كنا نؤكد دائما أن لدى السياسة السعودية الكثير من نقاط القوة لضبط التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وانه من الممكن استعادة الدور الفاعل والمؤثر بشكل يحبط أي مساع لتجاوز متطلبات الأمن العربي والاخلال بمعادلات التوازن الاقليمي، على الرغم من حالة الوهن والضعف التي تعيشها الدول العربية اليوم. واذا كانت الاستراتيجية الايرانية تقوم على نفس طويل خلاصته العمل مع الشيطان الأكبر والأصغر لهدم الدولة العربية، وبعث استراتيجية القطيع، لخدمة استراتيجيتها في الهيمنة على المنطقة، واعتبار ان أوراقها الرابحة والفاعلة، تساهم في تعزيز مكانتها الاقليمية، فان غير المطلعين على الشؤون الداخلية الايرانية، قد يصابون بالهلع، لكن العارفين للداخل الايراني، يعلمون ان ايران أوهن من بيت العنكبوت، وان كل العداء والاستعداء للخارج، هو محاولة مستميتة للدفاع عن الداخل. وإذا طالعنا خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونجرس الامريكي، وتجاوزه على ادارة الرئيس الأمريكي بارك اوباما وهجومه على ايران وامكاناتها النووية، فالحقيقة غير ذلك تماما، فايران واسرائيل بحسب الكاتب الاسرائيلي الوف بن المحلل السياسي في صحيفة هآرتس يؤكد أن كلا البلدين اتخذ من العداء للآخر وسيلة لخدمة مصالحهما دون الدخول بمواجهات عنيفة ويضيف «فمن ناحية استطاعت إيران -عن طريق «الفزاعة الإسرائيلية» الحفاظ على حكمها، ونجحت إسرائيل بحفظ السيطرة على الأراضي الفلسطينية والحصول على الدعم الامريكي». ولهذا فان الذين يتصورون أن داعش اسلامية، عليهم اعادة النظر في طبيعة تحليلاتهم، والتأكد من أن داعش مخترقة لصالح شركات وعصابات بلاك ووتر، والاستخبارات الايرانية والموساد الاسرائيلي، وان هناك قوى محلية عربية منخرطة معها في اطار ما يسمى بتحالف الاقليات، حيث تؤكد المعلومات ان داعش ما هي إلا اداة لتحقيق الهدف الاستراتيجي الايراني الأكبر في المنطقة من حيث هدم الدولة العربية، واقامة قوى وميليشيات تابعة لها، كحزب الله، وحركة التمرد الحوثي، وداعش وغيرها ولو قرأ البعض بموضوعية بعض الكتابات الاستراتيجية التي قيل تجاوزا انها من أدبيات التطرف والارهاب، وبخاصة كتابا ادارة التوحش والمذكرة الاستراتيجية، سيتوقف كثيرا عند بعض النقاط المفصلية التي تعمل على تحقيق الهدف «الفارسي» في المنطقة، ولهذا تتذمر مؤسسة صناعة القرار الايراني مما طرأ من ديناميكية واضحة على صناعة القرار السياسي السعودي، وتتخوف كثيرا من النشاط المتعدد الجوانب، والذي أضعف المشروع الايراني في اليمن من خلال الوقوف بثبات خلف الشرعية اليمنية، وخيارات الشعب اليمني، ليصبح الحوثي في حالة يرثى لها، باحثا عن اتصالات دبلوماسية لوقف تراجعه، خاصة وانهم يدركون تماما أن فرض ارادتهم على اليمنيين غير ممكنة، وغير دائمة، وان لوح الحوثيين باستيراد داعش ( الايرانية) الى صعدة. القيادة السعودية تدرك تماما حجم القوة السائلة والفاعلة والقوة الساكنة للمملكة، ولديها تصور استراتيجي واضح في تعزيز عوامل الأمن والاستقرار الاقليمي، ولديها العديد من التصورات لمواجهة التحديات التي اريد لها أن تعصف بالمنطقة، ولهذا فان الذين يتابعون استمرارية دعم المملكة لمصر ، وانفتاح المملكة على القوى الفاعلة في اليمن، دون اقصاء أو تهميش لأي مكون، والانفتاح على حزب الاصلاح اليمني، وبعض رموز الاخوان المسلمين، واستعادة حيوية العلاقة مع تركيا، والانفتاح على الهند، وكوريا الجنوبية، وترتيب البيت الداخلي السعودي، والحصول على دعم خليجي استثنائي، كل ذلك يخيف ايران، ويضعف اوراقها في المنطقة، ويزيد من انكشافها ايضا. ان دعم ايران المباشر لقوات الحشد الشعبي، وقيادة قاسم سليماني المعارك في جبهة سامراء، في لعبة خداع مكشوفة، تهدف الى ترسيخ مكانة داعش وتعزيز الالتفاف حولها في المناطق السنية ليسهل ادارتهم من قبلها وفقا للمخططات الايرانية البعيدة، فداعش لم تستهدف نظام الاسد، ولم تستهدف المراقد الشيعية، هذا علما ومعلومات بان من يستهدفون هذه المراقد والمساجد، ليسوا إلا جماعات تتبع حواضن استخباراتية هدفها زيادة الشحناء والبغضاء وتعزيز التفتيت والانقسام الطائفي والجغرافي للعراق وسوريا، ومنهم من هو متحالف سرا مع طهران وتل ابيب تحت عنوان تحالف الاقليات، وهم من كان خلف هذه التفجيرات المزعومة، فيما يطلب من داعش تبني هذه التفجيرات. إن النشاط السياسي والدبلوماسي السعودي والاستثنائي في هذا التوقيت، يؤكد أن الرياض تشكل عامودا للتوازن الاقليمي، ومساهما رئيسا في الاستقرار السياسي والاقتصادي الدولي، وتتسم علاقاتها مع مختلف القوى الاقليمية بالتوازن والاعتدال والمصداقية، وان حراكها السياسي ليس موجها ضد أحد وليس على حساب، وانما موجه ضد الارهاب وداعميه ومثيري الفتن في المنطقة، وان هذا النشاط الهادف تجاوز عن العديد من التعقيدات التي اتسمت بها مراحل سابقة، في اطار من الديناميكية القائمة في الاتفاق على المصالح الاستراتيجية اولا ، ومن ثمة بحث النقاط الخلافية، فالسياسة تقف على مجموعة من الثوابت من جانب ومن جانب آخر تقف على مجموعة من العوامل ذات الطبيعة المرنة، وهذه الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية ،تؤكد أن الرياض تملك اوراقا فاعلة ومؤثرة يمكنها اعادة بناء الاستراتيجيات والتحالفات وفرض الخيارات الاقليمية. * باحث سياسي