كثير من الطفارى «المصلحجيين» لديهم معاناة نفسية في البحث عن أصحاب المال، وكسبهم، وإن كلفهم ذلك الامتهان والرضوخ المستمر أمامهم؛ إذ يعتقدون أن لديهم مهارة كبيرة في الحصول على ما يريدون منهم بكل دهاء وذكاء، دون أن يفكروا أن صاحب المال يمنح العطايا والهبات طمعاً في مثوبة، أو وقفة إنسانية، أو مكافأة تقديرية على نحو ما، وليس لأنه «مضيّع فلوسه»، أو ترك ماله غنيمة للآخرين.. الغريب أن هذه الفئة يتفننون في تشكيل أساليبهم وقصصهم ولفت الانتباه إلى معاناتهم، ولسان تصرفاتهم يقول:»نحن معك وحواليك»؛ لأنّ «من جاور السعيد يسعد»، فهؤلاء موجودون، ومنبوذون في جميع المجتمعات؛ لأنّ سلوكهم لا نُبل فيه؛ إذ بمجرد تحقيق مصالحهم يختفون!. «الرياض» تناقش في هذا التحقيق ثقافة «المصلحة مع صاحب المال»، وخطورة تلك الظاهرة الأخلاقية على قيمنا النبيلة، كما استطلعت ما يجب أن تكون عليه ردة الفعل من قبل أصحاب المال والأعمال مع تلك الفئة؛ باعتبار أن ردة الفعل لديهم هي التي تحدد «المشهد الأخير» لمثل تلك العلاقات. المصالح الشخصية بدايةً قال الأستاذ «فايز العنزي» -أحد رجال الأعمال بتبوك-: «كثيراً ما نواجه من يكون أكبر همه هو نفسه وتحصيل مصلحته على أكتاف الآخرين؛ فتراهم يتصلون ويلحون عليك حينما تطرأ عليهم حاجة ما، صحيح أنّ طلب المساعدة من الآخرين الذين لديهم المقدرة في تقديمها ليس عيباً كبيراً، وإنما العيب كل العيب في الأنانية بحيث لا يهمه بعد ذلك رد الجميل فيتجاهله مع القدرة عليه؛ لأنه لا يفكر إلا في مصلحته ولا يهمه سوى نفسه، وإذا ما عادت له تلك الحاجة عاد ليجدد تواصله واتصالاته». وعن طريقة تعامله مع هؤلاء، أوضح بأنه يتعامل معهم بطريقة عقلانية وهادئة، فعندما يتصل به شخص يريد مصلحة ما، ويستطيع تلبيتها فإنه يلبيها له؛ لأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه حتى لو كان منقطعا عنه لسنوات طويلة، ولم يتذكره إلا عندما احتاجه، مضيفاً: لأني أعمل بأصلي وأتصرف كما يملي علي ضميري كما أنّ الواجب علينا هو تقبل الأمر ولا نصبح «حساسين» أكثر من اللازم لأن هناك أناسا فيهم الخير ويحبون الخير لإخوانهم كما يحبونه لأنفسهم. المصلحة وحب الذات وأشار «ماجد المرزوقي» -موظف في القطاع الخاص- إلى تفشي المصلحة، وحب الذات بين كثير من يود التعرف علينا، خاصة حينما يعرفون ما نستطيع عمله أو ما نملكه وهذا غالباً يحدث؛ بسبب التهاون والتعاطف معهم منذ البداية وكذلك بسبب حبنا لهم، وحب مساعدة الآخرين، لكن هناك من يتبلد لديهم الإحساس، وكأنّ وجهه «مغسول بمرق»، فلديهم قائمة من الطلبات التي لا تنتهي، مشيراً إلى أنّه يتعامل معهم بما تلزمه عليه حدود العلاقة، لكن إذا زاد الأمر عن حده فإنه على حد قوله يمتنع عن تقديم أي نوع من المساعدة، وهنا إذ لم يجدوا أملا للحصول على أي شيء فإنهم يحذفوه من قائمة القريبين ويذهبون إلى شخص آخر. كما يرى أنّ هناك صعوبة في التعرف على نواياهم، لا سيما وأنهم يعتمدون على التظاهر بالضعف والمسكنة، وبتمرس أكثر مهارة وتمثيل، وبين هذا وذاك لانملك الإ القدرة على تصديقهم وكأنهم أصحاب نية سليمة وأخلاق فاضلة، ولكن ليتهم يعلمون ما قد يتركوه في نفوسنا حينما نشعر بالأسف الشديد والأسى على حياتنا، وعلاقاتنا التي أصبحت تدور حول المصالح والمجاملة وحب الذات. المصلحة المادية وأكدت «د.