ذكر تقرير اقتصادي أعدته الامانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً أن هناك دولا مستهلكة للنفط استفادت من انخفاض أسعاره طوال الأشهر الماضية، وهي دول ذات اقتصاديات ناشئة، يجب ان تكون محور اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي والتحرك في اتجاهها والاستفادة من مواردها الزراعية الحيوانية والصناعية في بناء شراكات استراتيجية مع هذه الدول. وأوضح التقرير انه بالرغم من انخفاض اسعار النفط الذي يعد سبباً في بعض الصعوبات لاقتصاد دول المجلس، إلا أن هذا الانخفاض خاصة على المدى القصير سيحقق فوائد كبيرة للدول المستهلكة للنفط خاصة تلك التي تواجه أوضاعاً اقتصاديةً معقدة، لذا فإن على دول مجلس التعاون التوجه نحو اقتصاديات هذه الدول خاصة العربية والاسيوية منها والاستفادة من مواردها الزراعية والحيوانية والصناعية من خلال استثمار الفوائض المالية التي حققتها دول مجلس التعاون بعد بلوغ اسعار النفط مستويات فوق 120 دولارا طوال السنوات الماضية، لذا فقد حان الوقت لاستثمار هذه الفوائض المالية في مشاريع الامن الغذائي والمائي، خاصة المشاريع الزراعية والحيوانية والسمكية، والمشاريع الصناعية، ومشاريع البنى التحتية والطاقة. وقال التقرير هذه الدعوة لا تعني بالضرورة خروج رؤوس الاموال الخليجية من دول المجلس، وانما الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي ستبرز في عدد من الدول التي ستستفيد من انخفاض اسعار النفط في انشاء مشاريع تنمية خاصة في القطاعات الاقتصادية التي تحقق عوائد جيدة للأموال الخليجية. وحذر التقرير من تسرع رؤوس الاموال الخليجية في الدخول في مشاريع تعلن بين الحين والآخر من قبل دول تضرر اقتصادها بسبب انخفاض اسعار النفط، خاصة فرص الاستثمار في قطاع العقار خاصة في الدول الاوروبية، ولفت التقرير إلى اهمية التوجه نحو الدول التي استفادت حقيقة من انخفاض اسعار النفط ورغبت في تنفيذ مشاريع انتاجية خاصة المشاريع التي تحتاجها الاسواق الخليجية. وشدد التقرير على اهمية ان تتيح دول المجلس الفرصة امام القطاع الخليجي ومشاركته في اقتناص هذه الفرص الاستثمارية للمساهمة في برامج التنمية الاقتصادية بدول المجلس، خاصة أن الاقتصاد الخليجي بحاجة لتنويع مكونات اقتصاده لزيادة الناتج المحلي، لذا لا بد أن يكون القطاع شريكا استراتيجيا للقطاع العام. وأشار التقرير الى أن النفط أحد أهم مكونات الحياة الاقتصادية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من خلال مساهمته في حركة عجلة التنمية الاقتصادية لشعوب دول المجلس وتطلعاتهم نحو تحسين المستوى المعيشي لهم، رغم أن قطاع النفط يواجه تحديات وصعوبات جمة بسبب انخفاض اسعاره عالميا منذ اواخر العام 2014م. هذا الانخفاض في اسعار النفط نتجت عنه مشكلات اقتصادية تواجهها العديد من دول العالم، بما فيها دول مجلس التعاون، ان كان ذلك بدرجات متفاوتة، خاصة أن هذه الدول بدأت منذ سنوات في تنويع مصادر اقتصادها بشكل يتناسب مع تغيرات الاوضاع الاقتصادية العالمية، كما أن دول المجلس كانت قد حققت فوائض مالية طوال السنوات التي شهدت وصول اسعار النفط لمستويات قاربت 120 دولارا للبرميل. وحسب التقرير، فإن الامارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية تمتلكان احتياطات نفطية ونقدية ضخمة، مما يدعم البنية التشغيلية والقطاع المصرفي، لذا فإن الانفاق على مشاريع البنية التحتية ستسير حسب ما هو