يحميه قبل هذا وهاهو الآن يتحول إلى مالك لكل شيء. راح الإنسان يبحث عن بطل جديد ، بطل من نوع آخر غير الإنسان الذي ساءت أخلاقه . ذهب إلى الطبيعة ، إلى الأرض والسماء والشمس والكواكب والنار يفتش بين زواياه عن بطل يحميه وينقذه من تلك ( المُلكية الفردية ) الوقحة . جلس عند باب كهفه يتأمل في الأشياء لعله يجد البطل حيث توصل أخيراً إلى أن البطل يوجد في مكان أخر وليس في البشر . من يأتي بالبراكين والزلازل ، لا بل البطل يوجد بين ثنايا القوة والطاقة في الشمس والقمر والنار والبحر . فصار يعبد كل هذه الأشياء ويدعوها أن تنجيه من شرور هؤلاء الطغاة فتحول الإنسان لأول مرة في حياة العبثية إلى الخوف من الطبيعة, وأنها هي السبب الرئيسي لظهور الطاغية البطل لأن الطبيعة تعاقبه.
وفي هذا الجو المحموم بكل العذابات التي يشاهدها الإنسان تستمر دون ردعها من قبل الطبيعة بدأ مناخ الإنسان النفسي يترقب وينتظر لشيء ما سوف يأتي لخلاص الإنسان وإنقاذه من هذا البؤس الذي يسحله كل يوم. بدأت ملامح السعادة تختفي وبدأت رسوم
الاكتئاب تظهر على مُحياه , وسادت لغة البكاء بدل الضحك . قدم لآلهته التي يعتبرها البطل المنقذ في وجهة نظره كل شيء حتى ضحايا بشرية قدمها لهذه الآلهه يحثها على التحرك.
أٌرسلت الرسل الذين وحدوا الإله. وصاحت بالجماعات قائلة لهم أن ربكم الذي تنتظرونه مُوجود هناك بالسماء وهو إله واحد وليس آلهة متعددة فاعبدوه.
في بداية الأديان السماوية الجديدة على حياة الإنسان حاربت الطاغية, وأنقذت الإنسان من العبودية وعادت الأرض للإنسان يستفيد من محصولها.
وتوزعت "المُلكية الفردية" على الضعيف والقوي. كل يستطيع أن يملك ما يستطيع عليه . استمرت الأمور تراوح مكانها مرةً ينتصر الطاغية ويستعبد الإنسان ومرةً أُخرى يقضي الإنسان على الطاغية ويستعيد ملكيته من جديد. خرج إلى الميدان طاغية آخر وهم رجال الكهنوت, الذين تتلمذوا على تعليمات الرسل وصارت الكنيسة أو المعبد تمارس هي الأخرى استعبادها للإنسان وخاصة عندما تحالف الكهنوت مع الطاغية الأخر المتمثل في الملوك والأباطرة ضد ذلك الإنسان البسيط , الذي تحول إلى مجرد آله يستغلها الطاغوت في زراعة أرضه, ولأجل أن يستمر الطاغية المتمثل في رجال الكهنوت والملك , خرجت فتوى تحتقر كل المهن والصناعات الأخرى غير الزراعية , حتى لا يهرب الناس ويتسربون من زراعة الأرض ويتركون أملاك الطاغية بلا خدمة, يعملون بلا أجر معلوم بل ربما بوجبتهم اليومية فقط وهكذا تطور" الإقطاع" وكانت قرى كاملة وضياع كثيرة بما فيها من زرع وضرع وإنسان إلا أملاك للدكتاتور والكهنوت . وكان الإنسان الذي يعمل بالتجارة أو الصناعة أو أي مهنة أخرى غير الزراعة هو إنسان منبوذ أو غريب أو مُشرك , ومن لا
ينتمي إلى طبقة العبيد وهم الأكثرية التي تعمل بالزراعة أو من طبقة رجال الكهنوت , أو طبقة الفرسان "النبلاء" أومن طبقة "الملوك" , فهو منبوذ .
كل هذا يحدث والطبقة ( البرجوازية ) طبقة رجال الأعمال والمال والصناعة لم تظهر بعد وتكون مؤثرة في حياة الناس . استمرت الأمور في كثير من بلدان الكرة الأرضية على هذا المنوال , وهذا على الأقل ما فهمناه عن أوربا مع شيء من الاختلاف البسيط في بقية شعوب الأرض , مثل المصريين الذين يعبدون الملك مباشرة وكذلك في شرق آسيا كاليابان . بينما الجزيرة العربية تاريخها شبه مجهول لعدم الأدلة الكافية التي تعتمد على الآثار , كانت الأسطورة فقط هي التي تتكلم عن هذا التاريخ المتضارب , ماعدا في فترة الإسلام التي حددت حركة الاقتصاد .