عائشة نتو» -سيدة أعمال وعضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة- على أنّ المصلحة المادية انتشرت بشكل مخيف ليس في مجتمعنا وحسب، بل في كل المجتمعات حتى أصبحت داء ووباء يصعب معالجته، إذ نجد أنّ صاحب المال والأعمال محابى من قبل الكثير من شرائح مجتمعه، على الرغم من أنّ الوقفات والمساعدات والجمالة التي يشتهر بها العرب لم تختف من سلوكياتنا، ولا تحتاج إلى «دوام المصلحة»؛ حتى تتحقق طلباتهم، مشيرةً إلى أنّ من يمارس هذه الأساليب في حياته، فهو إنسان متعفن داخلياً لا يفكر في غيره، وما سيلحقه من أذى من تصرفه بهذه «المصلحجية» الشخصية، داعيةً إلى التكاتف معاً لمحاربة هذا الداء ونبذه بالابتعاد عن المتعاملين به؛ ليشعروا بأنهم منبوذون وحينها ربما يفكرون في الرجوع للأخلاق العامة، والتي يطلبها كل مجتمع ناجح كتعاملات محترمة تحترم قداسة المشاركة الاجتماعية والشفافية اللازمة للنجاح. علاقة المصالح وقالت «أم محمد» -سيدة أعمال-: «إنّ أبشع صور علاقة المصالح حين تدخل في إطار الحياة الزوجية؛ ليستحيل بعد ذلك استمرارها كما ينبغي أن تكون عليه أي علاقة زوجية مثالية، وهذا ما عانيت منه بعد تجربة مريرة مع زوجي، حيث بدأ سنوات زواجنا «نعم الزوج» يقوم بواجباته ويدللني لدرجة كبيرة حتى أن مفأجاته الرومانسية لا تنتهي، كل هذا جعلني لا أتردد لحظة واحدة في تسليمه جميع أموالي التي ورثتها من والدي، بل إنني زدت عليها قروضا بنكية في سبيل نجاح مشاريعه التجارية، ولكن بمجرد حصوله على هذه الأموال؛ تغيّر حاله معي كثيراً، وظهرت نواياه الحقيقة فأصبح يقول بكل صراحة بأنه لا يحبني وأنّ ما يربطني به هو أطفالنا فقط، وأنه قريباً أو بعيداً سيتزوج من شابة أصغر وأجمل مني». وأضافت: من هنا كانت الأنانية في الحياة الزوجية أبسط صورة المصالح، فما بالنا بأكبرها وهو نكران الجميل والغدر، لافتةً إلى أنّ مهارة التعرف على» المصلحجيين» مفقودة لدينا، مشددةً على أهمية تغذية أبنائنا عليها، وذلك من خلال اطلاعهم على تجاربنا الشخصية وتجارب غيرنا؛ حتى تكون لديهم القدرة التامة على معرفة الأشخاص والتعامل معهم بمهارة وبحذر لكون المصلحجي الأقرب الى الغدر بالشخص الذي يستغله ويتمصلح منه. زمن مادي وأشارت «ريم الأحمري» -ابنة أحد رجال الأعمال- إلى أننا نعيش حالياً زمنا ماديا بمعنى الكلمة إذ لم يعد لشيء غير المال مكانة أو تقدير أو حب، حيث عاشت الكثير من التجارب وخاصة ضمن الجامعة، حيث اكتشفتْ أنّ المصلحة تبررها ساعات الحاجة لدرجة خلو الوجه من مائه، وهذا ما جعلني أتوخى الحذر في معاملتي مع غيري من الزميلات، صحيح بأنه مؤلم أنّ نتعامل في حياتنا من خلال هذا المفهوم القاسي، وأن نسقط من قاموس تعاملنا قيمة من قيم النبل وركناً من أركان الأصالة والصدق، وأن نجعل الإنسانية جريحة بخدش بهائها الحقيقي وتعكير نضارتها مقابل تحقيق عدد من المصالح، مؤكدة على أنّ أولئك الذين يبنون صداقاتهم على مصالح ذاتية كالسراب، وسيتوقف مشوارهم بعد عمر يطول أو يقصر ويرحلون عن الدنيا من غير أن يتركوا أصدقاء يبكونهم أو حتى يفتقدونهم. المفاهيم المادية من جانب آخر، أوضح «د.