معاناة بلاد الشام في هذا الزمان معاناة غير مسبوقة من قبل، وقد خلّفت الحروب كل هذا الدمار الذي ما ترك سبيلاً لأحد من ان يتقي مخاطر الانقلابات الفظيعة التي تحدثها الطبيعة في المنطقة هذه الايام، وها هو انسان بلاد الشام اليوم يعاني الأمرين جراء جور أبناء جلدته وقسوة الطبيعة من جانب، ومن جانب آخر استمرار هذه الحرب الغبية، حرب الخاسر فيها شعب بلاد الشام والامة العربية قاطبة، حرب يقوم فيها الطرفان بدور المدمر لذاته، من حيث يدري او لا يدري فهو يحقق مصالح لآخرين ظلوا ولم يزالوا ساعين الى احداث شرخ عميق في خاصرة المنطقة بأكملها، وقد وجدوا ضالتهم في عداء مستحكم حل بابناء بلاد الشام، هذا الوطن المكلوم بأبنائه. ولما ضاعت الوطنية عند ابناء الوطن ظلّ انسان المنطقة وهو المغلوب على امره يسعى الى انسانية عرجاء لدى الآخر في الخارج. إنّ المعاناة التي يعاني منها اللاجئون السوريون على وجه الخصوص في هذه الأيام وما يعاني منه اهل بلاد الشام بصفة عامة، هي معاناة إنسانية تحكي عن حياة صعبة في مخيمات اللاجئين، مخيمات مهترئة لجأ اليها اهالي المنطقة بسبب الصراع المستعر بين ابناء الوطن الواحد، وهم اي اللاجئون يجدون أنهم الآن في دول الجوار بلا وطن، وما أسوأ ان يصبح الإنسان بلا وطن...!!، جوار ما وجدوا فيه حماية قط ولو على سبيل الحد الأدنى، وموجة البرد القارس والعاصفة الثلجية التي حلت بالمنطقة مؤخراً قد فضحت الكثير والمثير عن الانسانية الغائبة، حيث يواجه هؤلاء اللاجئون معاناة كبيرة من أجل العيش وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية، وهم مقيمون في مخيمات غير مناسبة وفي جو رديء وصلت درجة حرارته الى أدناها في ظروف متدنية للغاية، والوعود الباردة بمساعدتهم لم تزل تزداد في برودتها لتزداد القلوب صلابة وقسوة، والبخل الآثم قد أصم قلوباً قُدت من صلبٍ والبرد يزيد صلابتها في هذه الايام القاسية، حتى متى يظل انسان المنطقة العربية بهذا الثمن البخس الرخيص يُشرد، ويموت بسبب حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، وقد هدته أثقال الأحمال التي ظل ولم يزل ينوء من حملها، واطفاله الزغب الصغار تهّدهم الأمراض بسبب الجوع والبرد القارس، ولا طبيب يعالج لهم سقماً ولم يتبق لهم سوى الدعاء والابتهال لله من اجل حمايتهم. ومن المسلم به ان الدعاء في مثل هذه المحن يذلل الكثير من المصاعب، ولكن لا بدّ من ارادة قوية للإنسان حتى يستطيع ان ينعتق من مثل هذه المحن ومن ثم العمل على حماية نفسه وأطفاله. لقد بلغت الأوضاع في بلاد الشام مبلغاً تستوجب المشاعر الانسانية التدخل من اجل إيقاف هذه المأساة المقيتة، وليس الامر بمستحيل اذا ما تواضع كافة الأطراف الى حلٍ وطني يتجاوز بهم ما خلفته الحرب من إحن وأحقاد ظلت تمثل النار المشتعلة في الهشيم، وما اسوأ نار الحرب في فصل الشتاء الذي يحتاج الى مواقد التدفئة من نار غيبتها نيران الحرب، ومخيمات اللجوء تحكي ظروف هذا البرد القارص الذي يتبعه موت زؤام، صحيح انّ الموت ممقوت الا انه يصبح اكثر مقتاً عندما يكون تحت سقف منهار وبين جدران متشققة، وفي مخيمات لا تظل ولا تقي من برد كمثل هذا الحال الذي تحكيه مدن ووهاد كلها آلت الى خراب انتهي بها الى حالة من الحرمان من كافة متطلبات حياة الانسان من خبزٍ مفقود وانقطاع للكهرباء وللوقود، وسائلوا الرستن عما حلّ بأهلها ما أسوأ ان يموت الإنسان بسبب البرد والجوع..!!!! قاتل الله الحرب، وقاتل من اشعلوها ومن دعوا لها.. حفظ الله الانسان بانسانيته اينما حلّ واينما أقام حتى يقيم مجتمع الامن والامان والسلام والوئام. اليوم كل طفل شامي يتأوه في صراخ وإلحاح وهو يقول: (البردُ القارص يؤلمني..يمضغ أعضائي يطحنها.. لا يُوجد صوفٌ في وطني.. الناس تنام على الطرقات والبرد الليلي يرهبهم يتغلغل يدخل في الأوصال وأنين ضلوعهم يشكو لا يوجد صوفٌ في وطني.. لا يوجد عدلٌ في وطني). وما أسوأ ان يبحث الانسان عن العدل خارج بلاده وينشده عند من استدرجوه الى هوة لن يرث من بعدها قوة، فهل يعلو صوت العقل ويستيقظ الضمير فتتوقف هذه الحرب الى غير رجعة. * محام دولي ومستشار قانوني