محادثة جميلة جرت بيني وبين أحد المقربين إلي وانتهت بتساؤل في نفسي أعود لأبحث عن إجابته. هناك من البشر من تجد للحديث معه متعة جميلة لأنه يجعل العقل يبحث ويفكر ويستنتج ويرى ما لا يراه، وهناك من البشر من يكون بينك وبينه محادثات فارغة ليس لها إلا ضياع الوقت وضيق النفس واجترار الحسرة. وكان هذا التساؤل الأخير هو (أنت وين عقلك)؟؟ وبدأت أتسأل حقاً (أين عقلي)؟؟ مع أن الجملة قيلت لأسباب بعيده عما يدور بداخلي ولكنها أثارت تساؤلي هل عقلي هو بقلبي أم برأسي؟. فبدأت ابحث... (أين العقل... هل هو بالدماغ أم بالقلب).. كوننا مسلمين نتبع القرآن والسنة هناك أمور في حياتنا مسّلمة لا جدال فيها ومع ذلك فالقرآن دوماً يطلب منا التفكر والتدبر وإعمال العقل. وكثير من الآيات تشير إلى ان العقل بالقلب وليس بالدماغ، فالتفكر والتدبر والفهم والإدراك جميعها اقترنت بالقلب وليس بالعقل. وهل هذا معناه أن العقل بالقلب؟ إذا ماذا عن أنه إذا أصيب الدماغ بأي أذى توقفت العمليات الفكرية والذهنية والإدراكية برغم حياة القلب؟ نحن نعلم أن كل شيء يؤثر في الدماغ يؤثر في العقل. ونحن لا ننكر أن العقل قد يتأثر بتأثر الدماغ؛ ولكن إن سلّمنا أن العقل قد يتأثر بتأثر الدماغ، فهذا لا يستلزم أن محله الدماغ: فكم من عضو من أعضاء الإنسان خارج عن الدماغ بلا نزاع وهو يتأثر بتأثر الدماغ كما هو معلوم، وكم من شلل في بعض أعضاء الإنسان ناشئ عن اختلال واقع في الدماغ، فالعقل خارج عن الدماغ؛ ولكن سلامته مشروطة بسلامة الدماغ؛ كالأعضاء التي تختل باختلال الدماغ؛ فإنها خارجة عنه مع أن سلامتها مشروط فيها سلامة الدماغ. إذا من يقول إن العقل في الدماغ وحده وليس في القلب منه شيء، أن قوله غير صحيح؛ لأنه مكذب لآيات وأحاديث كثيرة جدا كما ذكرنا، وهذا القول لا يتجرأ عليه مسلم. ومن قال: إنه في القلب وحده وليس في الدماغ منه شيء فقوله هو ظاهر كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقم دليل جازم قاطع من نقل ولا عقل على خلافه. ومن جمع بين القولين؛ فقوله: جائز عقلا، ولا تكذيب فيه للكتاب ولا للسنة، ولكنه يحتاج إلى دليل يجب الرجوع إليه؛ ولا دليل عليه من النقل؛ فإن قام عليه دليل فلا مانع من قبوله، والله سبحانه وحده أعلم بمكان العقل، ومناط الحديث ليس اين عقلي.. أي مكان تواجده مع انه من المفروض أن نعلم أين ولكن اين عقلي في بعض الأمور المطروحة والتي تناقش على مستوى عائلي او مجتمعي، أين عقلي في حق القبول والرفض والإجبار والإكراه؟؟ أين عقلي حين ينظر اهلي للمجتمع وللعقائد القبلية ويضعونها قبل مصلحتي وجميل حياتي؟؟ اين عقلي حين يسيء الناس لشخص لم اخالطه ولا أعرفه وأوافقهم القول واكيل له الاتهامات واجور وأظلم؟؟ اين عقلي حين أطبق خبرات غيري على حياتي؟؟ أين عقلي حين اوافق ذئباً على جميل كلامه وأنا أعلم بنفسي؟ اين عقلي حين تهزني كلمة وتكسرني أخرى ويتجبر علي ظالم؟ أين عقلي حين اترك المركب تسير بي في محطات متتالية وتقف بي دون أن افكر لماذا توقفت ولماذا تحركت؟؟ أين عقلي حين اصدق خرافة وأتبع جاهلاً؟؟ اين عقلي حين يقال لي حرام وحلال دون أن أرى دليلا من كتاب أو سنة؟؟ أين عقلي حين يوجهني الناس لأموري الخاصة؟؟ اين عقلي حين اتطلع لغيري وأنا أعرف حدودي وامكانياتي؟؟ أين وأين وأين عقلي؟. وبالمناسبة.. أين عقولكم مما طرحت؟ * تربوية متخصصة في العلوم الشرعية والنفسية