أحمد الحريري» -الباحث والمعالج في الشؤون النفسية والاجتماعية- ثقافة تبادل المصالح ومبدأ النفعية للأسف ثقافة انتشرت لدى كثير من الناس في العصر الحاضر، والسبب في ذلك هو سيطرة المفاهيم المادية والمكتسبات الحياتية على كثير من القيم والمبادئ الأخلاقية، ففي الماضي كانت القيم والمثل والنماذج الأخلاقية هي التي تحكم وتسيطر على طريقة التعامل بين الناس وكانت الحياة في الماضي تنبض بمثل هذه المفاهيم السامية مثل «الكرم، والشجاعة، تحمل المسؤولية، احترام الكبير، رحمة الصغير، التكافل الاجتماعي»، إلى غير ذلك من القيم الأخلاقية التي هي أساس وجوهر ثقافة الدين الإسلامي، ولكن للأسف عدة مكونات اجتماعية ونفسية غيرت النظرة تلك، وكذلك طريقة تقييم الآخر، فعلى مستوى المنظومة الاجتماعية فعلت الرأسمالية العالمية فعلتها في ثقافة الشعوب واستخدمت العولمة الاقتصادية معاولها لهدم كل شيء «غير اقتصادي»، وتبعاً لذلك أصبحت المفاهيم السياسية تتبنى مفهوما واضحا يحكم كل التعاملات وهو «لا عداء دائما ولا صداقة دائمة»، ولكن هناك مصالح دائمة. وقال «د.الحريري»: «إنّه من أهم عوامل الناحية النفسية للأفراد هو زيادة الحاجة المادية لكل شخص نتيجة لازدياد المتطلبات الحياتية؛ التي لم تكن موجودة أساساً من الماضي كما زادت المعايير الاستهلاكية لكثير من الناس ومعظمها مسايرة للوضع الاجتماعي العام، وهذا بالتالي أدى الى ظهور حالة من الأنانية والتمركز حول الذات ولسان الحال الذي يقول: (نفسي نفسي، ومن بعدي الطوفان)»، مشيراً إلى أنّ كثير من الناس أصبحوا ينظرون إلى أولئك الذين يستخدمون طرقهم وأساليبهم في الانتفاع على أنهم أصحاب مصالح أو كما يقال «مصلحجية» صحيح أنه لا عيب في تبادل المصالح، بل إنّ ذلك قد يكون من ضمن متطلبات التكافل الاجتماعي في هذا العصر الحديث، لكن الاعتراض على كسر قيم الأمانة، وتحطيم القيم الأخلاقية وبيع الكرامة الشخصية والمساومة على المسؤوليات المهنية في سبيل الانتفاع لتحقيق مصالح مادية. المفاهيم الأخلاقية وأكد «د.الحريري» على أنّ العلاج حتماً يكون بتأصيل المفاهيم الأخلاقية للمبادئ الإسلامية بالأساليب العصرية سواء كان ذلك داخل الأسرة بوجود النموذج الصالح سواء كان أبا أو أما، وتعزيز التعامل النبيل مع الأبناء، أو من خلال دور المدرسة التي تعني بتأصيل المفاهيم الأخلاقية من خلال استخدام المعلمين المناهج الخفية في التربية الأخلاقية، كذلك إلى جانب التربية المعرفية كما لا ننسى واجبات المنظمات الحكومية والأهلية نحو مفاهيم وتطبيقات المسؤولية الاجتماعية، التي يجب أن تكون واضحة وفق معايير أداء سهله إذ لابد من التطبيقات التي يمكن أن تعبر بصورة مشرفة وواعية عن المجتمع المسلم والمواطن السعودي الصالح الذي يعكس ثقافة بلد الحرمين ومملكة الإنسانية.