مخطط لها. وأوضح التقرير أن دول الخليج تحمل عبء الوفاء بالتزامها بتوفير امدادات موثوقة للنفط رغبة منها في تحقيق تطلعات شعوبها في الحياة الاقتصادية الكريمة من جهة والسعي لتعزيز ودعم اقتصاديات دول العالم من جهة اخرى، فبالرغم من أن انخفاض اسعار النفط يتسبب في بعض الصعوبات لاقتصاد دول الخليج، ولكن في ذات الوقت فإن هذا الانخفاض خاصة على المدى القصير سيحقق فوائد كبيرة للدول المستهلكة للنفط، خاصة تلك التي تواجه أوضاعاً اقتصاديةً معقدة. لذا فإن على دول مجلس التعاون الاستفادة من المقومات الاقتصادية لدى الدول المستهلكة للنفط، خاصة ان دول المجلس لديها قطاع خاص لديه القدرة والاستعداد للمساهمة في دعم الاقتصاد الخليجي، من خلال رغبته الدخول في العديد من المشاريع الاستثمارية اقليميا ودوليا حال توفرت له العوامل والظروف لنجاح هذه الاستثمارات. ويرى التقرير أن القطاع الخاص الخليجي تمكن من تحقيق إنجازات في قطاعات اقتصادية وصناعية، غير القطاع النفطي، بفضل توجه الحكومات الخليجية للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، المدن الصناعية والاقتصادية ومشاريع النقل والكهرباء والمياه، حيث يمكن استثمار هذه الانجازات في تنفيذ مشاريع داخل المجلس وخارجها. وأكد التقرير أن دول المجلس مدركة أهمية دعم البنى التحتية حتى يتمكن القطاع الخاص من لعب دور في نمو الاقتصاد، ولعل هذا الادراك اعترافا ضمنيا من قبل الحكومات الخليجية بأن التنمية الاقتصادية لا يمكن ان تقوم على اكتاف القطاع العام فقط، وإنما يجب ان يكون للقطاع الخاص دور مهم في هذه التنمية، من هنا جاءت الحاجة لتنويع اقتصادات دول مجلس التعاون دون الاعتماد على النفط بشكل كامل وقد حقق هذا التوجه نحو القطاعات الاخرى غير النفطية. لذا سعت دول المجلس إلى رفع مساهمة القطاع الصناعي في ناتجها المحلي الإجمالي إلى 25% بحلول العام 2020 مقارنة مع حوالي 10% في الوقت الحالي ما يعكس النمو المتواصل لهذا القطاع وحجم الاستثمارات الحكومية والخاصة المتجهة نحو المشاريع الصناعية. ويتوقع أن يبلغ حجم الاستثمار الصناعي الخليجي قرابة تريليون دولار بحلول عام 2020، بعد انتهاء دول المجلس من تجهيز المدن الصناعية التي يجري العمل فيها في الوقت الراهن، حيث تعمل على تعزيز القطاع الصناعي ضمن استراتيجياتها وخططها القائمة على تنويع مصادر الدخل تلافيا للاعتماد على النفط. وقد أدركت دول المجلس أن الصناعة محور اساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية ولتنويع مصادر الدخل لخلق فرص استثمارية في قطاعات غير النفط، رغم أن هناك تحديات ما زالت تواجه هذا القطاع، أبرزها انخفاض حجم مساهمة قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في إجمالي النشاط الصناعي. حيث تشكل الصناعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 86% من جملة المنشآت الصناعية بدول المجلس إلا ان حجم استثماراتها لم يتجاوز 22% من جملة الاستثمارات في القطاع الصناعي الخليجي. لذا يحظى قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتوجهات استثمارية حكومية من خلال توفير فرص التمويل لهذه المنشآت التي يجب ان تدار بواسطة الشباب الخليجي وفك احتكار العمالة الوفادة لنشاط هذه المنشآت، حتى تصبح رافدا مهما من روافد الناتج المحلي لاقتصاد دول المحلس. وهذا الخطوة لن تحقق الا في حال منحت الحكومات الخليجية، القطاع الخاص فرصة الاخذ بزمام المبادرة في