في تصريح لأحد مسؤولي هيئة السياحة بالمنطقة الشرقية، زف المسؤول إلينا بشرى يؤكد فيها قرب انتهاء بناء المسرح الروماني في العقير، مع نبرة تشديد على صلة هذا الطراز المعماري (الروماني) بهويّة المكان! ورغم سعادتي الغامرة بقيام أي مشاريع ثقافية وسياحية في بلادي، إلا أنني في الحقيقة اضطررت للتوقف عند جزئية محددة. فأنا لم أسمع بأي رابط بين الرومان والعقير إلا عبر هذا التصريح وعبر هذا المسرح! وقد يعزى هذا لضحالة ثقافتي التاريخية، ولكن لو كان لي أن أتمنى أمنية أخيرة، فهي أن ينصفنا مؤرخ من رموز المنطقة الشرقية في هذا الموضوع. هل الرومان هم من أنشؤوا ميناء تجارياً في العقير.. أم انهم العثمانيون؟ وهل ما تحتاجه العقير هو استعارة ثقافة أخرى؟ أم أنها منطقة زاخرة بالشواهد الثقافية الساحلية الخليجية العربية التي من الأجدر بنا استعادتها وإعادة توظيفها اليوم؟ ما الفكرة من إنشاء مسرح بطراز معماري روماني في العقير؟ هل يأتي هذا ضمن قرية سياحية عالمية؟ وما النوايا التطويرية الأخرى في ذات الاتجاه؟ يعني: هل سيكون هناك جندول فينيسي يسري في مجرى مائي؟ وهل سنرى حلبة رياضة يونانية؟ وهل من الممكن أن يكون هناك جبل سويسري يحفز على التسلّق؟ وفي النهاية يستمر التساؤل: أين العقير وهويتها من كل هذا؟ لم أنته من مقال الأسبوع الماضي حول السياحة الداخلية، إلا وظهر أمام عيني هذا التصريح الذي أجبرني على الخوض من جديد في صناعة السياحة التي نعوّل عليها ضمن أحد مقومات مستقبلنا التنموي. ولا أدري كيف سنطمئن لمستقبل المشروع إن كان الرومان شركاءنا في الثقافة البصريّة! اللافت أن العقير محاطة بنماذج مميزة للتجمعات الإنسانية، وأكثرها قرباً هو «سوق واقف» في الدوحة! وكل ما فعله القائمون على تطوير سوق واقف هو الاحتفاظ بالهوية البصرية للأسواق الشعبية القديمة، وحتى منطقة مشيرب المحيطة بالسوق والتي يجري تطويرها الآن بمبان حديثة، قاموا بإقصاء الأبراج المرتفعة فيها إلى الأطراف وركزوا أكثر على مفهوم الساحات أو "البراحة" كما تعرف في ساحل الخليج، ولا أثر في مرافقها للمسارح الرومانية!! وتحقيق فكرة المسرح يجب أن تتم عبر توظيف الساحات في المشاريع السياحية الساحلية، بحيث نستخدم مسرحاً متنقلاً يتم بناؤه وتحديد عدد مرتاديه حسب الاحتياج وتبعاً للازدياد المحتمل في عدد الزائرين مستقبلاً، وليس بتطويقه بأسوار خرسانية رومانية الهوى! مشروع تطوير شاطئ العقير بدأ يحصد ثناء من أهالي المنطقة، ولا وقت الآن للتفريط في هذا بتحجيم الامتداد الثري للعمق البصري الساحلي. *رئيس تحرير مجلة نبض الجامعة