لم يكن إعلان الرئيس الأمريكي اختيار الجنرال (جون آلن) منسقاً للتحالف الدولي للقضاء على داعش مفاجئاً للكثيرين. وذلك نظراً لخبرة الجنرال المخضرم في المنطقة، ولإلمامه بالمعطيات على الأرض وهو ما ظهر في تحليلاته التي نشرها الصيف الماضي. ويمكن استشراف المرحلة المقبلة من خلال قراءة في تحليله للوضع، ونظرته للساحة في الشرق الأوسط. داعش على أبواب الغرب لا أحد يعرف يقيناً إن كانت هناك صلة بين المقال الذي نشره الجنرال (جون آلن) في نهاية أغسطس الماضي، داعياً فيه لسحق داعش، وبين تسمية الرئيس الأمريكي له منسقاً للتحالف الدولي الذي ستقوده أمريكا لمواجهة تنظيم داعش. ويرى (آلن) –في مقاله بدورية Defence One أن التنظيم يشكل خطراً كبيراً على الولاياتالمتحدة، ومصالحها، وعلى استقرار المنطقة بشكل عام. ويتعدى هذا الخطر إقليم الشرق الأوسط ليصل إلى الأراضي الأمريكية والأوربية على حد توقعه. وقبيل ترشيحه لمنصبه طرح الجنرال المتقاعد سؤالاً يتعلق بمستقبل أية عمليات في هذا الصدد: هل ستتعامل الولاياتالمتحدة وحلفاؤها وشركاؤها بشكل حاسم لاقتلاع داعش من جذورها. وأشاد بخطوة الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) بتنفيذ ضربات جوية لقواعد وعناصر تابعين للتنظيم. مشيراً إلى أن الرأي العام الأمريكي لم ينتبه لتهديدات داعش حتى جاء مقتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي من قبل التنظيم ليوضح خطورة تلك التهديدات. وبالإضافة إلى مخاطر داعش على المصالح الأمريكية يرى (آلن) أن بلاده هي الأكثر جاهزية في العالم لقيادة استراتيجية تكفل لها التعامل مع تنظيم داعش. ضربات ناعمة وكان (آلن) قد كرر دعوته خلال الأيام السابقة لاختياره بالهجوم على تنظيم داعش بطريقة قال: إن الولاياتالمتحدة هي الوحيدة التي يمكنها تنفيذها بنجاح: ضربة ناعمة، مفاجئة، حاسمة كما لو كانت عملية جراحية بما يحقق تفكيك التنظيم. ويلفت (جون آلن) إلى نقاط مهمة دعت لضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة وعاجلة: أولها: أن تنظيم داعش يقوم بتصميم حملات تشير إلى نية إقامة الخلافة في سورياوالعراق. ويعرب الجنرال عن خشيته أن يفلت زمام الأمور في الدولتين من الولاياتالمتحدة. وثاني تلك النقاط أن التنظيم كيان ذو هيكلة متينة، ومن أسباب ذلك كما يرى أنه مدعوم من عناصر نظام صدام السابق الذين تظهر بصماتهم في العديد من الحالات. ويدعو لعدم الاستهانة بالتنظيم فهو ليس مجرد بريق سيخفت وهجه من تلقاء نفسه من دون تدخل عسكري دولي قوي ضده. كما يلفت (آلن) إلى أن التنظيم يتكون من نسيج معقد من الحالمين بإقامة دولة الخلافة فلا يقتصر على المقاتلين السنة في سورياوالعراق بل تدعمهم قوات من الشيشان إلى مسلمي الصين إلى البشتون. والأهم أن هذا النسيج يضم مقاتلين من أوروبا وأمريكا، وتكمن الخطورة من وجهة نظره في أن هؤلاء ربما يكونون عاملاً في قيام الدولة الإسلامية في الغرب بغض النظر عن مصير تنظيم داعش من عدمه. ومن النقاط التي يدعو لعدم تغافلها الإمكانيات المتوافرة لتنظيم داعش لافتاً إلى أن لدى عناصره أسلحة ومركبات عسكرية تم الاستيلاء عليها من القوات الأمريكيةوالعراقية. إلى جانب مبالغ ضخمة تم سحبها من البنوك العراقية فضلاً عن الدعم الخارجي للتنظيم. كما يمتلك داعش منظومة إنذار متقدمة تقنياً، إلى جانب معدات عسكرية حديثة. يضاف إلى هذا أن هناك صفتين تميزان عناصر التنظيم في ساحة المعركة: الابتكار وسرعة البديهة. وهما صفتان يرى أنهما تتيحان لداعش التقدم لمناطق أكثر اتساعاً في المنطقة ما لم يتم ردعها وتفكيكها. بين الجماعة والدولة وعن طريقة النظر لداعش يرى (جون آلن) أنه تنظيم يشن حرباً على سكان المنطقة الذين يعتبرهم كفاراً ومرتدين، ويكفى سؤال المسيحيين والأكراد الايزيديين والشيعة وبعض السنة الذين شاء قدرهم أن يكونوا في طريق داعش. ومن الواضح بحسب رأي المنسق الأمريكي أن التنظيم آخذ في التحول من جماعة إلى كيان يشبه الدولة. كما أن قيادة ما يسمى الخلافة تضع نصب أعينها الأهداف الأمريكية والأوروبية إذا ما سنحت لها الفرصة لتوسيع رقعة ما يطلقون عليه خلافة، وتوطيد أقدامهم في رقعة أكثر اتساعاً. ويضرب مثالاً بحركة طالبان التي كانت الحاضنة لتنظيم القاعدة وانطلقت من خلالها هجماتها على المصالح الأمريكية. ولكن بقيت عناصر طالبان كرجال كهوف لم تعبر الحدود على العكس من عناصر داعش التي يحمل المئات منهم جوازات سفر أوروبية أو أمريكية. ويطالب المسئول الأمريكي الغرب بإعداد نفسه لما قد يعنيه هذا الأمر، مشيراً إلى أن من قتل الصحفي الأمريكي كان يتحدث الإنجليزية بلكنة بريطانية. هل تعود الصحوات ؟ ولا يذكر (جون آلن) إلا ويذكر معه ملف صحوات العراق حيث نجح في إقامة علاقات وثيقة مع شيوخ العشائر السنية وهو ما ساعده في تشكيل الصحوات التي استطاعت التصدي لتنظيم القاعدة وتفكيك وجوده في المناطق السنية. وكان (آلن) يومها يتولى قيادة القوات الأمريكية في غرب العراق خلال عامي 2006-2008. وكان للصحوات دور كبير في مطاردة عناصر القاعدة وهو ما خفف الضغوط على القوات الأمريكيةوالعراقية اللتين وجدتا في نشاط الصحوات فرصاً سانحةً أن تنال قسطاً من الراحة. ويأمل (آلن) أن ينجح في تكرار تلك التجربة في الحرب ضد تنظيم داعش. ولكن الجنرال الأمريكي لا يعول على الصحوات العراقية بنفس القدر الذي كان في المرة السابقة نظراً لأن هذه المرة لن تكون حرباً أمريكية بل تحالفاً دولياً يضم دولاً مجاورة تتشابه مع العراق في التضاريس والتركيبة الديموغرافية. وبشكل عام لا يتوقع أن يهمل (آلن) ورقة الصحوات التي كانت رابحة في المرة السابقة. إلا أن الاعتماد عليها لن يكون بنفس الدرجة، ويضاف إلى هذا أن صورة سلبية للصحوات ارتسمت لدى المواطن العراقي بسبب بعض التجاوزات من أفراد تلك المجموعات المسلحة. وقبل أشهر شهدت بغداد زيارة من قائد المنطقة الأمريكية الوسطى على رأس وفد عسكري ودبلوماسي رفيع المستوى، ونال ملف تشجيع إعادة تأسيس الصحوات نصيب الأسد من المباحثات. وبالنسبة لسوريا يشدد (آلن) على ضرورة دعم العشائر السنية والمقاومة السورية الحرة معتبراً أنها تمثل رأس الحربة في معركة القضاء على داعش، ومرجحاً نجاح تأسيس صحوات سورية لتكون شوكة في حلق داعش بسوريا. وأكد على ضرورة أن يكون من أولويات الحملة على داعش تقديم الدعم العسكري والمشورة للقبائل والمجموعات التي تقاتل التنظيم في سوريا لا سيما الأكراد والعشائر السنية. نجاحات أنهتها رسالة غرامية تخرج (جون آلن) في الأكاديمية البحرية الأمريكية في العام 1976. ويتضمن سجله العسكري مشواراً حافلاً، فضلاً عن تجربة دبلوماسية في الصراع الأعقد في الشرق الأوسط وذلك قبل أن يعود منسقاً للحملة الدولية ضد تنظيم داعش بالعراق والشام. من المحطات الرئيسة في تاريخ جنرال المارينز توليه قيادة القوات الأمريكية في غرب العراق خلال الفترة بين 2006 و2008. وخلالها استطاع تحقيق إنجازات كبيرة من خلال استراتيجية التقرب إلى شيوخ العشائر، وتكوين مجموعات مسلحة مقاتلة من تلك العشائر. وبعدها تولى منصب نائب قائد القيادة الأمريكية الوسطى، التي تتولى مهمة الإشراف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط. وثمة محطة مهمة عندما تولى قيادة القوات المساعدة الأمنية في أفغانستان (إيساف) في العام 2011. وبهذا يكون (آلن) أول عنصر من قوات المارينز يتولى قيادة العمليات العسكرية في أفغانستان. وخلال تلك تولى (آلن) الإشراف على انسحاب 33 ألف جندي أمريكي كانوا قد أرسلوا كتعزيزات في نهاية العام 2009. وعين في أكتوبر 2012 قائدا أعلى لقوات حلف شمال الأطلسي، وهو يعد أحد أرفع المناصب في الجيش الأمريكي. إلا أن تعيينه في هذا المنصب سرعان ما تم تعليقه بسبب فضيحة مراسلات غرامية بينه وبين السيدة التي انكشفت علاقتها بقائد القوات الأمريكيةبأفغانستان سابقاً، الجنرال ديفيد بتريوس. وأدت تلك المراسلات إلى أن يقوم الجنرال (جون آلن) بسحب ترشيحه لمنصب القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي. وفي فبراير 2013 برأته التحقيقات من تلك التهمة إلا أنه تقدم باستقالته، وتقاعد في ذات الشهر. وخاض الجنرال الأمريكي تجربة ذات طابع دبلوماسي عندما كلفه وزير خارجية بلاده بتطوير خطة أمنية للضفة الغربية وإسرائيل، وذلك عقب المباحثات التي جرت بين الجانبين في إطار جهود إعلان دولة فلسطينية. إلا أن تلك الجهود لم يكتب لها النجاح. وخلال رحلتة العسكرية حصل (آلن) على العديد من أعلى النياشين والأوسمة العسكرية.