تاريخ اليمن شبه معلوم لأن الشعوب اليمنية مستقرة تمارس الزراعة وقد دخلتها الديانة النصرانية عن طريق الحبشة ومن ثم الإسلام .
هكذا كان العالم يسير , وهكذا كان البطل هو الطاغية المهيمن وما كانت البشرية سوى عبيد يسهرون على رفاهية الطاغية ,
-كتاب قصة الحضارة للمؤرخ "ويل ديورانت" , وتتكون من أثنين وثلاثين مجلداً يستطيع أي منا أن يطلع على حركة الإنسان منذ وُجد .
جاء المصلحون والأنبياء جميعهم , وحتى الوثنيات" الطوطمية" لقمع البطل والوقوف أمام طغيانه وتحرير الإنسان من المجاعة والاستعباد والظلم ولكن لا تكاد الأمور تستقر حتى يعود البطل الدكتاتور لممارسة هيمنته على الإنسان. وها هو الكهنوت بالتضامن مع الدكتاتور يعمل بكل طاقته ضد الإنسان حتى وصلت الأمور إلى أن الكهنوت راح يمنح
البشر "صكوك الغفران" وهي أوامر لدخول الجنة مادام هذا الإنسان ينفذ أوامر الكنيسة والطاغية في أوربا. كل شيء يدخل إلى خزينة البابا والإمبراطور , وما على الإنسان الصغير إلا أن يأخذ ما يسد رمقه فقط. كلهم عبيد وكلهم يزرعون للطاغية. لا يوجد مدن في أوربا يمكن أن يقال أنها مدن وإنما ( كنتونات ) وتجمعات صغيرة, لأولئك المنبوذين الذين يصنعون ويمارسون التجارة.
جاءت ساعة الصفر:-
عندما قرر الكهنوت وأباطرة أورباء غزو العالم بهدف إنقاذ البشر من الكفر ونشر الديانة المسيحية , هذا في ظاهرها ولكن كانت الغاية لمختفية هي نهب العالم . ارتكب الكهنوت غلطة مميتة بسبب هذه الخطوة التي أ قدم عليها .
دعونا نسمع ما حدث .
انشغل الكهنوت والأباطرة في غزو العالم . نتج عن هذا شيئان خطيران. وذلك عندما استخدم المزارعون كجيوش يفتحون بها العالم . ثم نقصت الأيدي العاملة في الزراعة وبدأت الزراعة تتدهور. وساءت حالة المزارع إلى الحد الذي ترك ميراثاً من جيوش الفقراء يتضورون جوعاً وتحولت نقمة هؤلاء ناحية الكهنوت . ترك الكهنوت المجال فارغاً للمصلحين والمفكرين والفلاسفة يعملون على إنهاض الشعوب وتأليبهم الناس على رجال الدين ( الكهنوت ) مما أدى إلى تجمع الناس حول هؤلاء المفكرين للبحث عن الخلاص عندها حصلت الحروب الأهلية الدينية الأوربية نتج عنها انشطار الديانة المسيحية إلى شطرين ( الكاثوليكية –والبروتستنت ) مثل ما انقسم المسلمون في زمن الفتنة إلى ( سنة – شيعة ) . اكتشف المفكرون ( العقل ) وكتبوا للناس أن هذا العقل هو البطل الحقيقي
الذي تبحثون عنه وهو المنقذ الوحيد لكم من الكهنوت . وأن الكهنوت ليسوا هم البطل وإنما هو بطل مزور يتلبسه هؤلاء الذين جعلوكم تعبدونهم وتدفعون لهم كل شيء.
استمر القتال الفكري والإرهابي أحياناً بطرق جدليه وغير جدلية . بين الكهنوت والمفكرين الذين اكتشفوا المنقذ الحقيقي " حسب وجهة نظرهم"
نجح المفكرون في تدريب الناس على استخدام العقل في جميع أمورهم وعلموهم كيف يفكرون بعقولهم بدل تلقي شؤونهم من أولئك الكهنوت وطلبوا من الناس أن يفكرون بدل أن يجعلوا أحداً يفكر لهم .
