انتقلت من بلد لبلد حاملة معها آمالا كبيرة وانسانية جميلة تتوقع الأجمل كعادتها تفانت واعطت وبذلت الكثير لمن حولها من صحبة ومحبين.. وبعد فترة يسيرة من ذلك كان الغدر بها والطعن فيها فتأثرت وابتعدت، وما هي إلا أيام قليلة حتى عادت تتصرف وكأن شيئا لم يكن حاملة في قلبها اروع المشاعر لهم. الكثير سيصفها بالغباء ويطالباها بالابتعاد واتخاذ صفة الانانية وحب النفس والذات، حتى تسلم من أي أذى قد يصيبها من أي من البشر، والبعض الآخر سيصفها بالسذاجة وصاحبة القلب الميت الذي لا يعرف مصلحته ويطالبها بالصمت والقسوة في التعامل، وكلا الاثنين سيتدلل من الكتاب والسنة على أنه هذا هو المفروض ويحمل الأحاديث والآيات على غير معناها الحقيقي حتى يُثبت وجهة نظره ويعزز رأيه وقناعاته. اما سيئو الظن فسيقولون انها بارعة في التمثيل وقوية في المجاملة، وتبتسم من جهة وفي الجهة الأخرى تحيك المؤامرات ضدهم دون علمهم. ولكن الصفة التي تحملها هذه الإنسانة وقلما تجدها بين البشر هي الإنسانية.. نعم وإنسانيتها لا زيف فيها بل هي ما جُبلت عليه من خالقها، فلا تحمل ضغينة مهما تُصُرِف معها بلؤم او غدر او أي شيء، وذلك يعود لطبيعة مؤصلة لا زائفة، مُحسنة الظن بجميع من حولها لائمة لنفسها عند حدوث أي أذى لها لو لم يكن هناك عذر لفاعله، لأنه الامر الذي تعلمت عليه وأدركته وعرفت من خلاله أنها الإنسانية الحقة والأخوة الصادقة. قال تعالى {يا أيها الإنسان.. الآية} (سورة الإنسان) خاطب الله عز وجل الإنسان منادياً أكرم ما في كيانه، وهو إنسانيته التي تميز بها عن سائر الأحياء، فالإنسانية مجموعة من خصائص الجنس البشريّ التي تميّزه عن غيره من الأنواع، وهي ضدّ البهيميّة أو الحيوانيّة، والعلاقات الانسانية مصطلح يدل على الاهتمام بالعنصر البشري وكلمة انسانية مشتقة من كلمة انسان، والتي اكتسب من استعمالها مع الأيام مجموعة من المعاني صار بها ذلك الإنسان (إنساناً)، حتى إن العامة نفسها تقول إن فلاناً رجل (إنسان) أي يتصف بصفات تجعله أهلا لحمل ذلك الوصف. ولا أبالغ إذا قلت إن الإسلام هو الذي وضع النواة الأولى لفن العلاقات الإنسانية واهتم بالفرد ومعاملته كإنسان.. حين تحصل لك المواقف وتقف حائراً في تفسير معانيها دع انسانيتك تتحكم في ذلك، واحسن الظن وستجد ان النفس تقبلت هذا التصرف لأنه الأصل في خَلقك. وحين تريد علاقة إنسانية دائمة يملؤها الحب والصدق ابتعد عن اللوم والأنانية وحب الذات، ومعاملة الناس بحسب مذاهبهم وأديانهم وأعراقهم، وليس بحسب قناعاتك ومشاعرك تجاههم وبحسب حاجاتك وفضلة وقتك، بل اعطهم الاهتمام المستحق وعاملهم بحسب قناعاتهم تارة وبحسب قناعاتك تارة اخرى. لا تتخذ قراراً في لحظة غضب وتعصب قد يأمر الله بتغييره، فتندم على تصرف أو كلمة جارحة أو خُلق سيئ قد يصدر منك في هذه اللحظة.. تعامل بقلب يمتلئ بمشاعر تجعل من امامك لا يجد سبيلا إليك إلا احترامك وتقبل فكرك حتى وإن اختلف معك. الإنسانية تعني حسن تقبل العلم والاستفادة منه وكلما كان رقيك بالعلم كانت انسانيتك ارقى، والدين الإسلامي ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كانا فخراً للإنسانية والتعامل الإنساني والذي نص على أنه لا نصل للإيمان الحق، حتى نحب لغيرنا ما نحب انفسنا من حياة كريمة وحبٍ صادق ومساعدة حقة وتفريج كربة، وتنفيذ وعد والالتزام بالعهد وعدم الكذب والطعن والافتراء، وحمل الضغائن والإحسان والاهتمام بمن يعطيك هذه المشاعر الإنسانية الصادقة؛ لأنها نادرة في عصر غلبت عليه الماديات والمصالح والتقرب من الأفراد وخدمتهم ومساعدتهم للحاجة إليهم، وحين تنتهي هذه الحاجة يكون مصيرهم النسيان والابتعاد ونكران فضلهم ومحبتهم وإنسانيتهم معك في يوم ما. بأيدينا أن نبقي على علاقاتنا الإنسانية الصادقة ذات العطاء والبذل والحب، وبنفس هذه الأيدي نخسر كل ذلك حين نضع العراقيل، ونبحث عن الأسباب لإنهائها والابتعاد عنها بحجج واهية وظنون ومشاعر متقلبة. وأخيراً كونوا إنسانيين.. وليكن همكم بلوغ هذا الخُلق الكبير والذي سيرتد على حياتكم بالسعادة لأنه فطرة أساسية بداخلنا.. ابتسم لكل من أساء لك ونم قرير العين لأنك تعلم ان الله يدبر الأمر من فوق سبع سماوات وأن الميزان لن يميل أبداً لديه سبحانه.. فهل أنتم قادرون؟؟.