تنفيذ المشاريع التنموية. واستشهد التقرير هنا بدراسة متخصصة أعدتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) بأن السنوات المقبلة ستشهد دخول القطاع الخاص في شركات عالمية لنقل التقنية والاستفادة من الشراكة الإنتاجية، وتسهيل إجراءات الحصول على مدخلات الصناعة للقطاع الخاص بما يمكنه من الاستثمار في الصناعات التحويلي، وتشجيع الشراكات الوطنية بين القطاع الخاص، والشركات الرئيسية في مجال الصناعات الأساسية مثل البتروكيماويات، والصناعات المعدنية، مع توطين الصناعات المعرفية، وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة معينة من الناتج المحلي. وعلى صعيد نمو الاقتصاد الخليجي، أكد التقرير أنه حقق نموا قدره 4.4% عام 2014، مقارنة ب4.1% عام 2013، حيث أسهم نمو مستويات الأنفاق الحكومي وتحسن ظروف القطاع الخاص معظم أشهر العام الفائت في نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لمجلس التعاون الخليجي بنسبة 6.1% عام 2014 بالمقارنة مع 5.7% عام 2013. أما الناتج النفطي فقد حقق نموا 0.6% فقط عام 2014 بالمقارنة مع 0.7% عام 2013 وهو يعكس تراجع الإيرادات النفطية في حين استقر حجم الانتاج عند 17.2 مليون برميل يوميا من النفط وما يعادل 8.2 مليون برميل من الغاز يوميا عام 2014 وهي نفس مستويات عام 2013. وفيما يخص توقعات العام 2015، يتوقع أن تسجل دول مجلس التعاون الخليجي معدل نمو قدره 4.5% ويتوقع أن يزيد إنتاج النفط بصورة طفيفة ليتجاوز المستويات الحالية مع استجابة هذه البلدان للاضطرابات في الإمدادات النفطية في البلدان غير الأعضاء في المجلس. ويتمثل التحدي الرئيسي أمام هذه التوقعات لنمو الاقتصاد الخليجي في عدم انتعاش النمو الاقتصادي العالمي بالصورة المطلوبة علاوة على بقاء أسعار النفط لفترة طويلة ما بين 50 - 60 دولارا للبرميل، ما من شأنه أن يدفع الحكومات إلى خفض برامجها الانفاقية، بما يقوض بالتالي أحد العوامل الأساسية للنمو الاقتصادي. أما التحدي الآخر فهو أن يؤدي النمو القوي في القطاع الاستهلاكي، إلى جانب التنفيذ السريع للمشاريع لدول مجلس التعاون الخليجي إلى تزايد الضغوط التضخمية ويفرض تحديات أمام السياسة النقدية وأسعار الصرف. وقال التقرير إن نجاح اقتصاديات الخليج في مواجهة الأزمة خاصة في مراحلها القصوى يجدد الثقة بها أمام المؤسسات الدولية المالية، ويؤكد صحة مسارها الاقتصادي ويلبي طموحات الشعوب في الحفاظ على مستويات معيشية متميزة . لذا فإن انخفاض أسعار النفط لن يؤثر في توجهات المستثمر الخليجي الذي يرغب في الاستثمار في المنطقة العربية بشكل خاص نظرًا لأن دول الخليج تملك فوائض عملاقة حققتها على مدى السنوات الماضية من جراء ارتفاع أسعار النفط. كما أن توجه دول الخليج للتركيز على ضخ استثمارات في المنطقة العربية أفضل بكثير إذا ما قورن بتقديم الدعم النقدي لهذه الدول، حيث إن الاستثمار المباشر يسهم في توفير فرص عمل مستدامة لسنوات طويلة. واوضح التقرير أن السنوات الأخيرة تميزت بنمو أفضل للقطاع غير النفطي حتى أصبح يعادل 50% من الاقتصاد الخليجي، وهو ما اعتبره مؤشرا مهما لتنويع الاقتصاد. هذا التنويع جاء نتيجة عوامل سياسية تمر بها المنطقة، واستقرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة لفترة خمس إلى ست سنوات، ما مكن دول الخليج من تكوين احتياطيات مالية وفوائض ضخمة، والتوجه المتزايد لتنويع الاقتصاد ليصبح الاعتماد على النفط أقل.