الخطأ الثاني الذي ارتكبه الكهنوت . أن الطبقة المالية التجارية والصناعية بدأت تنموا وقد استفادت من غزو العالم في تأمين الأسلحة لتلك الجيوش الجرارة , وجلب بضائع من تلك الأراضي المحررة . فبدأ التبادل التجاري ينمو ويتضخم في غفلة من الكهنوت حتى تحول إلى قوة لا يستهان بها صارت تتحدى الكهنوت وتسحب المتمردين من الفلاحين للعمل معهم حتى تكونت الطبقة الثالثة الخطيرة في المجتمع الأوربي وهي الطبقة ( البرجوازية ) "رجال المال والأعمال" التي استفادت كثيراً من تلك الأسواق الجديدة التي أمنها لهم الغزو . جذبت الطبقة البرجوازية المفكرين لصفهم ودعموهم وقاموا بحمايتهم للاستفادة منهم في حربهم مع الكهنوت والأباطرة المتحالفين معاً. بدأ العقل يعمل على قدم وساق . وصار الإنسان الأوربي يفكر بعقله عندما تعلم من الفلاسفة والمفكرين طريقة استعماله ( فكر لوحدك ولا تنتظر الآخرين يفكرون عنك ) وهذا هو شعار أوربا حتى الآن تجده مرفوعاً في مداخل مطاراتهم وأعلامهم وطرقاتهم الطويلة .
ركز الفلاسفة على العلمانية . وقالوا إنها البداية الصحيحة , وهي التي تطلق الدين من قيوده وتجعله حراً . وتحجم سطوة الكهنوت على الدين والبشر وتجعل البابا وكهنوته محصورين في كنائسهم لا يتعدونها , وليس لهم أي سلطة على الناس وأن من يريد الدين فليذهب إلى الكنيسة ويعيش فيها ومن يريد الحياة والدنيا فلديه الدستور المدني والقوانين والتشريعات الوضعية المدنية. وتعني العلمانية بكل تجلياتها ( عزل رجال الكهنوت عن ممارسة السياسة أو العمل بها ) حتى يتحرر الإنسان من سطوة الكهنوتية مباشرة.
صارت الطبقة البرجوازية سعيدة في هذه الفكرة التي فتحت المجال لها واسعاً في تنمية ثرواتها وساعدت على نشرها في كل أرجاء أوربا . ولم يدفع أحد ثمناً لسطوة رجال الدين مثل ما دفعته فرنسا من ويلات وثبور وألم ومآسي وخاصة عندما اشتد التضامن بين إمبراطور فرنسا والبابا . قام الفرنسيون بثورتهم المجيدة حتى استطاعوا ترسيخ العلمانية في دستورهم انتقاماً ونكاية برجال الدين ولهذا لا نستغرب أن الفرنسيين شديدو الحساسية من أي مظهر من مظاهر الدين وردات فعلهم العنيفة لما نشاهد ذلك في تشريعاتهم المتشددة ضد المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى .
اتسعت أعمال البرجوازية , وصارت أسواق العالم جميعها مفتوحة أمامها . ولكن رأس المال الذي نشاء أخيراً من إتحاد رجال المال وتكوين الشركات العملاقة والذي هو أصلاً اشتق من ( الملكية الفردية ) حيث تحول أخيراً إلى شيطان أكبر استعبد البشرية جمعاء. ولكن رأس المال أو الطبقة ( البرجوازية ) تحتاج إلى فكرة أو أيديولوجيا خاصة بها تحميها . وتحمي أموالها سواءً في الداخل أو الخارج لأننا ندرك جيداً أن رأس المال جباناً يهرب بسرعة و عندما يشعر بالخطر أو الهيمنة أو حرف لمسيرته . لذلك تنادى المفكرون والفلاسفة بفكرة " الليبرالية" حماية للاقتصاد والمال ووضع رأس المال هذه اللبرالية
ايدولوجيا خاصة به ، حيث تؤمن له حياةً هادئة يتحرك بها بحرية . إذاً هي فكرة اقتصادية بالأصل. ولكنها أيضاً صالحة للإنسان والشعوب لأنها تهتم بالفرد أيضاً حسب وجهة نظرهم وتنقذ الفرد وتجعله حراً من قبضة الجماعة التي تطالب الفرد أن ينظم إليها وهي من تفكر له وتختار له. فصار هذا العصر هو عصر الفرد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
قال المفكرون إن اللبرالية فضيلة وليست رذيلة وليست ضد الدين بل تحمي الدين ولكن لابد لها من علمانية فلا يمكن أن تنشأ ليبرالية إلا بأرضية علمانية حتى تقوم على أرجلها. قالوا أيضاً إن الليبرالية هي عبارة عن خيمة تظل جميع الناس من الشرور والبطش والإهانة لأنها خيمة تقوم على أربعة أعمدة إذا سقط عموداً لا يمكن أن تنتصب هذه الخيمة . وهذه الأعمدة هي ( الديمقراطية – والحرية – والعدالة – والمساواة ) إذا توفرت تلك الأعمدة قامت الخيمة اللبرالية على أرض علمانية . هذه في الأصل هي مطلب البرجوازية "رأس المال والأعمال" ثم تحولت إلى أن كانت مطلباً عالمياً عاماً وقيمة من قيم المجتمعات المتحضرة الحرة وما من مجتمع طبق تلك المفاهيم إلا وتحول إلى مجتمع آخر خالً تقريباً من الشرور , ولنأخذ مثلاً المجتمع الياباني والهندي الذي هو ليس مجتمعاً أوربي.
نمت الرأس مالية من خلال تطبيق تلك المصطلحات في دولها ومجتمعاتها .
وبدأ نظام "القطاع الخاص" وليد الرأس ماليه يلوح في الأفق منذراً برياح عاتية تجتاح المجتمع الإنساني . ولكن قبل هذا انقسم العالم المتحضر عندما تحرر من العبودية والكهنوت إلى محورين كبيرين . المجتمع الشرقي الروسي والصيني والمجتمع الغربي وكل حاول القضاء على الملكية الفردية أو تحسين ظروفها بطريقته الخاصة.
ظهرت الشيوعية الماركسية التي تقضي على "الملكية الفردية" بشكل نهائي وصارت الدولة هي المالك الوحيد لكل الأشياء , وما لفرد إلا أجير يشتغل لدى الدولة ويأخذ مقابل عمله أجرته الشهرية لا يملك أي شيء حتى الراعي لا يملك عنزته التي يرعاها. وتكونت حكومة العمال وشعارها " يا عمال العالم اتحدوا"
والنظرية الثانية هي الرأس ماليه الغربية التي لا تقضي على الملكية الفردية ولكن تنظمها وتُشرّع لها وتحمي الإنسان منها. وذلك بكثرة القوانين التي تحد من شرورها. وذلك بتطبيق اللبرالية بكل ما تعنيه هذه الكلمة. كما أنها فتحت المجال للمنافسة الحرة وعدم احتكار البضائع أو رأس المال يعني ( تركت الباب مفتوحاً ) على مصراعيه للمنافسة الحرة المضمونة بالقوانين والتشريعات. وظهر لأول مرة سطوة القطاع الخاص المتمثل في إتحاد الشركات والأموال حتى انتفخ وصار إخطبوطاً يهدد العالم. وخاصة عندما بدأ يشارك في التمنية ، وقد شارك الدولة في كثير من أعمالها بما يسمى خصخصة مرافق الدولة . ومن هنا ولد الجيل الثالث من الشياطين بعد الرأس ماليه المولودة من رحم ( الملكية الفردية ) .
إذا هو القطاع الخاص الذي بدأ يفتك في شرايين الأمم ويحول المجتمعات إلى قطيع من الجياع والمرضى والمجانين , ونشر الرذيلة والمخدرات وشراء الذمم , حتى أنه الآن بدأ يسيطر على الدولة وأصبحت هي الأخرى" رهينة المحبسين", بين طلبات المواطن الجائع وفكي القطاع الخاص. حتى تحولت الدولة الآن إلى ضحية أخرى تحت هيمنة رأس المال.
وصارت الدولة الغنية لا تستطيع حل مشاكلها بل تستمر بدفع المال لمواطنيها. وترشَيهم بالوظائف الحكومية التي لا فائدة منها وهذه الحلول مؤقته أو مسكنه إلى أجل ربما سيأتي ويقضي على كل هذه المشاكل ولكن هيهات . وما الربيع العربي إلا إفرازات ومكاييل طافحة وسيول بلغت زباها والله يستر.
موعدكم في الحلقة القادمة . فلنتابع هذا الموضوع حتى النهاية.
وفضح الأعيب هذا الوحش الشرس حتى نسقطه من قاموسنا وهل يا ترى هذه الجدلية الحادة والحرب الشرسة بين رجال الدين ( الكهنوت ) وبين اللبراليين إلا تدبير من القطاع الخاص الذي يريد إسكات الأقلام الحرة التي تحاول إنقاذ المواطن من براثن هذا الغول الذي ساهم مساهمة كبيره في بؤس وشقاء مجتمعاتنا العربية وغير العربية التي نهضت تطالب بحقوقها وكرامتها وحريتها وتستولي على خيراتها لأبنائها.
موسى النقيدان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.